اللغة في "نقطة التلاشي" لجمال محمد إبراهيم
أثر تداعيات الفعل السياسي علي علاقات وأفعال وانفعالات شخوص الرواية ،
اصطراع المشاعر و الأحاسيس والقيم بين القاهرة وتونس ،
المراوحة بين ماض مألوف ومستقر تمثله القاهرة وبين مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات تمثله تونس موطئ قدم جديد محمل بحزين الذكريات وصغير الإخفاقات ،
حالات الانكسار والهزيمة الشخصية النفسية للكل،
جميعها أحاسيس ومشاعر وانفعالات وعلاقات شخصية "تخالط اللحم والعظم " فرضت على الكاتب توظيف لغة ثرية غنية بالدلالات والصور تنافس القصيد في لحظات تجلي العواطف وصفو الود، مع استخدام جمل إيقاعية سريعة تعكس الحالة النفسية! بل وحتى الكلمات المفردة:
"صورهم الفوتوغرافية, هداياهم إليّ. الملابس. الكتب. المخطوطات."
"وأنا مأخوذ بفرح غامض وحبور دفاق"
"فصرنا زهرا وفراشا،" هذه الصيرورة فعل حركي وما بين الفراشة ورحيق الزهرة معلوم ولكن هذه صورة ترك للقارئ أن يملأها بتصوراته هو مما يغني الصورة ويزيدها ثراء وألوانا،
"نسيما وطلا واحتباس أنفاس وشهيقا"
"ألثم فمها بين صدر بيت وعجزه، " تجسيد صدر بيت القصيد وعجزه مع إضافة’ اللثم لفعل قراءة الشعر، "فأموت طربا" الموت حزناً والموت فرحا أما طرباً فهذا فتأمل!!
تعميدي عاشقا قبالة قرطاج
مستدبرا فاطمة مستقبلا نجاة
طوى الكاتب مساحة من المشاعر والأحاسيس ترك للقارئ أن يملأها كيف شاء ما بين ذكر فاطمة سالم ومؤهليها الأكاديمي و الاجتماعي، وبين "فاطمتي" الإضافة أغنت عن كل قول والغريب أن الكاتب ما أشار لفاطمته بالحبيبة قط مع أنها ملكت شغاف قلبه
"وكان ظني وظنها،
أن الدوام للفرح،
وأن البقاء الأوحد للحب
ولمسة الصداقة الحقة"
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
خرائط العشق.
تأمل في تعميد العاشق في قرطاج وصورة البحر المسقي عشقا ثم صورة خرائط العشق فهي صورة لا متناهية لكل قارئ منا ما يشاء في إثرائها ورفدها بالصور التي يريد. الكاتب يشرك قارئه في إثراء النص بجمل وعبارات موحية من شاكلة "فصرنا زهراً وفراشاً، " و"فاطمتي"
وتصير نفس هذه اللغة حادة جافة نصالا لا تداري عند تبدل الحالة النفسية ("مزهوا بتوتري وانفعالي" أقحاح، نصال، وحوافرها تدك جسد حبيبتي، تجاويف الكذب ومتاهات النفاق وبمخالب الحيرة والشكوك وانتزاع الأقنعة (ليس نزعها أو سقوطها) انتقال الريبة إلى الشك ، التخثر والهذيان .. وغيرها
وجميعها جمل وكلمات حركية تأمل في عنف صورة دك جسد الحبيبة بحوافر خيول من أحبت التي أسرجها هذه المرة "مستدبرا نجاة مستقبلا فاطمة"
"وردة في جرح وجرح في وردة" كأنما أرادها وردة نازفة وهي لوحة ناطقة بحالة جميلة القابيسي ولحظة انكسار المنصور غير المنصور
استحالة الكتمان وقد ذاع حديث الخيانة وانتشر "كيف للصواعق أن يبتلعها الصمت أو تخبو في تجاويف الصخور"
تباً لهذا الزمن الأعمى والأخرس والأعرج.
تباً لمن رضي بعماه وخرسه وعرجه.
"بيني وبينك إبريق شاي وكأس جعة " تحول ما بينه وبين الجنية الشغبة التي قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها "
والتي معها "فاطمة سالم صارت تاريخا، أو حاضر أتحاشاه" إلى أشياء حسية إبريق شاي وكأس جعة
الكلمة ونقيضها لتعكس حالة التلبس التي عليها
استخدام المفردات والصور القرآنية أثرى النص كثيرا
استخدام مفردتي كارثة وخيانة
الكارثة من الكلمات المحورية لتعدد أنماط الانكسار الفردي لشخوص الرواية:
فالرحلة كارثية،
وهو كارثة في نظر فاطمة،
وكارثته الشخصية أنه لا يستطيع اصطحاب صديقته فاطمة سالم إلى تونس
هذا العراقي الكارثة
.... أرى الكارثة محدقة بنا جميعا يا عزيزتي
وتردنا آخر الأمر قتلة خونة ومزورين. فهل من فكاك؟
"ها قد جئنا إليك يا تونس" بهذه الجملة الاستهلالية للرواية كأنما كان الكاتب يستكمل حواراً جاريا ووجود أل"ها" يعكس المزاج النفسي والروحي التي ينظر بها لموطئ قدمه الجديد محمل بحزين الذكريات وصغير الإخفاقات وليس ذلك الفرح النشوان حيث حل!!!
"وخرجنا من القاهرة.." عطف على الجملة الاستهلالية في مقدمة الرواية واستكمال للحوار وهو إعداد لمسرح اصطراع المشاعر و الأحاسيس والقيم والمراوحة بين القاهرة وتونس .
".... أننا يوما سنسدد من دمنا ولحمنا وأعصابنا، نصيبا مقدرا نظير هذه المغامرة السياسية الجريئة." نبؤة بالانكسار النفسي لشخوص الرواية
ها نحن قد جئنا إليك يا تونس الخضراء" توظيف الخضرة لبث الحيوية في اليباس والحفز والإيقاظ من الموات.
ليسقط عميقا في غيبوبة من الحركة والدوران الأجوف"
مدخل تصوير بداية العلاقة مع نجاة استدعى له صور الشعراء العذريين:
" ها... العرب السمر، مرحبا"
"كلنا أفارقة أقحاح"
يستدعي قول جميل بثينة:
وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض با بثين سباب
فقلنا لها قولا فجاءت بمثله لكل كلام يا بثين جواب
فانطفأت نيران معركة لم أبدأها ... ,إن كان جميل هو البادي في حالة بثين
"لكنهما قطعا لم يدركا في تلك اللحظة أن الجنية الشغبة قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها بعد الرحيل القسري من القاهرة التي أحببت"
"لقد استقر في داخلي أن فاطمة سالم صارت تاريخا، أو حاضر أتحاشاه". يصور تبدل حال الراوي من الغم والحزن الذي لازمه من بعد الخروج من القاهرة
الانكسار النفسي لشخوص الرواية
أي أصدقاء تعنين يا نجاة؟
منصور
هذا الذي عند النزال، فر بجلده وترك "القابسية" تلعق جرحها النازف في وحشة "إريانة"، واحتمى بقلعته الدبلوماسية بعيدا لا تلحقه الشمس ولا تطاله الصواعق أو تصطاده النصال؟
هو الذي رسب رسوبا مدويا في اختبار طارئ لصدقيته وتماسكه،
كنت أرى في موقفه تخاذلا مخزيا ومستفزا،
لهفي عليك يا جميلة، وأنت في العشرين من العمر: وردة في جرح وجرح في وردة
ها هو منصور صديقي مهزوم أمامي، مدحور أمامك يا جميلة... يحسب أن قنينة الخمر التي أفرغها في جوفه ستنشله من محنته، أو تفتك بضعفه، فتخيل انهزامه نصرا فيستعيد بذلك اسمه الذي لم يعد يليق به، اسمه الذي لم يعد يناسبه منصور"
رأيت صديقي يهوي إلى الجب، وكنت الشاهد الوحيد.
سعدون
سعدون وسلوى" كيف أصدق أن الجبل الضخم من السخرية والمناكفة يمكن أن ينتهي إلى ضعف وخور.
"..ذاك الذي أثر التفاحة المحرمة الملقاة في بستان جاره، فقضمها لتتلبسه الخيانة وتمضي به بعيدا عنا، فلا نلقاه أو يلقانا؟ التردد على سفارة بلده يرفدها بما تريد من أسرار هي بداية الخيانة ثم هجر الحبيبة "لطيفة" وذروة ذلك ضرب الصداقة في مقتل بانتهاك عرض الصديق في صداقة أضحت محبطة!
أما ثالثهم عبد الحميد فقد أتى:
" يجرجر خيبة سنوات ضيعها في تجارة هامشية وبائرة لم تكسبه ربحا يسد به رمق أسرته الصغيرة، في جيوبه بضع مئات من الدولارات، وبضع أكاذيب صغيرة"
"....الذي استمرأ الغفلة دون خلق الله أجمعين، فلا أذن سمعت ولا عين رأت، ولا خطر بقلبه المسكين، أن "القاهرية" تعبث مع غيره؟" وصوله لتونس محملا ببضع أكاذيب صغيرة كأنما كان تهيئة لاستمرأ الغفلة ووقر الأذن وإغماض العين!
كيف وقد خاض الجميع في حديث الخيانة.. كيف للصواعق أن يبتلعها الصمت أو تخبو في تجاويف الصخور.
تباً لهذا الزمن الأعمى والخرس والأعرج.
تباً لمن رضي بعماه وخرسه وعرجه.
واجتياح السياسة العربية لأدق خصائصنا الشخصية فما جنينا إلا الخيبة آخر المطاف.
فيتساقطون تباعا من حولي، وأنا لا حول لي ولا قوة عاجز عن نجدتهم.
"لكن الميزة الكبرى هي أن الزيف تراه يتمخطر أمامك في كامل أناقته".
أما رابعهم
متشبثا بقناعة العودة الكبرى إلى قاهرتي الفاطمية"
لحظة الانكسار وبداية الهزيمة "صحت بها: آه يا فاطمة"
"في آخر الليل، كانت أقحوانتي مضيئة كما الأقمار، توضأت من بريق عينيها، وكانت صلاتي وانهياري، عبادتي وتجديفي، بكائي وضحكي. لكن، كيف انتهى الليل وقد ارتطمت عليها كما يرتطم الموج الغاضب بأحجار شاطئ "الرواد" الملساء ورماله الحانية؟"
هذه النقلة الفجائية من الأقحوان والضوء والأقمار والوضوء والعبادة المشعة جميعها من "الجنية الشغبة التي قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها بعد الرحيل القسري من القاهرة التي أحببت"
" لماذا في غيبوبتي تلك ـ صحت بها: آه يافاطمة. فكانت زلة اللسان فضيحتي الكبرى. زلة لسان باسم من ملكت شغاف قلبه في حضرة من سكنت دارا خلت شعابها! فتأمل أي شرخ في حميمية العلاقة وهل لهذا من بلسم؟؟؟.
"فاطمتي القاهرية.... القاهرة الفاطمية" التماهي بين الحبيبة والمدينة هل تماهت فاطمة مع القاهرة بهذه الجملة وهو الذي ما أشار لفاطم بالحبيبة قط!!!
في ساعة الصدق آثرت الهرب تماما مثلما فعل صديقي الدبلوماسي الهمام، حين تورط في مأزقه مع حبيبته "جميلة القابسي" ذلك هروب وهروبي من القاهرة هروب من نوع آخر
الإحساس المدمر: خوف من الانزلاق إلى تجاويف الكذب أم السقوط في متاهات النفاق أم هو الخيانة تتهجم عليّ بمخالب الحيرة والشكوك، فأبقى معلقا بين بين. (كلمات لا نهائية تجاويف ومتاهات
وأنا أسير حيرتي الكبرى مبحرا في عرض "المتوسط" بين الإسكندرية وقرطاج بين المحار والقواقع
أواه يا نجاة
لكن أيضا من بين جميع تورطاتي بل أكثرها شغلا للذهن، هو دوراني حول فاطمة سالم، ملفي الذي خلفته دون حسم في القاهرة، ثم بزوغ نجم نجاة بن عرفة لامعا في سمائي، هنا في تونس"
جئتك يا تونس مستريبا مترددا. ولكنك الآن تردين عليّ بضاعتي شكا يخنقني ويحاصر أصدقائي وحبيباتي!!! فيتساقطون تباعا من حولي، وأنا لا حول لي ولا قوة عاجز عن نجدتهم.
هروب من نوع آخر وزلة لسان وملف لم يغلق والريبة من تونس جميعها إعداد للحظة انكسار الراوي
أهرب إليّ أهرب إليّ
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
وهكذا خرج ....
مستدبرا نجاة مستقبلا فاطمة
الانكسار هو لشخوص الرواية الذكورية "واجتياح السياسة العربية لأدق خصائصنا الشخصية فما جنيننا إلا الخيبة آخر المطاف" هل يعكس تأثير الفعل السياسي على الرجال بحكم الاشتغال بالشأن العام أكثر من النساء في مجتمعنا بل إن نجاة بن عرفة التي حطت جميع عصافيرها على أشجاره و لم يبق غصن واحد تحتمي به عندما هبت العاصفة هي التي استدعته لحديث المصارحة ومرارة الاختيار عوضا عن المداراة،"تجرني إلى ساحة القتال" هو الذي هجره البؤس وطارت طيور تعاسته بعيدا عن بساتينه عندما أحبها صادقا!!!
في ساعة الصدق آثرت الهرب تماما مثلما فعل صديقي الدبلوماسي الهمام، حين تورط في مأزقه مع حبيبته "جميلة القابسي"
لحق الاهتزاز بالحيثيات و الملابسات التي تحيط بي وبأصدقائي ومعارفي. منصور الآن هو منصور آخر لا أعرفه.
هجرت الصداقة المحبطة. نسعى الآن إلى أن نتوهم أسلابا غنمناها، ونحن نرزح في قيودنا أسرى.
من يفك الاشتباك بين حديقتي وحدائق الآخرين، من؟
آه من نفاق العواطف حين تكون جياشة إذ بعده تنكشف الدواخل في افتضاح مقيت، وتردنا آخر الأمر قتلة خونة ومزورين. فهل من فكاك؟
أهرب إليّ أهرب إليّ
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
ـ هل أسرجت خيلي خروجا إلى فاطمتي القاهرية وحوافرها تدك جسد حبيبتي نجاة بن عرفة؟ بيني وبينك إبريق شاي وكأس جعة.
لا مكان للاختباء إلا في الخروج إلى العلن، والاحتماء بالشمس في هذه الليلة الحالكة، وإلا في انتزاع الأقنعة. فلا يبقى للإنكار من مكان، أو للخيانة من مأمن.
ثم كان أن هتفت جهراً باسمها:
ـ فاطمة، فاطمة سالم.
أكاد اصيح بلسان مقطوع أن دثروني..
إذ ادركت متأخرة أن قواربي قد أبحرت بعيدا عن سواحلها وأمعنت في مسيرها نحو آفاق مجهولة، وأن هذا الذي حسبته مرسى لأحلامها بدأ لها الآن مثقلا بثياب الخديعة والاحتيال لحظة اختار المصارحة وكشف المخبوء...
أحببتك صادقا فهجرني بؤسي وطارت طيور التعاسة بعيدا عن بساتيني.
لا أعرف كيف حطت جميع عصافيري على أشجارك، حتى إذا هبت العاصفة، لم يبق غصن واحد أحتمي به.
خاصمتني تونس
والسماء غائمة والشمس في غياب
خاصمتني تونس مع أصدقائي وأحبابي
دلفت إليك وراياتي بيضاء وسيوفي في أغمادها.
ورماني إلى البحر، قبالة قرطاج، فخضته حتى الاسكندرية، بقواربي المنهكة وبوصلتي المعطوبة وشموسي الغائبة وسمائي المدلهمة.
وأن هذا الذي حسبته مرسى لأحلامها بدأ لها الآن مثقلا بثياب الخديعة والاحتيال
أخرج عن تاريخي أغرب عن جغرافية أمكنتي. تأمل في ما انكسار الرجل ما بين قول نجاة هذا والاحتماء بالمهنة عند منصور أو ملف لم يغلق في القاهرة النفي عن المكان والخروج عن التاريخ عند نجاة بن عرفة!!!
وأنا محض عاشق تنكب مستحيلا أودى به إلى مسارب الضياع.
حتى لا يكون بيننا تلاق، ولا فراق.
كنت نزعي الأخير والشهقة المميتة لك كنت صرخة الميلاد وبوابة الحياة ورحلة التكوين.
فاستظل بأوهامي سعيدا بخصامك لي يا تونس، مبتهجا بسقوط أصدقائي وأحبابي الواحد تلو الواحد، في متاهة الجب... فهل أنا الرابح في خاتمة المطاف
خاصمتني تونس
ثم أضاعني منصور
هي تنوسكم الخضراء. نعم. لكنها هي الآن يبابي ويباسي وأرضي الخراب.
أدفن مواهبي في بلد خليجي، فيقتلني، واقفا، كفيل لعين جاهل
بكوارث أصدقائي وصديقاتي. فيهم من ابتلعته الهاوية العميقة التجاويف و الخيانة، ومسخ الذات، ودمار الهمة.
دعوني أهرب إلى شموسي المقيمة وراء الأهرامات، المغسولة بمياه الأنهار التي تتحدر من تخوم كوش القديمة، فتنبري مروي إلى عناق التاريخ المحتوم مع الجيزة، حتى أرى عندئذ في المرايا فاطمتي القاهرية، أخاذةالملامح، باهرة مستبدة، يدها ممدوة إلي، تقترب حتى يكاد خنصرها يلامس بنصري.
بفعل الخيانة التي أرخت سدولها حولي
هذا الفيض من الخيانات ومن زخات السقوط.
قادم إليك وعلى ظهري أحمال فقري وبؤسي، وعلى رأسي تاج هوية مثقوبة بفعل فاعل. أنت التي تريدينني كاملا، يا فاطمتي، فيك توحدي وصلاتي وتماسك أشلائي بعد هذا الانفلات من حصار الخيانة وقبضة التخثر والهذيان.
هذا فراق بين وبينك يا تونس، فما استطعت معي صبرا
"من يسمعني يا فاطمة. يا فاطمة. من يسمعني"
"لا مكان للاختباء إلا في الخروج إلى العلن"
الاختباء في العلن هو فراق يباب تونس الخضراء إلى الشمس المقيمة وراء الأهرامات
تتصاغر الأشياء وتتخافت الأضواء وتتمايع المعالم، ثم أراك دائرة تتراقص في الأفق البعيد فتصرين نقطة التلاشي وإمحاء الذاكرة.
تغازلني أطياف أصدقائي، تتلاشي ملامحها ويحتضنها الغيم الذي تكاثر في فضاء المطار. عند التلاشي، يبين الذي كان خفيا ويبتعد عنه الضباب ، ويغدو مرئيا محدد الملامح والقسمات. عندئذٍ، لا يكون في التلاشي ضياع ولا فقدان بل اكتشاف وعثور واجتماع. لا يكون التلاشي خسراناَ، بل ربحاَ وولادة.
هل هو الرابح في نهاية المطاف وهو من استدبر نجاة واستقبل فاطمة فلا نجاة أبقى ولا فاطمة شم وضم.
+++++++++++++++++++++++++
انتزاع الأقنعة و الشغب والمناكفة هل هو استدعاء لشارع الجامعة والأخوين حسين شريف ومحمود عكير عليهما الرحمة والمغفرة، حسين انتزع الكهرمان وشغف محمود بمفردة المشاغبة وانحيازه الذي لا يداريه!!
أثر تداعيات الفعل السياسي علي علاقات وأفعال وانفعالات شخوص الرواية ،
اصطراع المشاعر و الأحاسيس والقيم بين القاهرة وتونس ،
المراوحة بين ماض مألوف ومستقر تمثله القاهرة وبين مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات تمثله تونس موطئ قدم جديد محمل بحزين الذكريات وصغير الإخفاقات ،
حالات الانكسار والهزيمة الشخصية النفسية للكل،
جميعها أحاسيس ومشاعر وانفعالات وعلاقات شخصية "تخالط اللحم والعظم " فرضت على الكاتب توظيف لغة ثرية غنية بالدلالات والصور تنافس القصيد في لحظات تجلي العواطف وصفو الود، مع استخدام جمل إيقاعية سريعة تعكس الحالة النفسية! بل وحتى الكلمات المفردة:
"صورهم الفوتوغرافية, هداياهم إليّ. الملابس. الكتب. المخطوطات."
"وأنا مأخوذ بفرح غامض وحبور دفاق"
"فصرنا زهرا وفراشا،" هذه الصيرورة فعل حركي وما بين الفراشة ورحيق الزهرة معلوم ولكن هذه صورة ترك للقارئ أن يملأها بتصوراته هو مما يغني الصورة ويزيدها ثراء وألوانا،
"نسيما وطلا واحتباس أنفاس وشهيقا"
"ألثم فمها بين صدر بيت وعجزه، " تجسيد صدر بيت القصيد وعجزه مع إضافة’ اللثم لفعل قراءة الشعر، "فأموت طربا" الموت حزناً والموت فرحا أما طرباً فهذا فتأمل!!
تعميدي عاشقا قبالة قرطاج
مستدبرا فاطمة مستقبلا نجاة
طوى الكاتب مساحة من المشاعر والأحاسيس ترك للقارئ أن يملأها كيف شاء ما بين ذكر فاطمة سالم ومؤهليها الأكاديمي و الاجتماعي، وبين "فاطمتي" الإضافة أغنت عن كل قول والغريب أن الكاتب ما أشار لفاطمته بالحبيبة قط مع أنها ملكت شغاف قلبه
"وكان ظني وظنها،
أن الدوام للفرح،
وأن البقاء الأوحد للحب
ولمسة الصداقة الحقة"
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
خرائط العشق.
تأمل في تعميد العاشق في قرطاج وصورة البحر المسقي عشقا ثم صورة خرائط العشق فهي صورة لا متناهية لكل قارئ منا ما يشاء في إثرائها ورفدها بالصور التي يريد. الكاتب يشرك قارئه في إثراء النص بجمل وعبارات موحية من شاكلة "فصرنا زهراً وفراشاً، " و"فاطمتي"
وتصير نفس هذه اللغة حادة جافة نصالا لا تداري عند تبدل الحالة النفسية ("مزهوا بتوتري وانفعالي" أقحاح، نصال، وحوافرها تدك جسد حبيبتي، تجاويف الكذب ومتاهات النفاق وبمخالب الحيرة والشكوك وانتزاع الأقنعة (ليس نزعها أو سقوطها) انتقال الريبة إلى الشك ، التخثر والهذيان .. وغيرها
وجميعها جمل وكلمات حركية تأمل في عنف صورة دك جسد الحبيبة بحوافر خيول من أحبت التي أسرجها هذه المرة "مستدبرا نجاة مستقبلا فاطمة"
"وردة في جرح وجرح في وردة" كأنما أرادها وردة نازفة وهي لوحة ناطقة بحالة جميلة القابيسي ولحظة انكسار المنصور غير المنصور
استحالة الكتمان وقد ذاع حديث الخيانة وانتشر "كيف للصواعق أن يبتلعها الصمت أو تخبو في تجاويف الصخور"
تباً لهذا الزمن الأعمى والأخرس والأعرج.
تباً لمن رضي بعماه وخرسه وعرجه.
"بيني وبينك إبريق شاي وكأس جعة " تحول ما بينه وبين الجنية الشغبة التي قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها "
والتي معها "فاطمة سالم صارت تاريخا، أو حاضر أتحاشاه" إلى أشياء حسية إبريق شاي وكأس جعة
الكلمة ونقيضها لتعكس حالة التلبس التي عليها
استخدام المفردات والصور القرآنية أثرى النص كثيرا
استخدام مفردتي كارثة وخيانة
الكارثة من الكلمات المحورية لتعدد أنماط الانكسار الفردي لشخوص الرواية:
فالرحلة كارثية،
وهو كارثة في نظر فاطمة،
وكارثته الشخصية أنه لا يستطيع اصطحاب صديقته فاطمة سالم إلى تونس
هذا العراقي الكارثة
.... أرى الكارثة محدقة بنا جميعا يا عزيزتي
وتردنا آخر الأمر قتلة خونة ومزورين. فهل من فكاك؟
"ها قد جئنا إليك يا تونس" بهذه الجملة الاستهلالية للرواية كأنما كان الكاتب يستكمل حواراً جاريا ووجود أل"ها" يعكس المزاج النفسي والروحي التي ينظر بها لموطئ قدمه الجديد محمل بحزين الذكريات وصغير الإخفاقات وليس ذلك الفرح النشوان حيث حل!!!
"وخرجنا من القاهرة.." عطف على الجملة الاستهلالية في مقدمة الرواية واستكمال للحوار وهو إعداد لمسرح اصطراع المشاعر و الأحاسيس والقيم والمراوحة بين القاهرة وتونس .
".... أننا يوما سنسدد من دمنا ولحمنا وأعصابنا، نصيبا مقدرا نظير هذه المغامرة السياسية الجريئة." نبؤة بالانكسار النفسي لشخوص الرواية
ها نحن قد جئنا إليك يا تونس الخضراء" توظيف الخضرة لبث الحيوية في اليباس والحفز والإيقاظ من الموات.
ليسقط عميقا في غيبوبة من الحركة والدوران الأجوف"
مدخل تصوير بداية العلاقة مع نجاة استدعى له صور الشعراء العذريين:
" ها... العرب السمر، مرحبا"
"كلنا أفارقة أقحاح"
يستدعي قول جميل بثينة:
وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض با بثين سباب
فقلنا لها قولا فجاءت بمثله لكل كلام يا بثين جواب
فانطفأت نيران معركة لم أبدأها ... ,إن كان جميل هو البادي في حالة بثين
"لكنهما قطعا لم يدركا في تلك اللحظة أن الجنية الشغبة قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها بعد الرحيل القسري من القاهرة التي أحببت"
"لقد استقر في داخلي أن فاطمة سالم صارت تاريخا، أو حاضر أتحاشاه". يصور تبدل حال الراوي من الغم والحزن الذي لازمه من بعد الخروج من القاهرة
الانكسار النفسي لشخوص الرواية
أي أصدقاء تعنين يا نجاة؟
منصور
هذا الذي عند النزال، فر بجلده وترك "القابسية" تلعق جرحها النازف في وحشة "إريانة"، واحتمى بقلعته الدبلوماسية بعيدا لا تلحقه الشمس ولا تطاله الصواعق أو تصطاده النصال؟
هو الذي رسب رسوبا مدويا في اختبار طارئ لصدقيته وتماسكه،
كنت أرى في موقفه تخاذلا مخزيا ومستفزا،
لهفي عليك يا جميلة، وأنت في العشرين من العمر: وردة في جرح وجرح في وردة
ها هو منصور صديقي مهزوم أمامي، مدحور أمامك يا جميلة... يحسب أن قنينة الخمر التي أفرغها في جوفه ستنشله من محنته، أو تفتك بضعفه، فتخيل انهزامه نصرا فيستعيد بذلك اسمه الذي لم يعد يليق به، اسمه الذي لم يعد يناسبه منصور"
رأيت صديقي يهوي إلى الجب، وكنت الشاهد الوحيد.
سعدون
سعدون وسلوى" كيف أصدق أن الجبل الضخم من السخرية والمناكفة يمكن أن ينتهي إلى ضعف وخور.
"..ذاك الذي أثر التفاحة المحرمة الملقاة في بستان جاره، فقضمها لتتلبسه الخيانة وتمضي به بعيدا عنا، فلا نلقاه أو يلقانا؟ التردد على سفارة بلده يرفدها بما تريد من أسرار هي بداية الخيانة ثم هجر الحبيبة "لطيفة" وذروة ذلك ضرب الصداقة في مقتل بانتهاك عرض الصديق في صداقة أضحت محبطة!
أما ثالثهم عبد الحميد فقد أتى:
" يجرجر خيبة سنوات ضيعها في تجارة هامشية وبائرة لم تكسبه ربحا يسد به رمق أسرته الصغيرة، في جيوبه بضع مئات من الدولارات، وبضع أكاذيب صغيرة"
"....الذي استمرأ الغفلة دون خلق الله أجمعين، فلا أذن سمعت ولا عين رأت، ولا خطر بقلبه المسكين، أن "القاهرية" تعبث مع غيره؟" وصوله لتونس محملا ببضع أكاذيب صغيرة كأنما كان تهيئة لاستمرأ الغفلة ووقر الأذن وإغماض العين!
كيف وقد خاض الجميع في حديث الخيانة.. كيف للصواعق أن يبتلعها الصمت أو تخبو في تجاويف الصخور.
تباً لهذا الزمن الأعمى والخرس والأعرج.
تباً لمن رضي بعماه وخرسه وعرجه.
واجتياح السياسة العربية لأدق خصائصنا الشخصية فما جنينا إلا الخيبة آخر المطاف.
فيتساقطون تباعا من حولي، وأنا لا حول لي ولا قوة عاجز عن نجدتهم.
"لكن الميزة الكبرى هي أن الزيف تراه يتمخطر أمامك في كامل أناقته".
أما رابعهم
متشبثا بقناعة العودة الكبرى إلى قاهرتي الفاطمية"
لحظة الانكسار وبداية الهزيمة "صحت بها: آه يا فاطمة"
"في آخر الليل، كانت أقحوانتي مضيئة كما الأقمار، توضأت من بريق عينيها، وكانت صلاتي وانهياري، عبادتي وتجديفي، بكائي وضحكي. لكن، كيف انتهى الليل وقد ارتطمت عليها كما يرتطم الموج الغاضب بأحجار شاطئ "الرواد" الملساء ورماله الحانية؟"
هذه النقلة الفجائية من الأقحوان والضوء والأقمار والوضوء والعبادة المشعة جميعها من "الجنية الشغبة التي قد سكنت تلك الدار التي خلت شعابها بعد الرحيل القسري من القاهرة التي أحببت"
" لماذا في غيبوبتي تلك ـ صحت بها: آه يافاطمة. فكانت زلة اللسان فضيحتي الكبرى. زلة لسان باسم من ملكت شغاف قلبه في حضرة من سكنت دارا خلت شعابها! فتأمل أي شرخ في حميمية العلاقة وهل لهذا من بلسم؟؟؟.
"فاطمتي القاهرية.... القاهرة الفاطمية" التماهي بين الحبيبة والمدينة هل تماهت فاطمة مع القاهرة بهذه الجملة وهو الذي ما أشار لفاطم بالحبيبة قط!!!
في ساعة الصدق آثرت الهرب تماما مثلما فعل صديقي الدبلوماسي الهمام، حين تورط في مأزقه مع حبيبته "جميلة القابسي" ذلك هروب وهروبي من القاهرة هروب من نوع آخر
الإحساس المدمر: خوف من الانزلاق إلى تجاويف الكذب أم السقوط في متاهات النفاق أم هو الخيانة تتهجم عليّ بمخالب الحيرة والشكوك، فأبقى معلقا بين بين. (كلمات لا نهائية تجاويف ومتاهات
وأنا أسير حيرتي الكبرى مبحرا في عرض "المتوسط" بين الإسكندرية وقرطاج بين المحار والقواقع
أواه يا نجاة
لكن أيضا من بين جميع تورطاتي بل أكثرها شغلا للذهن، هو دوراني حول فاطمة سالم، ملفي الذي خلفته دون حسم في القاهرة، ثم بزوغ نجم نجاة بن عرفة لامعا في سمائي، هنا في تونس"
جئتك يا تونس مستريبا مترددا. ولكنك الآن تردين عليّ بضاعتي شكا يخنقني ويحاصر أصدقائي وحبيباتي!!! فيتساقطون تباعا من حولي، وأنا لا حول لي ولا قوة عاجز عن نجدتهم.
هروب من نوع آخر وزلة لسان وملف لم يغلق والريبة من تونس جميعها إعداد للحظة انكسار الراوي
أهرب إليّ أهرب إليّ
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
وهكذا خرج ....
مستدبرا نجاة مستقبلا فاطمة
الانكسار هو لشخوص الرواية الذكورية "واجتياح السياسة العربية لأدق خصائصنا الشخصية فما جنيننا إلا الخيبة آخر المطاف" هل يعكس تأثير الفعل السياسي على الرجال بحكم الاشتغال بالشأن العام أكثر من النساء في مجتمعنا بل إن نجاة بن عرفة التي حطت جميع عصافيرها على أشجاره و لم يبق غصن واحد تحتمي به عندما هبت العاصفة هي التي استدعته لحديث المصارحة ومرارة الاختيار عوضا عن المداراة،"تجرني إلى ساحة القتال" هو الذي هجره البؤس وطارت طيور تعاسته بعيدا عن بساتينه عندما أحبها صادقا!!!
في ساعة الصدق آثرت الهرب تماما مثلما فعل صديقي الدبلوماسي الهمام، حين تورط في مأزقه مع حبيبته "جميلة القابسي"
لحق الاهتزاز بالحيثيات و الملابسات التي تحيط بي وبأصدقائي ومعارفي. منصور الآن هو منصور آخر لا أعرفه.
هجرت الصداقة المحبطة. نسعى الآن إلى أن نتوهم أسلابا غنمناها، ونحن نرزح في قيودنا أسرى.
من يفك الاشتباك بين حديقتي وحدائق الآخرين، من؟
آه من نفاق العواطف حين تكون جياشة إذ بعده تنكشف الدواخل في افتضاح مقيت، وتردنا آخر الأمر قتلة خونة ومزورين. فهل من فكاك؟
أهرب إليّ أهرب إليّ
البحر المسقي عشقا عند الإسكندرية
ـ هل أسرجت خيلي خروجا إلى فاطمتي القاهرية وحوافرها تدك جسد حبيبتي نجاة بن عرفة؟ بيني وبينك إبريق شاي وكأس جعة.
لا مكان للاختباء إلا في الخروج إلى العلن، والاحتماء بالشمس في هذه الليلة الحالكة، وإلا في انتزاع الأقنعة. فلا يبقى للإنكار من مكان، أو للخيانة من مأمن.
ثم كان أن هتفت جهراً باسمها:
ـ فاطمة، فاطمة سالم.
أكاد اصيح بلسان مقطوع أن دثروني..
إذ ادركت متأخرة أن قواربي قد أبحرت بعيدا عن سواحلها وأمعنت في مسيرها نحو آفاق مجهولة، وأن هذا الذي حسبته مرسى لأحلامها بدأ لها الآن مثقلا بثياب الخديعة والاحتيال لحظة اختار المصارحة وكشف المخبوء...
أحببتك صادقا فهجرني بؤسي وطارت طيور التعاسة بعيدا عن بساتيني.
لا أعرف كيف حطت جميع عصافيري على أشجارك، حتى إذا هبت العاصفة، لم يبق غصن واحد أحتمي به.
خاصمتني تونس
والسماء غائمة والشمس في غياب
خاصمتني تونس مع أصدقائي وأحبابي
دلفت إليك وراياتي بيضاء وسيوفي في أغمادها.
ورماني إلى البحر، قبالة قرطاج، فخضته حتى الاسكندرية، بقواربي المنهكة وبوصلتي المعطوبة وشموسي الغائبة وسمائي المدلهمة.
وأن هذا الذي حسبته مرسى لأحلامها بدأ لها الآن مثقلا بثياب الخديعة والاحتيال
أخرج عن تاريخي أغرب عن جغرافية أمكنتي. تأمل في ما انكسار الرجل ما بين قول نجاة هذا والاحتماء بالمهنة عند منصور أو ملف لم يغلق في القاهرة النفي عن المكان والخروج عن التاريخ عند نجاة بن عرفة!!!
وأنا محض عاشق تنكب مستحيلا أودى به إلى مسارب الضياع.
حتى لا يكون بيننا تلاق، ولا فراق.
كنت نزعي الأخير والشهقة المميتة لك كنت صرخة الميلاد وبوابة الحياة ورحلة التكوين.
فاستظل بأوهامي سعيدا بخصامك لي يا تونس، مبتهجا بسقوط أصدقائي وأحبابي الواحد تلو الواحد، في متاهة الجب... فهل أنا الرابح في خاتمة المطاف
خاصمتني تونس
ثم أضاعني منصور
هي تنوسكم الخضراء. نعم. لكنها هي الآن يبابي ويباسي وأرضي الخراب.
أدفن مواهبي في بلد خليجي، فيقتلني، واقفا، كفيل لعين جاهل
بكوارث أصدقائي وصديقاتي. فيهم من ابتلعته الهاوية العميقة التجاويف و الخيانة، ومسخ الذات، ودمار الهمة.
دعوني أهرب إلى شموسي المقيمة وراء الأهرامات، المغسولة بمياه الأنهار التي تتحدر من تخوم كوش القديمة، فتنبري مروي إلى عناق التاريخ المحتوم مع الجيزة، حتى أرى عندئذ في المرايا فاطمتي القاهرية، أخاذةالملامح، باهرة مستبدة، يدها ممدوة إلي، تقترب حتى يكاد خنصرها يلامس بنصري.
بفعل الخيانة التي أرخت سدولها حولي
هذا الفيض من الخيانات ومن زخات السقوط.
قادم إليك وعلى ظهري أحمال فقري وبؤسي، وعلى رأسي تاج هوية مثقوبة بفعل فاعل. أنت التي تريدينني كاملا، يا فاطمتي، فيك توحدي وصلاتي وتماسك أشلائي بعد هذا الانفلات من حصار الخيانة وقبضة التخثر والهذيان.
هذا فراق بين وبينك يا تونس، فما استطعت معي صبرا
"من يسمعني يا فاطمة. يا فاطمة. من يسمعني"
"لا مكان للاختباء إلا في الخروج إلى العلن"
الاختباء في العلن هو فراق يباب تونس الخضراء إلى الشمس المقيمة وراء الأهرامات
تتصاغر الأشياء وتتخافت الأضواء وتتمايع المعالم، ثم أراك دائرة تتراقص في الأفق البعيد فتصرين نقطة التلاشي وإمحاء الذاكرة.
تغازلني أطياف أصدقائي، تتلاشي ملامحها ويحتضنها الغيم الذي تكاثر في فضاء المطار. عند التلاشي، يبين الذي كان خفيا ويبتعد عنه الضباب ، ويغدو مرئيا محدد الملامح والقسمات. عندئذٍ، لا يكون في التلاشي ضياع ولا فقدان بل اكتشاف وعثور واجتماع. لا يكون التلاشي خسراناَ، بل ربحاَ وولادة.
هل هو الرابح في نهاية المطاف وهو من استدبر نجاة واستقبل فاطمة فلا نجاة أبقى ولا فاطمة شم وضم.
+++++++++++++++++++++++++
انتزاع الأقنعة و الشغب والمناكفة هل هو استدعاء لشارع الجامعة والأخوين حسين شريف ومحمود عكير عليهما الرحمة والمغفرة، حسين انتزع الكهرمان وشغف محمود بمفردة المشاغبة وانحيازه الذي لا يداريه!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق