الثلاثاء، 5 أغسطس 2008

مشروع الجزيرة .. نشأته .. حاضره .. وغده المأمول (دراسة)

مشروع الجزيرة .. نشأته .. حاضره .. وغده المأمول (دراسة)
مامون محمد الطيب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين مقدمة: ما أن يطرق الأذن هذا الاسم " مشروع الجزيرة " حتى تتداعى للذهن مجموعة ملونة ومزدحمة من الصور عند الكثير منا، فهو المربع وموطن النشأة ومرتع الصبا، وهو الأيام الخاليات الجميلة لشبابنا الباكر الحالم بمستقبل واعد، هو البيت والأهل والعشيرة، باختصار هو دنيانا بأفراحها وأتراحها، نراه في سواعدنا تحمل أدوات الزراعة وبذور العطاء على الدواب وعلى الظهور أحياناً، نراه في جداول رقراقة تروي ظمأنا في نهار قائظ كما تروي عطش الأرض الداكنة لتخرج ثمرتها كل حين بأذن ربها، هو أهازيج أمهاتنا وأخواتنا يشاركننا نثر البذور وقطاف القطن الزاهر. من منا لايمثل المشروع الجزء العزيز من حياته إن لم تكن حياته كلها !؟ هذا جهد أسعى فيه لتناول أمرا لمشروع بدراسة موسعة، نشأته، وضعه الحالي، ومستقبله المرتجى. لا أدعي هنا أني أملك كل مقومات الخوض في هذا الأمر الكبير والصعب ولكني أبذل الجهد ما أمكنني لأقول ما أريد أدواتي في ذلك معارف متاحة ومعلومات موثقة ومقدرة المعايش المهتم على التحليل، وأرجو أن أجد من يعضد هذا الجهد بما يملك من علم حوله وعلى الله قصد السبيل. تنقسم الدراسة إلى ثلاث محاور أساسية، يتناول المحور الأول نشأة المشروع.. كيف ولماذا .. هل حقق الأهداف التي من أجلها تم أنشاؤه، فهي إضافة إلى كونها دراسة تاريخية، ستتناول تحليل هذا التأريخ وإسقاط نتائجه على واقع اليوم وامتداد ظلاله في مستقبل المشروع. المحور الثاني سيتم التركيز فيه على الوضع الراهن للمشروع بتحليل القوى المؤثرة في قضاياه من ناحية الوجود والهيئة والنتائج. كل ذلك باعتبار التحولات السياسية والاقتصادية وأثارها الاجتماعية الدائرة داخل المشروع وخارجه. ماذا نريد للمشروع أن يكون وكيف نريد أن يحدث ذلك، تلك النقاط البارزة التي يعالجها المحور الثالث والأخير في هذه الدراسة .
مفاجأة ... مشروع الجزيرة خارج العصر .. هل تعلموا ؟ هل تصدقوا ...!!! ؟؟؟ ليس لإدارة مشروع الجزيرة .. بجلالة قدره .. وجود على الشبكة العالمية !!! لاموقع .. لديهم !!! بدأً لابد من شكر كل من ساهم في توفير معلومة لصالح هذه الدراسة التي نحن بصددها، هم كثر. لا أعرف غالبهم إلا من خلال مؤلفاتهم ومشاركاتهم في مواضيع تخص منطقة ومشروع الجزيرة.لعلي أحاول إثبات مراجعي بالدراسة في وقت لاحق.

توطئة: دروس التاريخ وعبره .. لنتعلم منذ أمد بعيد تراكم طمي النيل بفرعيه على امتداد حركتهما شمالا قبل العناق الأخير على السهل المنبسط بينهما والمسمى بالجزيرة.ولعلها في زمن سابق كانت عامرة بأهلها ممن تعارفنا على تسميتهم بالعنج وهم الخؤولة، بين غاباتها الكثيفة عاشوا يزرعون ويرعون مواشيهم، بعض أثارهم ولقاياهم حكايا سمعناها من الأجداد والجدات، تحت هذه الأرض تعيش ذكراهم وبقايا ممتلكاتهم وعظامهم. لا تتوفر حسب معلوماتي دراسات اركيولوجية معتبرة عن هذه المنطقة إلا من محاولات كالتي قامت بها بعض بعثة أكاديمية اسبانية أيام استئناف العمل في بناء سد سنار.كما أن المعلومات المتاحة عن تأريخها قبل الدولة السنارية قليلة وصعبة المنال الأ من شذرات هنا وهناك في بطون الكتب مما تركه المؤرخون والرحالة المسلمين وغيرهم. بخصوبة أرضها ووفرة مياهها وعشبها، كانت مركز جذب لقادمين جدد من الجزيرة العربية اختلطوا بقاطنيها واستعمروا الأرض فساحت فيها مواشيهم ومن أديمها كان غذاؤهم. القطن ذلك الناعم .. الجميل ..الثمين عرفوه وزرعوه بالمواسم المطيرة ومنه غزلوا ونسجوا مايسد حاجتهم وأتجروا به مع الآخرين.عرفت منطقة الحلاوين منذ أمد بعيد يمتد لفترة دولة الفونج وماقبلها بهذه الصنعة وبرع أهل المنطقة فيها، لكنها أندثرت مع ماذهبت به الأيام وتصاريف الدهور من أنماط النشاط الإنساني، فلاتكاد تجد لها أثراً اليوم الا في قصص السابقين. عاشوا هنا آمنين وسارت الحياة بهم هادئة على ذلك المنوال والعالم حولهم يصطرع على الموارد والمواد الخام ومنها القطن. والقرن التاسع عشر الميلادي يشارف نهايته، كانت الدولة البريطانية لاتزال تعيش أيام عزها ومجدها حتى بعد فقدها السيطرة المباشرة لرقعة واسعة غنية من الأرض الجديدة (الولايات المتحدة الأمريكية). في تلك الأيام كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج لسلعة القطن، وبفقد الإمبراطورية البريطانية لهذا المورد الهام وقتها، والنقص الكبير في هذه السلعة العالمية كما أشارت البحوث والدراسات حينذاك، بدأ التفكير في مصادر مضمونة ومناسبة لإنتاج القطن داخل الإمبراطورية البريطانية والمناطق الواقعة تحت نفوذها. شمالاً وفي العام 1899 كان السير وليام كارستن مستشار وزارة الأشغال العامة المصرية، مهتماً بتحقيق تطلعات الإمبراطورية في هذا الشأن، كما كان مدركاً أن السهول الطينية الخصبة الى الجنوب في السودان، واعدة لتلبية الحاجة. فكانت الخطة القائمة على إقامة مشروع زراعي يسقى عن طريق بناء سد مائي على النيل الأزرق عند منطقة سنار الأمر الذي يتيح المحافظة على مستوى الماء خلف السد، محاكياً لمرحلة الفيضان الموسمي على مدار العام. ثم يتم تغذية المساحة المقدرة للزراعة شمالاً حتى ود مدني. قيل إن الملوك والقادة يتدينون لأسباب سياسية .. و يخوضون غمار الحروب لأسباب اقتصادية. فهل كان (فتح السودان) كمايسمونه والدماء الزاكية التي سالت غزيرة بوادي كرري صبيحة يوم ( 2 سبتمبر ) من عام الميلادي 1898 لأجل الثمرة البيضاء .. القطن ... ؟؟؟
أبصم بالعشرة أنها كذلك وزيادة .. استطراد تاريخي : مما قرأت مؤخراً عن القطن، أن زراعته وصناعة المنسوجات القطنية بالسودان، أمر قديم قدم السودان. ففي ممالك النوبة القديمة زرع القطن وصنعت الملابس القطنية المصبوغة والملونة بالرسوم الجميلة وأستمر هذه الصناعة كذلك خلال فترة الممالك المسيحية حتى أن منسوجاتهم طبقت شهرتها الأفاق ووصلت تجارتهم فيها أقاصي العالم القديم. كانت المنسوجات القطنية أهم مقتنيات الحجيج السوداني للأراضي المقدسة بجزيرة العرب أبان مملكتي الفونج والفور وقد استخدمت قطع الدمور كعملة مقايضة داخل هذه الممالك ومن مملكة الفور أرسل المحمل لكسوة الكعبة على مدى سنين. واستمرت هذه الحلقات متصلة فقد تحدث الرحالة السويسري بيركهارد عن وفرة النسيج القطني بمدينة شندي، ولعل ذلك هو السبب في أن أول بداية للبريطانيين في تجارب زراعة القطن كانت بمنطقة الزيداب غرب النيل بالقرب من شندي. كذلك توجد دلائل تشير إلى انتقال زهرة القطن وبذوره من السودان القديم شمالاً لمصر القديمة وليس العكس كما قد يتبادر لأذهان الكثيرين. قام الأتراك خلال فترة حكمهم للسودان بزراعة القطن بدلتا القاش بشرق السودان.
عناصر الدراسة : استعرض العناصر الأساسية التي سأبني عليها المشاركات القادمة بالترتيب التالي:
¨ المشروع وبداياته الأولى.
¨ عنصر الأرض : ويشمل الملكية والحيازات ،قانون الحيازات ومواضيع متصلة به.
¨ عنصر المياه ويشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري . علاقات الإنتاج وتشمل المزارع والإدارة (شركة السودان الزراعية SUDAN PLANTATION SYNDICATE ثم إدارة مشروع الجزيرة GAZIRA BOARD) ومصادر التمويل باختلاف جهاتها.
¨ التركيبة المحصولية وتطورها عبر الزمن.
¨ الخدمات المساندة للعمليات الزراعية.
¨ أي عنصر يستجد خلا ل تناول هذه الدراسة.هذه العناصر سيتم تناولها على القواعد الثلاثة موضوع الدراسة (النشأة –الماضي، الحاضر، المستقبل المرتجى)
البدايات الأولي: لم يكد الوضع السياسي يستقر للبريطانيين بعد بالسودان وقد أحكموا سيطرتهم العسكرية على الدولة وقضوا على وجود الدولة المهدية الرسمي، حتى بدأ العمل على إنفاذ مشروعهم الزراعي وتجربة السلعة المستهدف إنتاجها، القطن ... فكان أول عمل تجريبي لزراعة القطن بالسودان من طرف البريطانيين بالزيداب غرب النيل بمنطقة شندي في العام 1902م متزامناً مع دراسة تجريبية كذلك بالكاملين بمنطقة شمال الجزيرة.أما بالنسبة لمنطقة الزيداب فقد حالت محدودية المساحة المتاحة على شريط النيل والكميات المتوقع إنتاجه دون اختيارها فلم تكن تفي بمتطلبات مصانع الغزل والنسيج في لانكشير وليفربول وليدز،فاتجهت الأنظار إلى منطقة الجزيرة لاتساع الأراضي وجودتها وخصوبتها وإمكانية ريها من النيل بإقامة سد بمنطقة سنار كما أشرت أنفاً.هذا السد بجانب توفير المياه لري المناطق المستهدفة لزراعة القطن سيوفر الطاقة الكهربائية المهمة لعمليات تجهيز السلعة للتصدير لاحقاً كالحليج مثلاً إضافة لذلك فإن المشروع يقل ضمن حزام السافنا مما يوفر ثلاثة شهور ماطرة خلال الموسم الزراعي. صاحب قيام المزارع التجريبية الأولى تأسيس أول محطة أبحاث زراعية تجريبية بمنطقة شمبات شمال الخرطوم في عام 1904م. كان قد تم تسجيل شركة السودان الزراعية (SUDAN PLANTAION SYNDICATE) لإنجاز مهمة زراعة القطن بكميات تجارية تقابل حاجات المصانع بالجزر البريطانية.وهي التي تولت عمليات التجارب وقيام ثم إدارة المشروع لاحقاً على مدى عقود. بعد اكتمال الدراسات الجغرافية والطبوغرافية لمنطقة الجزيرة والمقدر مساحتها بعشرة مليون (10,000,000) فدان، ودراسة التربة والتجارب التي تمت على مدى أحد عشر عاماً، بمحطات أقيمت لهذا الغرض بكل من طيبة وبركات والحاج عبد الله، ثبت أن جزءً كبيراً من هذه المساحة يمكن استخدامه وريه بطريقة انسيابية من الخزان بمنطقة سنار. كانت البداية بمزرعة مساحتها 250 فدان عام 1911م كما تم إنشاء محطة الأبحاث الزراعية بالجزيرة لاختبار الزراعة المروية عام 1918م. ) الجماعة ماضيعوا وقت أصلاً لتحقيق أهدافهم .. ودا الشغل(المساحة التي تم اختيارها من المساحة الكلية لإقامة المشروع بلغت واحد مليون وثلاثمائة وخمسون الف ( 1,350,000 ) فدان، أضيف إليها لاحقاً في بدايات الستينات من القرن الماضي امتداد المناقل لتصل المساحة الكلية حتى الآن إلى مليونين ومائة ألف (2,100,000) فدان تقريباً. قبل الشروع في هذه الجزئية، أتقدم بجزيل الشكر وخالص العرفان للأخ الباشمهندس عبد الله محمد أحمد على إهدائي سفر مهم ومصدر غني بالمعلومات عن نشأة وتأريخ المشروع أعتبره رافداً هاماً للدراسة التي بين يديكم. اسم الكتاب : مشروع الجزيرة .. القصة التي بدأت المؤلف : جلال الدين محمود يوسف (زراعي عمل بالمشروع في مناصب عدة أخرها الأمين العام لمجلس إدارة المشروع). الطبعة الأولى في فبراير 1993م)المصدر العمدة الأخر في تناول هذا الموضوع، دراسة باللغة الإنجليزية بعنوان : مشروع الجزيرة .. منظور لتنمية مستدامة. المؤلف : أ.م. الضو A.M.Eldaw برعاية المعهد الألماني للتنمية ومقره مدينة بون(عاصمة ألمانيا الغربية قبل التوحيد) بتأريخ 2004م برنامج إعادة تأهيل مشروع الجزيرة (دراسة مشتركة من حكومة السودان والبنك الدولي عرض الخبير جاك فان هولستن بيليكان) إضافة لأوراق ودراسات كثيرة أخرى كثيرة، أثبتها لوقتها. الأراضي بالجزيرة : الملكية .. الحيازات .. التأجير .. الحواشات تعارف الناس في السودان ومنذ قديم الزمان، على أن الأرض حق مشاع بين أفراد القبيلة الواحدة في المناطق البدوية، أما في اماكن الاستقرار والتجمعات السكانية فان كل فرد يمتلك ما حوله بقوة العرف والتقاليد لذلك لم يكن أحد يعتدي على حقوق الآخرين كما وان الارض لم يكن لها ريع يقود الى الخلاف والتعدي. لذلك لم يكن هناك مبرر لإثبات الملكية سوى ما تعارف عليه الناس، وبالتالي فإن مفردات مثل الملكية الخاصة والملكية العامة لم تكن معروفة البته. كان لبدء الحكم البريطاني المصري دور فاعل في تصاعد المشاكل المتعلقة بملكية الأراضي، فما أن أعلنت الحكومة نيتها الاستثمار في المجال الزراعي حتى سعى بعض المغامرين والمضاربين وتدافعوا لإثبات ملكيتهم لما لديهم من حيازات مما أضطر الحكومة لإصدار اللوائح المنظمة للملكية منذ عام 1899.( أقول قد تكون هذه حجة استغلها البريطانيون وحلفائهم المصريين للسيطرة على أهم مورد للبلاد المحتلة .. الأرض). مما نصت عليه هذه اللوائح، أن إثبات الملكية لا يقبل إلا بأحد طريقين ، أحدهما المستند المؤيد للحق، والثاني إثبات زراعته للأرض خلال الخمس سنوات الماضية. خلال الفترة من 1907 – 1910، قامت الدولة بمسح الأراضي في المنطقة المروية، وتم تسجيلها بأسماء ملاكها الأفراد وعندما قام مشروع الجزيرة، وأبرمت اتفاقية سنة 1919 بين الحكومة والشركة الزراعية السودانية، كانت مشكلة ملكية الأراضي من أكبر المشاكل التي واجهت الدولة، وكان لابد من حلها قبل وضع نظم ادارة المشروع أو عقد اي اتفاقيات أو وضع اللوائح المنظمة للعمل. كانت الحكومة قد جربت طريقة مغايرة قبل ذلك بمشروع الزيداب الزراعي، حيث استولت على الأراضي قسراً، ومنحتها للشركة الزراعية التجريية ثم قامت بتأجيرها للمزارعين نظير فئة محددة. أثبتت التجربة أن نظام التأجير غير عملي فقد أدى لمشاكل كثيرة خصوصاً في سنوات الإنتاج المتدني. تم نقل التجربة من الزيداب للجزيرة بتجربة طيبة عام 1913، بعد ظهور نظام الشراكة، ارتفع إيجار الأرض من خمسة شلنات إلى عشرة شلنات، للفدان الواحد من المواطن للشركة ، حيث تقوم الشركة بإعادة توزيعها للمزارعين مقابل فئات خاصة. بعد توقيع اتفاقية عام 1919، التي حددت علاقة العمل بين الأطراف الثلاثة (المزارع ، الحكومة ، الشركة)، ظهر أن نظام إيجار الأراضي بهذه الطريقة سيكون معقداً، وربما تصاعد الإيجار ، وقد يصل إلى عشرين جنيها للفدان، فتذهب هذه الأموال لمصلحة أفراد لن يكون لهم دور له فاعل في العمليات المرتبطة بالإنتاج الحقيقي، فقيمة الأرض بعد إقامة نظام الري لا تقارن بقيمتها قبل ذلك .لذلك قررت الحكومة إعادة النظر في هذا النظام لضمان حصولها علي شركاء منتجين فعليين، مزارع ملتزم بالبرنامج الزراعي القادم بما يتطلبه من التزامات. في مارس 1920 أصدرت الحكومة منشوراً لمواطني المناطق المروية، عن عزمها زراعة ثلاثة ألف ( 3000 ) فدان بالمحاصيل المختلفة ، تروى بالري الصناعي من خزان سنار، على قرار أسلوب العمل في طيبة. ولما كانت الدولة لا تريد تكرار تجربة نزع الأراضي من أهلها كما حدث بالزيداب سابقاً، كان القرار تأجير هذه الأراضي من أصحابها ( هو ما تعارف عليه أهالي الجزيرة بالكروت)، وإعادة توزيعها في شكل حيازات للمزارعين، أما الأراضي التي تستخدم لشق الترع والقنوات وإقامة المباني ،فقد تم شراؤها من أصحابها. تم تحديد مبلغ ايجار سنوي يعدل عشرة قروش للفدان الواحد لمدة أربعين سنة كما حدد مبلغ واحد جنيه مصري، كسعر شراء للفدان الواحد للأراضي المستخدمة لشق الترع وإقامة المباني والمحالج والمخازن والمباني الأساسية كالمباني والمخازن والمحالج وطرق السكك الحديدية وما إليها. نظام الحواشات (Tenancy System) تم اعتماد نظام الحواشات بديلاً لنظام الإيجار (Rental System) حيث يمنح المزارع قدراً من الأفدنة باسمه تتبادل فيها زراعة المحاصيل في شكل دورة زراعية محددة، ولا يتغير موقع الأرض بالنسبة للمزارع مع تطبيق نظام الشراكة بين الدولة، الشركة الزراعية والمزارع. تم توزيع الحواشات بمساحة 15 أو 30 فدان للمزارع حسب المساحة المملوكة السابقة. تم إعطاء أولوية وأفضلية للملاك وأعطي كل من الملاك الذين لديهم أكثر من ثمانين فدان حواشة بمساحة 30 فدان ونظراً لأن قانون الأراضي لعام 1921 لا يسمح للشخص بأكثر من حواشة فقد تم تفضيل أصحاب الملكيات الكبيرة إضافة لذلك بحق ترشيح أفراد أسرهم كالأبناء والبنات والزوجات والأقارب والمعارف (حق الشفعة) عند توزيع الحواشات، ومن ثم يتم التوزيع لسكان المنطقة الأخرين.جرى تعديل للقانون عام 1934 تم بموجبه رفع مساحة الحواشة من 15 و30 فدان إلى 20 و 40 فدان لمقابلة الدورة الزراعية الجديدة ( 8- COURSE ROTATION) الموجهة لمحاربة موجة أمراض القطن عام 1933 . وهكذا تحول الملاك إلى مزارعين يدفعون كغيرهم إيجارا سنوياً عن الأرض والماء. تقسيم الحواشات بامتداد المناقل كان بمساحات 15 و30 فدان . قانون الأراضي لسنة 1921: صدر تشريع أو قانون الأراضي سنة 1921 وعدل سنة 1923 ثم سنة 1927، وبحكم هذا القانون استأجرت الحكومة كل الأراضي الزراعية التي يشملها نظام الري الصناعي، أو الري المستديم من أصحابها،بواقع عشرة قروش للفدان الواحد في السنة لمدة أربعين سنة،إضافة لشراء الأراضي للأصول الثابتة كقنوات الري والمباني وغيرها.حفظت الحكومة بهذا القانون لنفسها حق مد فترة الإيجار إلى ما بعد المدة المذكورة، حال دعت الضرورة لذلك. في سنة 1965 تاريخ انتهاء عقد لتأجير مع ملاك الأراضي الأصليين، طالب الملاك باتفاقية جديدة لاستمرار الدولة في تأجير الأرض ولكن لم تجد دعواهم مجيب وعل ذلك كان استناداً على التعديلات التي أجريت سابقاً معطية الحكومة حق تمديد فترة الإيجار بمقتضى الضرورة كما تراها. التعديل الذي صدر عام 1927 اسقط أي اتفاق بين المزارع وأي طرف أخر يتعلق بضمان الأرض أو منتوجها مقابل خدمات مالية أو التزامات أخرى الا بعد موافقة مكتوبة من الحكومة، وقصد منه منع المرابين من تسليف المزارعين أمولاً بضمان الحواشة أو المحصول. حسب منطوق قانون 1921أيضاً لا يحق للمزارع التصرف في الحواشة بالبيع أو الرهن أو خلافه ولايحق تقسيم الحواشة إلى أكثر من قسمين حيث تتطلب الأمر بموت المزارع وأيلولة الحواشة للورثة. قرار مجلس الوزراء عام 1970: بعد قيام نظام مايو تحت راية الأحزاب اليسارية والاشتراكية، صدر قرار من مجلس الوزراء بتعديل توزيع الحواشات بالمشروع على قاعدة الأرض لمن يفلحها، لا لمن يملكها، وحددت شروط توزيع الحواشات كما يلي:
¨ أن يكون الشخص سودانياً.
¨ تعطى الأفضلية للأسر الكبيرة.
¨ أن يكون الشخص معتمداً على الزراعة كمصدر رزق أساس.
¨ أن تكون لديه المقدرة العملية على ادارة وتقويم الحواشة.
¨ أن لايمنح الشخص أكثر من حواشة واحدة.
¨ أن لايسمح بالتصرف في الحواشة بالتنازل أو البيع أو الرهن أو الهبة أو خلافه.
¨ تم تطبيق تلك الأسس لاول مرة عند توزيع حواشات تفتيش عبد الماجد.
نتابع التطورات مع الأراضي وصولاً لقانون مشروع الجزيرة لعام 2005م أدناه مواد مشروع الجزيرة لعام 2005م الخاصة بموضوع الأرض من حيث الملكية وحق التصرف : ملكية الحواشات 17- «1» تعتبر جميع الحواشات المخصصة للمزارعين بالمشروع قبل صدور هذا القانون كما لو تم تملكيها بموجب أحكام هذا القانون. «2» تتخذ الحكومة التدابير اللازمة للآتي:
أ. المزارعون أصحاب الملك الحر الذين خصصت لهم حواشات بموجب تلك الملكية تسجل لهم تلك الحواشات ملكية عين بسجلات الأراضي. ب. الملاك الذين لم تخصص لهم حواشات عند التفريقة والذين لهم فوائض أراضي في المادة «17/2/أ» تؤول أراضيهم للمشروع مع تعويضهم تعويضاً عادلاً. ج. يملك بقية المزارعين في المشروع من غير أصحاب الملك «الحواشات» التي بحوزتهم ملكية منفعة لمدة تسعة وتسعين عاماً.. «3» يلتزم المالك الجديد للحواشة بسداد الفئة التي يحددها المجلس كمقابل لتسجيل الحواشة ملك عين. «4» للمجلس الحق في وضع موجهات الاستغلال الأمثل للحواشة وفق السياسة الزراعية العامة ووضع الموجهات اللازمة لتطبيق الضوابط الفنية بالنسبة للملاك. «5» تكون ملكية الحواشة مقيدة بالشروط الآتية: أ. استغلال الحواشة لأغراض الزراعة فقط. ب. عدم تفتيت الملكية. ج. في حالة بيع الحواشة أو التنازل عنها تطبق أحكام كسب الملكية بالشفعة في إطار الأسرة الممتدة والجيرة. 18- «1» للمجلس الحق في تحديد الحد الأدنى لملكية الحواشة. «2» مع مراعاة الفقرة «5» ج. من المادة 17 يجوز للمزارع المالك التصرف في الحواشة بالبيع أو الرهن أو التنازل وفق موجهات المجلس. سنقوم بتحليل لهذه الفقرات من القانون مقرؤة مع ماسبقها من تشريعات منذ قيام المشروع لنرى الفوائد والخسائر الآنية والمتوقعة على أهل المشروع (المزارعين) والمنتفعين منه من موظفين وعمال وأخيراً السودان . المساحة الكلية للمشروع تنقسم إلي قسمين من حيث الملكية.الجزء الأكبر البالغ حوالي 1270000 فدان مملوكة للدولة و895000 فدان ملك حر ساعة إقامة المشروع بنسب 59% و41% على التوالي تقريباً. بقراءة فقرات قانون 2005م الخاصة بالملكية، مع القوانين التي سبقتها نرى الصورة كما يلي:. 1- أبقى قانون 1921 – 1927) الملك الحر من أراضي المشروع كحق قائم لأهله مع دفع إيجار سنوي عن الانتفاع بهذه الأراضي لمدة زمنية محدودة (40) سنة وفي ذلك حفظ للملكية الخاصة رغم توزيع أجزاء منها لآخرين وشرط استخدامها وفق ضرورات المشروع الزراعية. القانون الجديد لعام 2005في هذه الفقرة، أبقي للملاك الذين بحوزتهم حواشات أراضيهم المملوكة ضمن هذه المساحة فقط (ملك عين) مع دفع رسوم التسجيل إذا قُصِدَ بكلمة المالك الجديد في الفقرة (17-3) نفس المالك الحالي وما زاد عن ذلك إن وجد (على نظام الكروت) فهو ملزم ببيعه للدولة (مع تعويض عادل). الملاك الذين ليس لديهم حواشات ملزمين ببيع أراضيهم المملوكة ملكاً حراً (على نظام الكروت) لصالح الدولة(مع تعويض عادل). المزارعين غير الملاك ولهم حواشات تسجل لهم (ملكية منفعة لمدة 90 سنة) كحال الأراضي السكنية في الحواضر. 2- أعطى المالك الحق (نظرياً) في قبول أو رفض الاتفاق بالأجرة المسماة بانقضاء المدة المحددة. في القانون الجديد انتفى هذا الحق بالنسبة للملاك فجميع الأراضي بالمشروع ستؤول ملكيتها للدولة مع (التعويض العادل). 3- وفر أراضي مملوكة للدولة لغير الملاك بتوزيع (الحواشات ) عليهم مقابل إيجار سنوي عن الأرض والانتفاع بماء السقية. تحول الحال الي ملكية منفعة بمدة محددة في قانون 2005 4- منع التصرف بالبيع والتنازل والرهن ولكن أجازه في إطار التوريث الشرعي بضابط تقسيم الحواشة الى نصفين فقط كحد أدنى. أتاح قانون 2005 الحق للملاك حق التصرف بالبيع والتنازل والرهن خلافاً للقوانين التي سبقته،لكنه أبقى على مبدأ عدم تفتيت الملكية بصورة عامة في الوقت الذي سمحت فيه القوانين السابقة باستثناء التقسيم الى نصفين لمقابلة ضرورات الوراثة. 5- حددت كافة القوانين حتى الآن استخدام الأراضي في المجال الزراعي فقط. 6- قسم القانون الجديد المزارعين لفئتين من حيث ملكية الأرض الزراعية (الحواشات) فئة ملكية عين والفئة الأخرى ملكية منفعة .. فهل سيترتب على ذلك فرق في التعامل بين الفئتين من طرف الشركاء والقرارات المرتبطة بهذه الشراكة على مستوياتها المختلفة سؤال يحتاج إجابة؟
التعليق : يثبت القانون حق الدولة في نزع الملكيات الخاصة من أصحابها لأجل المنفعة العامة .. فهل يعتبر مشروع الجزيرة الآن منفعة عامة؟ كذلك يقوم سؤال عن التعويض العادل .. من الذي يحدده ؟ الدولة أم أصحاب الملك أم طرف آخر؟ كذلك يقوم تساؤل شرعي عن حق الدولة في نزع الملكيات الخاصة ابتدأً؟ كما نعلم هذه الملكيات الخاصة للأراضي قديمة وقد اتسعت الأسر المالكة لها ونعلم مقدار المشكلات التي ستنشاء من هذا الوضع حال إنفاذ القانون ( المحامين لديهم مائدة دسمة لمثل هذه القضايا) ولكن أثرها الاقتصادي والاجتماعي بمنطقة المشروع سيكون كبيراً. رجاء : الإخوة أهل القانون (القضاة والمحامين) ساهموا معنا في هذا الجزء من الدراسة بتوضيح الجوانب لقانونية التي خفيت على كاتب الموضوع !!!
واضع القانون يستهدف بصفة عامة، استلهام روحه لتحقيق الأهداف التي من أجلها وضع، إضافة لحفظ حقوق الأطراف المقصودة. نلاحظ أن قانون 1921- 1927 استهدف إنتاج سلعة محددة واستوفى أسباب تحقيق ذلك الهدف ومنها ملكية الأرض، فمنع التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو التنازل كما وضع حداً لإمكانية تفتيتها بالتوارث حتى يضمن شريكاً واحداً ثابتاً يؤدي الدور المطلوب منه في عملية إنتاج تلك السلعة، واستبداله بمن هو أقدر على تحقيق الهدف حال تقاعسه أو قصوره عن أداء الدور. هذه هي الروح التي أنبنى عليها القانون وقتذاك.. فماهي الروح التي أنبنى عليها القانون الجديد؟ جاء القانون الجديد منسجماً تماماً مع توجه وسياسة عامة تنتهجها القوى الممسكة بزمام الأمر في الدولة السودانية اليوم ومسايرة لتيار عالمي جارف.. سياسة التحرير الاقتصادي ضمن تيار العولمة أو الرأسمالية الجديدة.والتي تقوم على قاعدة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و الفقرات 17- 5 ج و 18- 1 و2 جاءت تأكيداً لهذه الروح. والحال هكذا فنحن نسير بخطى حثيثة نحو تحول نوعي في المشروع لصالح تكتل للملكية في أيد أقلية من أصحاب المال من داخل المشروع ومن خارجه خلال عقود قليلة وما يستتبع ذلك من أثر اقتصادي واجتماعي على بنيته الحالية.. إلى جانب كثير من التساؤلات التي طرحتها سابقاً وأنتظر مداخلات المختصين في الرد عليها،يقوم سؤال عن دفع التعويضات المالية للملاك.. فهل ستتولى خزينة الدولة هذا العبء للحواشات الواقعة ضمن ملكيات حرة أم المزارعين الحائزين حالياً عليها؟ هل يمثل القانون مكافأة وتعويض للمزارعين عن ماقدموا للسودان خلال العقود الماضية من عمر المشروع ؟ أم هو بالمقابل محاولة ذكية من مهندسي السياسة الاقتصادية بالدولة للالتفاف حول محاولة الخصخصة السابقة التي باءت بالفشل؟ يطرح القانون أكثر من سؤال بدل أن يجيب على أسئلة تعين على فهم محتواه وتحديد اتجاهه.. محتاج مذكرات تفسيرية كما يقول أهل القانون .. العنصر الثاني: المياه يشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري .. الخ يشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري .. الخ أسس اتفاقيات مياه النيل .. والسدود المائية على النيل

تقدمة: النيل أطول أنهار العالم .. "مصر هبة النيل" كما رددت الألسن هذه المقولة .. فهل مصر وحدها هبة النيل ؟ النشاط الزراعي بغالب أقاليم السودان ومنها الوسط كان يعتمد على إنتاج محصول الذرة، الغذاء الرئيس لغالب سكانه.وكانت هذه العملية تعتمد اعتماداً تاماً على الأمطار الموسمية (يونيو- أغسطس) ثم تعود الحياة لسكون بقية شهور السنة الثمانية (ثلثي المدة). كما أن معدلات هطولها متفاوت ويشهد تقلبات حادة أحياناً من عام لأخر وقد تصل في بعض السنوات حداً متدنياً يستحيل معه إنتاج مايكفي حاجة السكان لهذه السلعة الهامة فتكون سنوات قحط وجدب كما حدث أبان الدولة المهدية عام 1306هـ (مجاعة سنة ستة). "إن اعتماد دولة على محصول غذائي واحد، لايمكن أن يتحقق معه اقتصاد أمة تتطلع إلى التقدم والرفاه"، تلك كانت مقولة اللورد كتشنر باشا قائد الجيوش البريطانية المصرية التي احتلت السودان وحاكمه العام آنذاك. اللورد كتشنر الطامح لمصدر مستقر وثابت من الإنتاج لتغطية نفقات الدولة الحديثة التي يطمع لإقامتها،يتلاقى مع رغبات المتطلعين لاستثمار خيرات الأرض في السودان من أراضي ومياه لإنتاج سلعة القطن الحيوية للإمبراطورية. لتحقيق تلك الأهداف كان قيام زراعة مستقرة معتمدة على وسيلة ري دائم هو الحل. كان المهندسون البريطانيون في علوم الري في مصر، في بحث دائم للوصول لأنجع الطرق العلمية التي تحقق لهم الاستغلال الأمثل لموارد مياه النيل من المنبع إلى المصب وإدارتها لتحقيق استقرار في الإنتاج الزراعي بمصر. على رأس هذه المجموعة المهندس ويليام ويلكوكس المدير العام للخزانات في وزارة الأشغال بمصر، وصاحب مقترح استغلال بحيرة فكتوريا كمخزن للمياه، والمهندس ويليام كارستن الوارد ذكره سالفاً. إن ضعف الخبرة العملية وقلة المعلومات العلمية عن النيل ومنابعه حتى مصبه، دعت كارستن ومساعده مستر ديبوس للقيام برحلة استكشاف لمجرى النيل من المصب حتى المنابع(بحيرتي فكتوريا وتانا) وتقديم تقريران احتويا دراسات هيدروليكية دقيقة عن التصرف والتبخر وكميات الطمي، ومصادره والمناطق التي يمر بها، وطبوغرافيته وكل مايتعلق بسلوك النيل السنوي عبر الأراضي التي يمر بها . لقد أشار التقرير الموحد للمهندسين لمعلومة هامة أصبحت الأساس لاتفاقيات توزيع حصص المياه بين مصر السودان لاحقاً، وهي أن مياه النيل الأبيض ذات أهمية كبرى لمصر،بينما تصبح مياه النيل الأزرق بذات الأهمية للسودان لمرورها بمعظم الأراضي الخصبة التي يمكن أن تروى منه كذلك أشار التقرير الى أن مياه النيلين الأبيض والأزرق أثناء فترة التحاريق تتجاوز كثيراً احتياجات مصر وحدها مهما توسعت وتطورت رقعتها الزراعية مع حسن الإدارة والاستغلال لهذه الموارد. كان من نتائج هذه الرحلة والتقرير الناتج أن تجاوز كارستن اهتمامه تطوير أعمال الري بمصر عابراً الحدود جنوباً للسودان. كانت حساسية الحكومة المصرية تجاه إقامة أي مشاريع زراعية تقوم على استغلال مياه النيل في أي مكان من منابعه حتى مصبه، حاجزاً أمام الموافقة على هكذا مشاريع فضلاً عن تمويلها. رغم تقرير كارستن /ديبوس الواضح بإمكانيات النيل المائية الهائلة كانت الحكومة المصرية عند موقفها المبدئي، واتخذت أجراءاً بتحويل جزء من ادارة مياه النيل للسودان للإشراف وزيادة التحكم في شؤون الري المتعلقة بالسودان.كانت هنالك أوامر صارمة من الحكومة المصرية بعدم السماح بتركيب أي مضخة للمياه أو اقامة أي مشروع على النيل، إلا بعد أخذ موافقتها.لم تكن تلك السياسة تناسب طموحات كتشنر الساعي لإقامة مشاريع زراعية كبرى بالسودان تعتمد الري الدائم من مياه النيل وظلت هذه السياسة سائدة الى وقت قريب ولست متأكداً ما إذا تم التخلي عنها الآن أم لا. احتوى تقرير كارستن/ديبوس الصادر عام 1904م فقرات اشارت لضرورة تعلية خزان اسوان تم بناؤه عام 1902م بطاقة تخزينية بلغت واحد مليار متر مكعب من المياه، وذلك للتمكن من مضاعفة السعة وزيادة المساحة المزروعة بالري المستديم بمصر. بعد انجاز التعلية بالخزان عام 1912م ارتفع المخزون الى 4و2 مليار متر مكعب وأدى لموافقة الحكومة المصرية على زيادة المساحة المزروعة بالسودان بالري من النيل أيام الفيضان من 1000 فدان الى 2000فدان.(السقاية من النيل خلال فترة التحاريق –فبراير ...يوليو كانت ممنوعة البتة). سمح هذا باستخدام مضخات المياه (الطلمبات ) لأول مرة بمشروع الزيداب وزيادة الرقعة الزراعية فيه. لقد كان للفشل الذي أصاب انتاج القطن الأمريكي والمصري في أوائل القرن التاسع عشر أثره البالغ على صناعة الغزل والنسيج في اقتصاد الأمبراطورية، ورأى صناع القرار الفرصة السانحة في مصدر ثابت ومستقر للسلعة في السودان بعد نجاح تجربة مشروع الزيداب. ارتكزت جهود الحكام في السودان على اساس ماتحقق في مصر بعد بناء وتعلية خزان أسوان والنجاحات التي حققها القطن السوداني المنتج في الزيداب ومنطقة طوكر والقاش والسمعه الطيبة بالأسواق العالمية مقارنة بالقطن الأمريكي والمصري للدفع بفكرة انتاج السلعة على مساحات أكبر بصورة مستقرة بالسودان. كان للهيئة البريطانية لزراعة القطن ذات النفوذ الواسع في بريطانيا دوراً حاسماً استفاد منه حاكم عام السودان السير وينجت باشا، والذي تم في زمنه انشاء المشروع التجريبي بمنطقة طيبة،في الحصول على موافقة الحكومة البريطانية على تمويل انشاء المشروع الزراعي بمنطقة الجزيرة ويشمل تمويل انشاء خزان على النيل الأزرق عند منطقة سنار كما جاء ذلك في تقريركارستن. جاء بالتقرير الحديث عن امكانية انشاء خزان في منطقة سنار، لري السهل المنبسطبين النيلين، والذي تبلغ مساحته حوالي خمسة مليون فدان عن طريق حفر قناة خلف الخزان، رياً انسيابياً ليسير الماء الى مسافة 200ميل من الجنوب الى الشمال، من تلقاء نفسه، دون استعمال آليات رافعه، أو ضاغطه، وهذا النوع يعتبر من أرخص أنواع الري في العالم على الإطلاق.ذكر التقرير أيضاً أنه بالرغم من أن مجرى النيل ينخفض كثيراً عن مستوى الأرض بين النيلين،الا أن وظيفة الخزان الأساسية في هذه الحالة ليست تخزين المياه فحسب، بل رفعها الى مستوىتتمكن معه من الإنسياب داخل الترعة التي تحفر خلفه، ويزداد جريان الماء في الأرض أثناء الفيضان. وردت فقرة بالتقرير تقول أن هذه الأرض تصلح لزراعة القمح الذي يمكن أن يكون مصدراً لغذاء البلاد العربية والأفريقية المجاورة. تم لحكام السودان في أبريل 1913م بعد مجهودات كبيرة الحصول على قرض لتمويل بناء الخزان المقترح وحفر الترعة الرئيسة وتشييد البنيات الأساسية بالمشروع بقيمة ثلاثة مليون جنيهاً قابلة للزيادة لمقابلة أي متغيرات مستقبلية أثناء التنفيذ. وبدأ العمل في انجاز الخزان غير أنه ما لبث أن توقف بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م والتي كانت لها آثار سالبة عليه منها توقف العمل في المشروع، ارتفاع تكلفة المعدات ومواد البناء، انخفاض قيمة العملة المحلية.غير أنه كانت توجد ايجابيات في المقابل منها، إتاحة فرصة أكبر للمسئولين والفنيين العاملين بالمشروع للعمل بتروي أكثر حيث قامت دراسات عديدة في تصميمات النظم الهندسية للري وتحديد احتياجات كل محصول من المياه للري إضافة لتحقيق دراسات هامة مترولوجية ومسوحات طبوغرافية وتحليل للتربة والكثير من الدراسات النظرية والبحوث العلمية. بانتهاء الحرب عام 1919م، تم استئناف العمل في الخزان والترعة الرئيسة والقنوات الرئيسة والفرعية( الترع) والبنيات الأساسية الأخرى.وانتهى في عام 1924م ليمثل العام التالي (1925م) البداية الحقيقية للمشروع العملاق.

عنوان جانبي : اتفاقية مياه النيل .. 1929م
بعد خروج المصريين من السودان في أعقاب أحداث عام 1924م، تأكد لديهم صدق مخاوفهم من أن انجلترا تسعى إلى التدخل في مسألة مياه النيل. ونتيجة لذلك شكلت لجنة من الخبراء في عام 1925م، لبحث المسألة وتقديم مقترحات تتعلق بالأساس الذي يمكن أن توزع به مياه النيل مع الاعتبار الكامل لمصالح مصر دون الإضرار بحقوقها القومية والتاريخية.
لقد كانت لجنة الخبراء هذه، عبارة عن استمرار للجنة مشاريع النيل المكونة في سنة 1920م، والتي عُين أعضاؤها من طرف الحكومتين البريطانية والمصرية بصبغة دولية. تكونت اللجنة من رئيس هندي الجنسية يدعى ملنر وعضوين منتخبين بواسطة جامعة كمبردج، وعضو منتخب بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية.
أوصت اللجنة بوجوب إعطاء مصر الحق في استخدام مياه الصرف في موسم التحاريق، وأن يستخدم السودان مياه الفيضان، لم يتم الوصول للاتفاق بهذا الشأن وقتها وانتظر حتى عام 1929م حيث أعيد النظر في تقرير لجنة ملنر (1920م) بتأكيد حق مصر غير المتنازع عليه في الحصول على مياه كافية ومضمونة للأراضي القابلة للزراعة، وفي حصة عادلة لأية زيادة في المياه يمكن أن تأتي لاحقاً نتيجة لتطور المعارف الهندسية والفنية.
وافقت الحكومة البريطانية أيضاً على التوصيات على أن لا تتجاوز الأراضي المروية في الجزيرة الثلاثين ألف فداناً،غير أن الإدارة البريطانية بالسودان التي قبلت بها على مضض، ورأت أن الاتفاقية ضارة بمصالح السودان وتعيق خطط التوسع الزراعي المستقبلية به.
بموجب هذه الإتفاقية بلغ نصيب مصر من مياه النيل 48 مليار متر مكعب ونصيب السودان أربعة مليارات فقط (1/12) ولعمري إنها قسمة ضيزى!!!
[هل نجح ياترى وجود السد العالي بطاقته التخزينية القرنية في تهدئة المخاوف المصرية تجاه المشاريع المائية أعلى النيل في السودان ودول الحوض الأخرى بأفريقيا ؟؟؟
عناوين قادمة :
¨ تصميم وإدارة شبكة الري بالمشروع ،
¨ توزيع المياه عبر الغيط والحواشات (المقننات المائية)،
¨ النظام الإداري والفني للري،
¨ المؤسسات الهندسية في مجال الري ،
¨ مشاكل الري والحلول المقترحة.
إن نجاح أية منشأة يرتبط بعدة عوامل منها التصميم الأول لها ثم كيفية تنفيذ التصميم في الواقع المعاش وعمليات تشغيلها وصيانتها الوقائية والعلاجية وفوق كل ذلك العنصر البشرى المتكفل الصانع والمؤثر في هذه العوامل. على هذه النقاط ندرس شبكة الري بالمشروع حتى نستبين نقاط القوة ومكامن الخلل فيها فيسهل تحدي المعالجات. مصدر مياه الري (Supply of Irrigation Water) : تروى كامل مساحة المشروع رياً انسيابياً (Gravity Irrigation) عدا مساحة ضئيلة سبعون ألف (70000) فدان بمربعات الحرقة، نورالدين، وجزء من الحاج عبدالله فإنها لأسباب طبوغرافية تسقى بالطلمبات. تأتى مياه الري من مخزون المياه بالبحيرات المتكونة خلف خزاني سنار والروصيرص. حقائق ومعلومات عن مصادر مياه الري: يقدر متوسط التصريف السنوي لمياه النيل الأزرق عند الروصيرص بحوالي 50 بليون متر مكعب.يتميز التصريف بالتذبذب الحاد خلال العام أو الموسم الواحد حيث يرتفع من يونيو إلى أعلى مستوى له بنهاية أغسطس (موسم الأمطار)، ثم ينحدر بشدة إلى ما يعادل 2% من أعلى مستوى له في نهاية أبريل. يبدأ تخزين المياه في بحيرتي سنار والروصيرص في أول سبتمبر بعد فترة الفيضان الموسمي في الوقت الذي ينخفض التصريف اليومي للنيل الأزرق إلى حوالى 350 مليون متر مكعب.هذا الترتيب قصد منه ضبط وتقليل ترسب الطمي خلف الخزانات إلى الحد الأدنى.يستغرق ملء الخزانين 45 يوماً بسعة 930 مليون متر مكعب لخزان سنار و3024 مليون متر مكعب لخزان الروصيرص. يبدأ تصريف المياه المخزونة لعمليات الري في شهر ديسمبر حيث يعمل الخزانان كوحدة واحدة ومتكاملة. شبكة الري (Irrigation Network): يعتبر نظام توزيع المياه لمشروع الجزيرة عملاً هندسياً خلاقاً استفاد من التدرج الطبيعي لأرض الجزيرة من الجنوب نزولاً نحو الشمال وميلان طبيعي أيضاً من الشرق للغرب إضافة لمنسوب المياه العالي للبحيرة المائية المتكونة خلف السد. ابتدع المهندسون وصمموا شبكة دقيقة ومنضبطة من القنوات المائية بحيث يصل الماء في الوقت المناسب والكمية المضبوطة إلى الغيط بأقل هدرٍ ممكن اعتماداً على انسياب الماء الطبيعي (GRAVITY IRRIGATION) دون الحاجة لمضخات أو رافعات تساعد في إكمال العمل كما هو الحال في كثير من المشاريع المائية المشابهة. تبدأ هذه الشبكة كما هو معلوم لأغلب المطالعين (فهم مزارعون أبناء مزارعين) بالترعة الرئيسة (الكنار MAIN CANAL) التي تخرج من خلف الخزان متجهة من الجنوب نحو الشمال بخط مواز تقريباً لمجرى النيل الأزرق بطول 323كلم من سنار حتى مشارف الخرطوم. تتوزع المياه من هذه القناة يميناً ويساراً إلى قنوات أصغر (مواجر MAJOR CANALS ) خلال بوابات أو هدارات كبيرة موزعة على أرض المشروع بأطوال 643 كلم ومن يتوزع الماء إلى ترع فرعية (MINOR CANALS) يبلغ مجموع أطوالها 3229 كلم . بإنشاء امتداد المناقل ،صار يتم تزويد مياه الري عن طريق ترعتي الجزيرة والمناقل المتجهتان شمالاً من بحيرة خزان سنار لمسافة 57 كلم حيث توجد مجموعة من منظمات الضبط والتوزيع حيث تتوزع ترعة المناقل إلى أربعة (4) مواجر بينما تكمل ترعة الجزيرة شمالاً لمسافة 137 كلم إضافية لتتوزع بدورها إلى مجموعة من المواجر لري أقسام المشروع المختلفة. تم تصميم الترعتين الرئيستين بسعة قصوى 5،31 مليون متر مكعب بتدفق مستمر للمياه عبرهما خصوصاً في فترة النشاط الزراعي _يوليو – أبريل) بأدنى فاقد ممكن . كذلك فإن تصميم الشبكة يسمح لها بتزويد متوسط شهري يبلغ 930-960 مليون متر مكعب من المياه، وهذا يعادل متوسط شهري 450 متر مكعب للفدان الواحد.أيضاً تم تصميم الشبكة بأدنى حد ممكن من الفاقد من مياه الري كالجزء المفقود بالبخر أو التهريب الناتج من كسور بالحواجز الترابية للقنوات.أن الفاقد داخل الشبكة يكاد يكون معدوماً نظريا بسبب طبيعة التربة المانعة للتسرب لمستوى المياه السطحية.ً يخرج الماء من هذه الترع لأبوعشرين يبلغ طوله 1400م عن طريق أنابيب بقطر 35سم وأبواب للتحكم في كمية التدفق يديرها خفراء الترع ثم يتوزع الماء من أبوعشرين إلى أبو ستة وصولاً للجداول الصغيرة والتقانت ثم السراب لسقيا النبات. إضافة لمنظومة قنوات توزيع المياه،فإن الشبكة تضم نظام تصريف معاكس للمياه بأطوال 1500كلم من المصارف الرئيسة و6000كلم من المصارف الفرعية ( البراقين والمصارف والمهربات - الإسكيفات-Escapes ) وتهدف هذه المنظومة لتصريف وإخراج المياه السطحية الزائدة من مياه الري والناتجة عن هطول الأمطار. إدارة وتوزيع مياه الري: النظام الإداري والفني للري تم حساب سعات الترع الفرعية لتصريف (5 – 10) ألف متر مكعب من المياه بناء على متوسط استهلاك الفدان في الشهر والمقدر بـ (450) متر مكعب لمحصول القطن والمحاصيل الأخرى لاحقاً.وهكذا تم تحديد سعات القنوات صعوداً حتى القناة الرئيسة. لتنظيم عملية توزيع المياه وضبط حركتها داخل الشبكة،تم وضع تنظيم يقوم بموجبه مفتش الغيط بتحديد طلبات المياه حسب التشكيلة المحصولية لديه خلال سلسلة متصاعدة من فني ومهندسي الري لحساب كامل الكمية المطلوب سحبها بالقناة الرئيسة من بحيرة الخزان. لنجاح هذه الآلية ضمت الشبكة منظومة متكاملة من البوابات والمنظمات بأحجام ومهام ومواقع مختلفة داخلها كما استتبع ذلك وجود نظام إداري موازي تعود إليه المسئولية في تشغيل والإدارة من مهندسي وزارة الري وموظفي إدارة المشروع. توزعت المسئولية بين الوزارة للقيام بإدارة وتشغيل وصيانة الشبكة(صيانة القنوات ونظافتها من الطمي والعوالق وصيانة البوابات والمنظمات المتحكمة في توزيع المياه والجسور والطرق فوق وبمحاذاة القنوات ..الخ) وترصد تكلفة هذا النشاط ضمن وموازنة الخزينة العامة للدولة.وتكفلت إدارة المشروع في المقابل بإدارة وتشغيل المياه بالترع الفرعية حتى الحقل.وكانت تكاليف هذا العمل ترصد من عائد الحساب المشترك المعمول به آنذاك.ظل هذا التقسيم للمسئوليات قائماً حتى عام 1995م تاريخ البدء العمل بنظام الحساب الفردي فتم تحميل تكاليف تشغيل وصيانة الشبكة للعوائد المستقطعة من المزارعين محسوبة على ضريبة المياه. لقد أدى هذا النظام المحكم عمله بكفاءة واقتدار منذ تأسيس المشروع ولفترة عقود طويلة مستوفياً شروط التصميم والتشغيل والإدارة التي بني عليها رغم اعتماده على العمل اليدوي في كثير من مراحله. ماذا حدث ليصل حال الشبكة إلى السوء الذي نراها عليه الآن.؟؟؟ أسباب التدهور في شبكة الري بالمشروع: تبرز عدة أسباب يمكن إجمالها في الأتي: أولاً : تجاوز المقدرة التصميمية للشبكة. ثانياً : ضعف إدارة وتشغيل الشبكة ثالثاً : أسباب وأخرى نتابع تفصيل هذه الأسباب لاحقاً - تجاوز السعة التصميمية للشبكة: تم تصميم الشبكة وتنفيذها للتحكم في نقل وتوزيع كميات من المياه المحسوبة سلفاً لري محصول أساسي هو القطن إضافة لمحاصيل أخرى كالذرة وهي طعام السكان المزارعين الأساس وبعض الأعلاف لمواشيهم ( الحيوان خارج الدورة الزراعية) وقليل من الخضر والفواكه مع احتساب الزيادات المنظورة في المساحة المزروعة. بعيد التأميم عام 1952م، بدأ تجاوز الطاقة التصميمية للشبكة بطريقتين: أولاً : التوسع الأفقي في المساحة المزروعة بإضافة مساحات جديدة جنوب الجزيرة (مشروع قندال) وشمال غربي المشروع. ثم تلى ذلك إضافة امتداد المناقل بكامله بعد إنشاء خزان الروصيرص. ثانياً : التوسع الرأسي بتكثيف الدورة الزراعية وإدخال محاصيل نقدية بجانب القطن كالفول والقمح والأرز. أدى هذان السببان إلى زيادة كمية المياه المنقولة عبر الشبكة من (2) مليون متر مكعب إلى ما يزيد عن (7) سبعة مليون متر مكعب مما سبب ضغطاً كبيراً على الشبكة وتجاوز مقدرتها التصميمية رغم التوسعة التي جرت على القناة الرئيسة بمشروع الجزيرة والتي لم يقابلها توسعة موازية في الترع الفرعية الأمر الذي أدى بدوره لتخريبها وتسرب المياه منها مسبباً هدراً كبيراً للمياه. كذلك دعا هذان التغييران إلى التبكير في سحب مياه الري من بحيرة السد قبل الموعد المرسوم ضمن تصميم الشبكة والماء مايزال محملاً بكميات كبيرة من الطمي العالق خلال فترة الفيضان فاستتبع ذلك نقل كميات كبيرة من الطمي إلى الشبكة متسبباً في زيادة نسبة ترسبه في القنوات والترع الفرعية على غير الكميات المحسوبة. سياسة التوسع الرأسي(تكثيف الدورة الزراعية) جلبت معها أنواعاً جديدة من الحشائش التي غزت الترع الفرعية وساهمت بدور في إضعاف كفاءة نقلها للمياه . 2- ضعف الإدارة وتشغيل الشبكة: القطن المنتج الأساس للمشروع، كان العمدة في موازنة الدولة السودانية وعليه تحملت الخزينة العامة عبء تكلفة تشغيل وصيانة الشبكة بوساطة وزارة الري مشاركة مع إدارة مشروع الجزيرة التي تحملت المسئولية في طرف الشبكة الأدنى من الترع الفرعية حتى الحقل خصماً على موازنة الحساب المشترك . استمر الأمر هكذا حتى عام 1995م حيث تم تطبيق نظام الحساب الفردي فتخلت الموازنة العامة للدولة عن هذه المسئولية وتم تحويل كلفة تشغيل وصيانة الشبكة لعوائد ضريبة المياه المستقطعة من المزارعين المفتقرين أصلاً. كان لهذا التحول أثره البالغ على الشبكة لاحقاً وتدني مستوى الأداء فيها حيث فشلت عملية رصد الموازنة المطلوبة للتشغيل والصيانة من خلال جمع المبالغ المطلوبة من المزارعين. توقفت عمليات الصيانة للبوابات والمنظمات ونظافة القنوات من الطمي المتزايد والحشائش مودية إلى ضعف عملية الري وقلة المياه الواصلة للمحاصيل المزروعة فنتج تدني كبير في الإنتاجية وانحسار في دخل المزارع تباعاً. والحال هكذا، جرت محاولات متعددة لمعالجة المشاكل المتفاقمة في مجال الري وتدني الإنتاجية بالمشروع فكونت لجان متخصصة وعقدت ورش عمل كثيرة للنظر في المسألة وإيجاد حلول مناسبة لها فهل نجحت تلك الخطوات في إنقاذ الموقف ؟ ضمن المساعي لمعالجة مشكلة الري المتفاقمة بالمشروع تم تكوين مؤسسة مياه الري كجسم مستقل لإدارة عملية التشغيل والصيانة وتحصيل الموارد من رسوم المياه المفروضة على المزارعين ولم يكن حظها بأحسن من سابقتها فتم إعادة المسئولية عن الشبكة الدنيا وتحصيل الرسوم على المياه لإدارة المشروع دون جدوي أو نجاح يذكركذلك. شارك مختصين من وزارة الري والزراعة والجامعات السودانية اضافة لخبراء من البنك الدولي ومنظمة الفاو في اللجان والسمنارات وورش العمل المتعددة للخروج برؤية لحل المشكل. انتهي الأمر الي طرح توصيتين أحداهما من طرف المشاركين السودانيين الذين أرجعوا المشكلة للفشل الذي لازم تحصيل ورصد الميزانية ولضعف الرسوم المفروضة على مياه الري وأوصوا بإعادة مسئولية تشغيل وصيانة الشبكة لعهدها الأول لوزارة الري ومشروع الجزيرة مع استحداث سبل أكثر فعالية لتوفير الميزانية اللازمة بتحصيل الرسوم من المزارعين. من الطرف الآخر رأت لجنة خبراء البنك الدولي أن أس المشكلة مؤسسي ووصوا بإنشاء اتحاد لمستخدمي المياه على مستوى الأقسام على أن توكل له كامل المهمة. فأي التوصيات وجدت طريقها للتنفيذ ؟ وهل نجحت في معالجة المشكل ؟ من الأسباب الأخرى التي يتم تداولها بصورة عامة لتفسير زيادة نسبة الطمي بالشبكة، التغيرات البئية الحادة التي شهدها العالم ومازال يشهدها كظاهرة تسخين الأرض أو الإحتباس الحراري ومنها موجة الجفاف والمجاعات الناتجة عنها والتي ضربت السودان وكثير من دول القرن الأفريقي في ثمانينات القرن الماضي فساهمت في زيادة نسبة التربة التي يجلبها النيل الأزرق عبر فيضانه السنوي .. علها أحد الأسباب. الواضح من استعراض الوقائع السابقة، أن المشكلة نشأت للسببين المذكورين، تجاوز السعة التصميمية وضعف ادارة عمليات التشغيل والصيانة للشبكة بتفرعاتها. إن أي حل لايقوم على مواجهة هذه الحقائق لن يفلح في استعادة الشبكة عافيتها والمشروع دوره المهم في عملية الإنتاج الزراعي فالشبكة هي عصب حياته والشرايين التي تنقل له نسمة الحياة وديمومة العافية. قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 و قضية الري بالمشروع ؟ نصوص القانون التي عالجت موضوع مياه الري بالمشروع: الري والصرف : 19-1. تتولي وزارة الري والموارد المائية مسئولية صيانة وإدارة قنوات الري والمصارف الرئيسية بالمشروع وتوفير المياه الكافية لروابط مستخدمي المياه عند فم قنوات الحقل، على أن تتولى وزارة المالية والاقتصاد الوطني تمويل الصيانة والتأهل والتشغيل لقنوات الري مقابل تحصيل رسوم المياه التي تمكن من تقديم تلك الخدمات. 2. تتولى روابط مستخدمي المياه صيانة وتشغيل وإدارة قنوات الحقل والصرف الداخلي. 3. لا تتم أي تصديقات لري أي مساحات من الشبكة المخصصة للمشروع إلا بموافقة المجلس. روابط مستخدمي المياه 20-1. تنشأ روابط لمستخدمي المياه تحت إشراف المجلس بلائحة على مستوى المشروع تمثل الإدارة الذاتية للمزارعين ذات شخصية اعتبارية وتسلم لها مهام حقيقية في إدارة واستخدامات المياه بالتعاقد مع وزارة الري والموارد المائية في مجال الإمداد المائي والاستشارات الفنية على أن يتم التعويض المجزي لأي من الطرفين في حالة الضرر. ب. تنشئ وزارة الري والموارد المائية إدارة خاصة لري مشروع الجزيرة.. علاقات الإنتاج بين الشركاء : التمويل، تسويق المحاصيل النقدية، توزيع العائد يعتبر الوضوح والشفافية في العلاقة التي تربط الشركاء القائمين على أي مشروع، من الأمور الأكثر حساسية وتأثيراً على نجاح هذه الشراكة واستدامتها.فهل كانت الشراكة بين المزارعين والشركة الزراعية السودانية وحكومة السودان آبان الوجود البريطاني ثم حكومة السودان الوطنية وادارة مشروع الجزيرة بعد الإستقلال وحتى يومنا الحاضر تحقق هذا الشرط أم ... " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " ...؟
البدايات الأولى: بدأت علاقات الإنتاج الأولى في مشروع الزيداب على قاعدة العمل المباشر، حيث كانت الأرض مملوكة للشركة السودانية للزراعة وكان المزارعين يعملون كاجراء لتنفيذ العمل الفلاحي مقابل أجر معين دون أن يكون لهم نصيب في الأرباح قل أو كثر.بعد احتجاجات من المزارعين أصحاب الأرض تم تعديل النظام فأصبحت الشركة تؤجر الأرض للمزارع وتبيعه الماء نظير أجر معين وتبيعه مدخلات الإنتاج،على أن ينال نصيب غير ثابت من الأرباح حسب الظرف السائد ويسمى هذا النظام نظام الإيجار (Rental System). لم يستفد المزارعون من هذا النظام بل تراكمت عليهم الديون في حين تضاعفت أرباح الشركة. الشراكة الثلاثية .. الفكرة والفلسفة: عند نشأة مشروع الجزيرة وبداياته الأولى عام 1911بمشروع طيبة، اتبع نظام المؤاجرة السائد في الزيداب قبلاً، نظام المزارعة لكنه لم يستمر كثيراً لمخالفته الطرق السائدة لدى المزارعين بالمنطقة. لمقابلة رفض المزارعين بطيبة، استفاد البريطانيون من الأسلوب التقليدي عند المزارعين والمتبع لتقسيم الناتج الزراعي بين الشركاء لبناء نظام المزارعة (Tenancy System). كان النظام التقليدي كما يلي: 1- عشر (10/1) الناتج لملكية الأرض 2- عشر (10/1) الناتج لملكية الساقية وصيانتها 3- الخمس (5/1) من الناتج لملكية الماشية في الساقية 4- جزئين من ثلاثين (30/2) لعلف الماشية 5- أربعة أجزاء من ثلاثين (30/4) للبذور وأدوات الزراعة جملة هذه الأنصبة تعدل ستة أعشار (10/6) المحصول ويكون الباقي (10/4) نصيب العاملين في الأرض . كان الموروث السوداني الأصيل قاعدة بنى عليها البريطانيون نظام الشراكة الثلاثي الذي انتظم العمل به في مشروع الجزيرة لعقود لاحقة.ويمكننا اليوم استلهام ذات المصدر في ابتداع حلول لمشاكل مماثلة تواجهنا في مسارنا لبناء الوطن . علاقات الإنتاج – يتبع- الذي دفع دولة المستعمر لتبني طريقة مختلفة مستوحاة من تراث وتقاليد المجتمع الزراعية، أن تجربة الحكومة والشركة الزراعية في مشروع الزيداب (نظام المؤاجرة) تسبب في في خسائر لهما معاً مما أضطر الشركة إلى التقاضي أحياناً لاستخلاص حقوقها من المزارعين عند تعرض المحصول إلى مشاكل تدني الإنتاج أو السعر في البورصة العالمية لأن المزارع كان يدفع أجراً ثابتاً حسب الاتفاق. إن صيغة المشاركة هذه بين الأطراف الثلاثة (الحكومة، المزارعين، وشركة السودان الزراعية)، تعتبر ضرباً من التعاون بين الملكية العقارية، ملكية الإنتاج، وقوة العمل والخبرة. هي بهذه الصفة، لا تشبه الملكية الفردية ولا الملكية الجماعية في ذات الوقت، مما جعل البعض يصف المشروع بالعمل الاشتراكي الكبير، وهذا ادعاء ينقضه إسهام رأس المال الخاص في تكوينه وإنشائه.والمزارع أهو مستأجر فقط أم مالك أم الاثنان معاً أم هو بالأحرى شريك أنتاج .. أسئلة كثيرة أثيرت حول هذا النظام. تم في عام 1913 إرساء نظام الشراكة الثلاثي على الأسس التالية: 1- تتحمل الدولة دفع إيجار الأرض من أصحابها المسجلين حسب مسح عام 1907 – 1910 وتقسم الأرض إلى حواشات تقسم بين المزارعين. وتتكفل بتوصيل المياه إلى الأرض وكافة أعمال صيانة الشبكة إضافة لتحملها أرباح قرض الخزينة البريطانية المدفوع لإنجاز المشروع .كل ذلك مقابل 30% من صافي الأرباح. 2- يقوم المزارع بتنفيذ العمليات الزراعية وما يلزمها من قوى عاملة وأدوات وغيرها مقابل 40% من صافي الأرباح. 3- تتولى الشركة الزراعية إدارة المشروع، ومد المزارع بالتقاوي والسلفيات المالية لمقابلة ضرورات العمل مقابل 25% هن صافي الأرباح. الـ 5% المتبقية تعتبر مال احتياط لمقابلة الأزمات. كانت مدة الاتفاقية عشر سنوات قابلة للتمديد لخمسة سنوات إضافية اختياراً. اعتمد إدخال زراعة الحبوب والعلف دون مقابل لصالح المزارع ولضمان إتمام عمله بصورة مرضية لإنتاج السلعة الأساس (القطن). اعتبرت الحواشة في حيازة المزارع مادام قائماً بالتزاماته الزراعية لمدة عام قابلة للتجديد مع حق الشركة نزعها منه إذا أساء استخدامها. استمر العمل باتفاقية الشراكة الثلاثية، حتى عام 1950 (تأميم المشروع) ثم حدث تعديل في الأنصبة من صافي الأرباح فكان للمزارع 40%، 40% للحكومة، و20% لمجلس إدارة مشروع الجزيرة.على أن تتولى الإدارة الصرف على البحوث الزراعية ، الخدمات الاجتماعية التي استحدثت ودفع فوائد السلفيات وضريبة أرباح العمل، من نصيبها.ثم يقسم ما يفيض بعد ذلك مناصفة بين الإدارة والمزارعين ويوضع في حساب مال الاحتياط. تم أخر تعديل عام 1970/1971 ليكون 36% للحكومة، 2% لمجالس الحكومات المحلية، 47% للمزارعين، 2% لاحتياطي مال المزارعين، 3% للخدمات الاجتماعية، 10% لمجلس إدارة المشروع. الملاحظ من واقع التجربة أن المزارع بالمشروع كان أقل المستفيدين من عائدات إنتاجه من سلعة القطن، فهل النسبة من صافي الأرباح التي تساوي تقريباً نفس نسبة الدولة كانت تصل كاملة للمزارع، علماً أن نسبة الدولة كانت عماد اقتصاد الدولة في السودان شاملة كل أوجه صرفها على الموازنة العامة.فما العلة وراء ذلك ؟ أحقاً كانت تصل المزارع حصته كاملة من صافي الأرباح ؟؟؟ لدي شكوك كثيرة حول ذلك. مجالات التلاعب على عوائد المزارع من صافي أرباح السلعة عدة، .منها زيادة أرباح الدولة خلال مدخلات الإنتاج التي تبيعها للمزارع بقيمة أعلى بكثير من قيمتها السوقية اضافة للضرائب المستوفاة عليها لصالح الدولة ومنها القيمة الحقيقة لمبيعات المنتج في البورصة العالمية فالمزارع أبعد الناس عن معرفة القيمة الحقيقية لسلعته. ومنها تكاليف الإنتاج الأخرى الحقيقة المستقطعة من الحساب المشترك. نعم كان للمزارعين اتحاد ولكننا نعرف مدى صلاحياتها وكيفية اختياره خاصة في فترات الحكومات العسكرية والحكومة الحالية ليست استثناء. فهو إتحاد في أغلب الأوقات مبعد عن هذه المعلومات أو ساكت عنها إذا علم. جميعنا يعرف كيف كانت مستوى الحياة بالنسبة للعاملين بالمشروع من غير المزارعين بدأً بمفتشي الغيط وموظفي إدارة مشروع الجزيرة والعاملين بالوظائف بالمحالج وغيرها من مرافق المشروع ، مقارنة بمستوى حياة المزارع المعتمد كلياً على الحواشة، ولا يحتاج لدليل فقد عايشه كل واحد منكم (نصيب الإدارة من صافي الأرباح تراوح بين 30% نزولاً إلى 10%) وقد تخلت عن كثير من واجباتها ومسئولياتها نحو المشروع. فهل كان المشروع فعلاً خلطاء يبغي بعضهم على بعض؟ استمر العمل بالترتيب الأخير حتى عام 1980/1981 عام إلغاء نظام الحساب المشترك واعتماد نظام الحساب الفردي الذي حمل المزارع كافة تكاليف الإنتاج مقابل الحصول على كامل عائدات المحاصيل. فما الجديد الذي جاء به الحساب الفردي للمزارع، للمشروع وللسودان الدولة
الحساب الفردي: كان للتحولات الاقتصادية التي نجمت عن ارتفاع سعر البترول بعد حرب رمضان 1973م، أثرها البالغ على مشروع الجزيرة.فقد أدى الارتفاع الكبير في سعر البترول إلى زيادة كبيرة في تكاليف إنتاج السلع الزراعية ومنها القطن إضافة لظهور بدائل منافسة له في مجالات الصناعة التي يمثل عصبها.ففي موسم 74/1975م زادت تكلفة إنتاج القطن بنسبة 30% في الوقت الذي انخفضت فيه عوائده بنسبة تقارب 20%. سبب هذا الوضع المستجد ضغطاً كبيراً على نظام الحساب المشترك المعمول به في المشروع، عانى من وطأته الشركاء الثلاثة، فالمزارعون ترجموا ذلك بتقليل نسبة المشاركة في الإنتاج لضعف التمويل وقلة العائد واتجهوا وأسرهم نحو بدائل تعزز دخولهم لمواجهة الوتيرة المتصاعدة لتكاليف المعيشة، والدولة وإدارة المشروع من جهة أخرى قصرت يدها عن توفير التمويل اللازم لأعمال التشغيل والصيانة للبنيات الأساسية كشبكة الري والأعمال الميكانيكية اللازمة للعمليات الفلاحية وغيرها من أنشطة ضرورية لتكامل العملية الإنتاجية.أدى ذلك الوضع بدوره لتناقص إنتاج القطن وتراكم الديون على المزارعين. أفضى هذا الوضع الجديد للتفكير في بديل مناسب لنظام الحساب المشترك يرجى أن يكون محفزاً للمزارع لزيادة الإنتاجية وتعويض الخسائر الناجمة فكان التفكير في التحول لنظام الحساب الفردي. فلسفة النظام المقترح، تقوم على أن أرباح عائدات المنتجات، تكون للمزارع دون مشاركة، كلٍ حسب جهده وعمله على أن يتحمل في المقابل المخاطر المحتملة في حالة قصور إنتاجه عن مقابلة التكلفة وتحقيق فائض يمثل أرباحه المرتجاة. تتمثل التكلفة على المزارع في فئات يدفعها المزارع نظير استخدامه للأرض وانتفاعه بمياه الري، تحددها الدولة وهي في ذات الوقت تمثل عائد الخزينة العامة من استثماراتها بالمشروع بدلاً عن نصيبها من صافي الأرباح في النظام السابق. بني حساب الفئات على متغيرات شملت تكلفة الري، تكلفة الإدارة، الاستهلاك أو تجديد مال الاستبدال، الفائدة على رأس المال.وتم على هذا الترتيب حساب الفئة المستحقة على كل نوع من أنواع المحاصيل. كذلك يتحمل المزارع ضمن هذا النظام، تكاليف مدخلات الإنتاج كالتقاوي المحسنة والخدمات الفنية والخدمات المساندة كتجهيز الأرض والسلفيات الزراعية وما إليها من خدمات تقدمها الإدارة أو القطاع الخاص المتوقع مشاركته بصورة أوسع، مع أربحها كقروض مقدمة من جهات التمويل ( الخزينة العامة الجهاز المصرفي أو غيره). بنظرة سريعة يمكن إجراء مقارنة بين النظامين والفروقات الأساسية بينهما وتتمثل في الأتي: نظام الشراكة الثلاثية يقوم على المشاركة في العوائد من المنتج وتحمل التكلفة والخسائر المحتملة وفيه تتوزع المخاطر بين لمزارعين ويستفيد منه بالدرجة الأولى ضعاف المزارعين. حافظ هذا النظام الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بالمشروع لمدة طويلة قبل ظهور مشاكل الإنتاج. في المقابل أضعف النظام روح المبادرة والعمل التنافسي لزيادة الإنتاج لدى الأفراد لعدم وضوح العوائد المايزة بين المجتهد وغيره. نظام الحساب الفردي بالمقابل يعالج مشكلة الإنتاج خلال العوائد المتوقعة من الجهد المبذول والمال المستثمر من المزارع " إن وجد ". المنتج عرضة لمشاكل ضعف الإنتاج وتقلبات الأسعار في الأسواق المحلية والعالمية متحملاً نتائجها دون مساعدة أو حماية من أحد. يؤدي على المدى البعيد إلى تغيير الترتيب الاقتصادي لأفراد المجتمع وخلخلة النظام الاجتماعي وربما التركيب الديموغرافي الموجود بإقصاء صغار المنتجين وتكوين حيازات (إقطاعيات) كبيرة. يضع المنتجين تحت رحمة القروض من جهات التمويل بما قد يؤدي لفقدان الحق في استخدام الأرض. الدولة ممثلة في الخزينة العامة، مجلس إدارة المشروع والممولين وشركات القطاع الخاص في المقابل، هم المستفيدون من هذا النظام دون التعرض للمخاطر التي تواجه المنتج. قبل مغادرة هذا المحور، أجد من المناسب عرض فقرات من قانون 2005 لتوصيف المشروع وأهدافه وأيلولة أصوله وماليته، علها تساهم في توضيح معاني ما أتى هنا عن الحساب المشترك والحساب الفردي وتلقي الضوء على المسيرة المتوقعة له في المستقبل. الفصل الثاني هوية المشروع ومقره ورعايته 4.(1)مشروع الجزيرة منشأة اقتصادية واجتماعية ذات نشاط متنوع تتمتع برعاية قومية للتنمية ومنشأة بموجب هذا القانون ولها شخصية اعتبارية مستقلة إداريا وفنيا وصفة تعاقبية مستديمة وخاتم عام ولها حق التقاضي باسمها. (2) تمتلك الدولة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني الأصول الحالية للمشروع مع جواز فتح المجال مستقبلا للقطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار سواء من أصول المشروع أو إضافة استثمارات جديدة للمشروع. يتكون مشروع الجزيرة من: أ. المزارعين . ب. الحكومة متمثلة في وحداتها التي تقدم الخدمات الأساسية من ضمنها التنمية والري والسلع العامة التي تشمل البحوث ووقاية النباتات والتقانة والإرشاد والدراسات الفنية والتدريب إضافة إلى الإدارة الإشرافية والتخطيط التأشيري. ج. القطاع الخاص بما يقدمه من خدمات تجارية مساعدة. 3. يكون المقر الرئيسي لإدارة المشروع بمدينة بركات ويجوز للمجلس إنشاء فروع أو مكاتب له داخل السودان أو خارجه متى ما اقتضت الضرورة ذلك. 4. يكون المشروع تحت رعاية الوزير المختص. أهداف المشروع 5. يهدف المشروع لاستغلال موارده وإمكاناته للإنتاج الزراعي المستقر والمستدام للارتقاء بالمستوى الاقتصادية والاجتماعي والخدمي للمزارعين والعاملين فيه والمنطقة التي يقع فيها والإسهام في تحقيق الأهداف القومية دون الإخلال بعموم ما تقدم يهدف المشروع لما يأتي: أ. الاستغلال الأمثل والمرشد لموارد المشروع وإمكاناته لرفع الدخل وتنمية الناتج الزراعي وتعظيم الفائدة والعائد منه. ب. تحقيق الأهداف المحلية والقومية للمشروع مثل الأمن الغذائي وتوفير فرص العمالة وزيادة الصادرات وتنويعها بالإضافة إلى إدخال الصناعات التحويلية. ج. تحقيق رفاهية المواطنين داخل المشروع من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. د. المحافظة على البيئة داخل حدود المشروع. هـ. كفالة حق المزارعين في إدارة شأنهم الإنتاجي والاقتصادي بحرية كاملة في إطار المحددات الفنية واستخدام التقانة للارتقاء بالإنتاجية وتعظيم الربحية منها. و. كفالة حق المزارعين في المشاركة الفعلية في التخطيط والتنفيذ للمشاريع والبرامج التي تؤثر على إنتاجهم وحياتهم على جميع المستويات الإدارية. ز. كفالة حق المزارعين في إدارة عمليات الري على مستوى قنوات الحقل بواسطة روابط مستخدمي المياه. ح. تشجيع المزارعين على ممارسة العمل الجماعي الاقتصادي لتوفير الخدمات والسلع الاقتصادية بالكفاءة المطلوبة مع الاستفادة القصوى من اقتصاديات السعة. ط. إتاحة الفرصة للقطاع الخاص ليلعب دوراً رائداً في تقديم الخدمات التجارية المساعدة في إطار تنافسي. ي. إدخال الغابات المروية والثروة الحيوانية في الدورة الزراعية. ك. توفير الخدمات المساعدة في أعمال المشروع من الجهات المختصة.
" انتهى " ملاحق:
هذه هي المداخلات التي رأيت إضافتها لتشكل ملحقا لأنها تضيف بعدا للموضوع
_________________لو كان المراد بالليد والخاطر بقى مطلوق ما كان بنشنق ود ابكريق فى السوق


( مابين الكسب والإضاعة صبر ساعة فالصبر خير معين وخير بضاعة

اللهم جملنا بالعلم وزينا بالحلم
منقول بتصرف من مقال للبروفسير محمد زين العابدين عثمان (حلة مصطفى قرشي ) جامعة الزعيم الأزهري عله يضع بعض الإضاءات على موضوع علاقات الإنتاج وأمور أخرى تهم المشروع. (( قبل دخولنا للمعاينات لاختيار المدير العام الجديد للمشروع حسب الاعلان الصادر من مجلس إدارة مشروع الجزيرة عندما سئلت عن وجهة نظري للنهوض بمشروع الجزيرة مع أسئلة أخرى كثيرة سأجملها في نقاط أتعرض لها بالتفصيل في الحلقات القادمة وهي تبدأ بالآتي:- * البذور والتقاوى ونوعيتها وجودها وهو ما يعرف في لغة العلم بتقنية البذور، إذ مع وجود أنهارنا وأمطارنا فالسودان يشكو من شح المياه حسب اتفاقيات مياه حوض النيل. وتعرضت لكل سبل المحافظة على الماء واستعمالاتها الإستعمال الأمثل لري المحاصيل الزراعية وسنفصل ذلك لاحقاً. * تحضير الأرض لأن التربة هي مهد المحصول ولا بد من الاستفادة من كل خصائص التربة حسب ما وصل إليه العلم الحديث في علم التربة واستعمالاتها، خاصة في عمليات إضافة السماد للتربة حسب الحاجة وحالة فقدان العنصر الغذائي المعين بالتربة وأيضاً سنشرح كل ذلك لاحقاً خاصة تقدم تكنولوجيا التسميد باستعمال تقنية الكمبيوتر. * إدخال الميكنة الزراعية في كل العمليات الزراعية وخاصة عملية زراعة المحصول لأن لكل محصول كثافة نباتية محددة للفدان حتى يعطي الفدان الإنتاجية التي تحصلت عليها البحوث الزراعية. وهذه لا يمكن ضبطها إلا باستعمال الزراعات لتعطي الكثافة النباتية وهذه الكثافة النباتية هي التي تحدد الإنتاجية القصوى للفدان لهذا المحصول أو ذاك بعد توفر العوامل الأخرى المناسبة. والميكنة الزراعية تدخل في كل العمليات الزراعية من زراعة البذرة وحتى الحصاد مع معطيات الدراسة الاقتصادية في المقارنة بينها وبين العمالة اليدوية توفرها وأسعارها باعتبار خاص للحالة الاجتماعية. * تقوية إدارة الإرشاد والاقتصاد الزراعي ومدها بكل المعينات حتى تستطيع ان ترشد المزارع وتشرح له الحزم التقنية والعمليات التي يجب إتباعها مع الإحصاء والتحليل ومراقبة المحاصيل المزروعة بالسودان ودول الجوار وحاجة السوق المحلي والعالمي. * إنشاء شركة تسويق المحاصيل فلابد أن ينشئ المشروع شركة خاصة به لتسويق المحاصيل المنتجة بالمشروع حماية للمزارع ولتحصيل أكبر عائد من المنتجات والتي يجب ان يكون لها فروع في ولايات السودان وخارج السودان. * لابد من الاستمرار في زراعة القطن والتوسع فيه لارتباطه بحياة وحركة مجتمع بأكمله. * محطة البحوث الزراعية بودمدني لابد ان تتبع لإدارة مشروع الجزيرة إشرافا وليقوم بتمويلها التمويل الكامل حتى تقوم بدور البحث واستنباط العينات والحزم التقنية لرفع الإنتاجية وبدون دورها الفاعل يصبح كل العمل الزراعي حرثاً في البحر. * لابد من إعادة النظر في علاقات الإنتاج والتركيبة المحصولية وذلك بخلق علاقة إنتاج جديدة تستفيد من محاسن الحساب المشترك ومحاسن الحساب الفردي وهنالك دراسة متكاملة من قبل تمت إجازتها ولكن لم يعمل بها لتوجه الدولة نحو خصخصة مشروع الجزيرة. * روابط مستخدمي المياه نجاحها في تفتيش عبد الحكم لا يعني صلاحية تطبيقها في كل المشروع فهي تحتاج لمزيد من الدراسة والتدريب. * لابد من إعادة الخدمات الاجتماعية للعمل وبفاعلية لأن الاعتماد على المحليات برهن انه لا فائدة منه وأصاب جهد المزارع المطلوب في الحقل الى أمراض جسمانية ونفسية. * لابد من تحديد مهام وصلاحيات كل من الإدارة ومجلس الإدارة واتحاد المزارعين توضيحاً واضحاً درءاً للتقاطعات والمناطحات والتأويلات والتدخلات. * الصعوبات الجمة التي تواجه التمويل الزراعي للمشروع والمزارع في ظل قانون مشروع الجزيرة الجديد وملكية وزارة المالية للجزء الكبير من أرض المشروع وملكية وزارة المالية أيضاً للأصول الثابتة للمشروع والتي لا يمكن للمشروع استعمالها بالرهن للتمويل من البنوك والرأسمال الوطني والأجنبي.)) --- انتهى ---
محمدنور البشير أبدأ من حيث طلبت بالتفريق بين الملك الحر وملكية المنفعة : فالملك الحر للأرض هو أن يكون الفرد أو الجهة مالك/ مالكة لعين/رقبة الأرض ومنفتها { معا } وملكية المنفعة هي أن تكون عين/رقبة الأرض مملوكة للدولة بينما تكون منفعتها مملوكة للأفراد أو الجهات بالشروط والمواصفات التي تحددها الدولة ، بموجب عقد يسمى عقد تمليك المنفعة أو الاستئجار بغرض المنفعة .. وهذا التفريق يتبعه القول بأن الدولة لا تتدخل في الملك الحر إلا في حدود ضيقة وبالكيفية التي يحددها القانون بخلاف ملكية المنفعة التي تدير الدولة فيها تلك المنفعة حسبما تحدده نصوص عقد الانتفاع أو الشروط التي تحددها الدولة من وقت لآخر حسب مقتضيات المنفعة العامة .. وأن الدولة تحدد طريقة وكيفية الانتفاع بملكية المنفعة .. يعني لو كانت المنفعة لزراعة تحدد الدولة الطريقة التي يمارس بها الأفراد ملكية الانتفاع .. ماذا يزرعون وكيف يزرعون .. كما تملك الدولة حق تغيير المنتج الزراعي المطلوب للمنفعة العامة دون اعتراض من مالك المنفعة بينما لا يسري ذلك في مسائل الملك الحر.. لكن هذه الفروق تتضاءل إذا علمنا أن الدولة لديها قانون يسمى بقانون نزع ملكية الأراضي تنزع بموجبه أراضي الأفراد والجهات للمنفعة العامة سواء كانت مملوكة ملكا حرا أو ملكية منفعة ، فقط في الملك الحر تشتري الدولة الأرض التي تحتاجها من ملاكها بالقيمة المجزية بينما تملك الدولة حق نزع ملكية المنفعة دون تعويض أو بالتعويض الذي تحدده دون حق مالك المنفعة في الاعتراض على ذلك . وفي تعويض أصحاب الملك الحر يتم النقاش مع الملاك في كيفية التعويض للاتفاق ، ويسود رأي الدولة في حالة تعنتهم وعدم قبولهم بأي طرح وذلك من باب تغليب المصلحة العامة .. هذا ما لزم بصورة عامة وسوف أعود لتطبيق ذلك فيما تعلق بمشروع الجزيرة بصفة خاصة .. لكم جميعا خالص ودي
والملكية في مشروع الجزيرة ملكية منفعة بمعنى أن الحكومة تملك عين/رقبة الأرض والمزارع يملك حق الانتفاع بها وذلك بموجب نصوص قانون الجزيرة الذي يتناول الآن أخونا الباشمهندس مأمون ، وهذه المنفعة تعرف كذلك بملكية الأسرة ، بعني هنالك موافقة ضمنية من الدولة على تداول الملكية بين أفراد الأسرة وذلك في حال وفاة المزارع { المتعاقد } الأصلي مع الدولة ولا تتدخل الدولة عادة إلا إذا صار خلاف بين أفراد الأسرة تعذر تداركه. والمنفعة المخصصة للمزارع بالمشروع ليست مطلقة بل تتدخل فيها الدولة تدخلا رئيسيا ، يعني نقول أنها مقيدة بنصوص القانون والسياسات التي تضعها الدولة من وقت لآخر.. وهي بشكلها ذلك أقرب في وصفها لعلاقة الشراكة بين المزارع والدولة بحيث يشارك المزارع بجهده وعرقه وماله أحيانا وتشارك الدولة بالبذور والري والرعاية والتمويل أحيانا . لكن يقوم السؤال الكبير ماذا لو أخل أحد الشريكين بالتزامه ، ولنأخذ الدولة مثلا ، لو فرضنا إلزامها بعدد معين من المياه { الشربات } لمحصول معين وضاع بذلك جهد المزارع في السنة المعنية هباءا ماذا لو أخل المزارع بعدم تقديم جهد المتفرغ للعمل بحواشته هذا ما سأعود إليه بالنقاش لاحقا.

بهذه المداخلة والتي تليها أصل إلي نهاية هذه الدراسة التي أتمنى أني وفقت في تتبع المسار الصحيح في جمع المعلومات الضرورية، وفي المحاور التي بُنيت عليها، وفي تحليل ما تراكم عندي خلالها من معلومات ضرورية لتحديد مواطن الخلل. عله فاتني كشأن كل بشر محدود ، كثير من المعلومات والجوانب لاكتمال دراسة يعتد بها حول هذا الموضوع الكبير والشائك المعقد ويكفيني هنا أن ابتدرت النقاش حول بعض جوانبه التي رأيتها مهمة وضرورية، وأرجو أن يعضد هذه الدراسة نفر آخرون أكثر تخصصاً وأوفر علماً ومعرفة بجوانب المشكل موضع الدارسة. أتمنى أيضاً في ختام هذه الدراسة، أن أبني تصوراً معقولاً ممكناً ومرضياً لما نود أن نرى عليه المشروع في ما نستقبل من أيامنا، وليعذرني القراء ما رأوا أني جانبت الصواب، فالنتيجة لا تنفك عن مقدماتها .. وبالله التوفيق. الغدُ المأمول: - لأجل القطن، أهم سلعة صناعية إستراتيجية خلال القرنين الماضيين، كان قيام مشروع الجزيرة ومن أجله كان احتلال السودان ابتدأً. - داخلياً مثلت نسبة من عائدات المشروع وقطنه الجزء الأهم من موازنة حكومة الاحتلال، والحكومات الوطنية بعد الاستقلال. - لضمان تحقيق الهدف من المشروع في إنتاج سلعته الأساسية وضمان مورد ثابت يغذي صناعة الغزل والنسيج البريطانية، واسترداد أموال الاستثمار في بنياته الأساسية وتشغيله. - كان نظام ضبط وتحكم الدولة في الأرض شراءً وتأجيراً . - كان النظام الإداري المركزي الصارم. - كان نظام الشراكة الثلاثي. - كانت التركيبة المحصولية والدورة الزراعية. - كان غذاء أهل المنطقة الرئيس خارج الدورة الزراعية. - كان حيوانهم خارج الدورة الزراعية و حساباتها. تلك كانت العوامل التي شكلت ملامح مشروع الجزيرة .. فهل ذات العوامل مازالت قائمة ؟ وما المتغير فيها، الذي يمكننا من رسم صورة مختلفة للمشروع ونحن نخطو بدايات قرن جديد؟ الأرض والملكية، عامة أم خاصة: في النظم الرأسمالية، الملكية الخاصة مكفولة ومحمية بالقانون وتشمل الملكية الخاصة للأرض، بينما هي ملك عام تحت تصرف الدولة في النظم الاشتراكية. كانت الملكية الخاصة للأرض هي السائدة قبل دخول البريطانيين للسودان تحت التشريع الإسلامي والعرف، ونرى التوجه العام للدولة يسير في ركب العولمة الضاغط نحو الاقتصاد الرأسمالي. فلماذا تصر الدولة على الملكية العامة لأراضي مشروع الجزيرة ؟ أليس من الأجدى أن تعيد الأرض لملاكها الأصليين في ظل التوجه العام فما عاد المشروع يمثل عماد الاقتصاد السوداني وعصب موازنة الدولة العامة، أقول هذا إثباتاً للعدل بإعادة الحق لأهله بدل التفكير في بيعه باسم الدولة لغيرهم. تبرز لدينا مشكلة المزارعين المستأجرين لأراضٍ باسم الدولة، ولهؤلاء يمكن تمليكها بالبيع بأقساط ميسرة وفاءاً لما بذلوه خلال سبعة عقود كركيزة للاقتصاد الوطني، وينطبق ذلك على المزارعين اللذين يفلحون أراضٍ ترجع لملاك أصليين بأن تقوم الدولة بشرائها عنهم من الملاك وبيعها لهم بالتقسيط المريح. يتبقى للدولة مصدر عام رئيس وهو الماء وشبكة الري بأصولها وهي مصدر عام لاشك يجوز لها التحكم في بيعه لهم بسعر مجز للطرفين. ويكون لها أيضاً العائد من الضرائب المستوجبة على الإنتاج والزكاة المفروضة على المحاصيل الزراعية وغيرها ففيه مصدر كبير لموازنة الدولة العامة. نسمع ماتتناقله الأخبار عن الصراع الدائر بين أوربا والولايات المتحدة حول الدعم الذي تقدمه كلتاهما للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ، وهو قطاع خاص في مجمله، فما أحوج هذا القطاع لدينا لما هو أكثر من الدعم برفع الضرائب وتقديم القروض الميسرة والخدمات الزراعية الأخرى حتى يقف على رجليه. إن من حق المزارعين بالمشروع والمشاريع المماثلة صغيرة وكبيرة أن تساند نهضتها بدعم كامل حتى تؤتي أكلها فيحق للدولة ساعتها أن تجني ثمار غرسها. هذا التصور حال تبنيه سيطلق يد المزارعين بالمشروع لإدارة عمليات الإنتاج بتحديد نوع الدورة الزراعية ونوعية المنتجات وطريقة البيع والتسويق وإثراء العمل بمستحدثات العلم في المجال الزراعي والحيواني والتصنيع المرتبط بها،فيعود ذلك خيراً وبركة على البلد واقتصاده. لامركزية الإدارة: المقترح أعلاه يستتبع تغييراً جذرياً لأنماط العمل بالمشروع. ظلت مقولة " أكبر مشروع زراعي تحت إدارة واحدة في العالم " تشنف آذان السامعين عقوداً طويلة، لكن آن الوقت للوقوف عند ذلك الشكل المصمت لإدارة المشروع. مشروع الجزيرة بناءٌ عملاق من حيث المساحة والبنيات الأساسية والأثر، تماماً كالسودان شاسع متعدد، وقد أصبح من المقبول والمطلوب عقلاً إدارة السودان إدارة لامركزية، فهلا طبقنا ذات المنطق على مشروع الجزيرة بأن تتم إدارة العمل بصورة غير مركزية كما هو الحال الآن فذلك أدعى لتوفير المقدرة على انسياب العمل بتقصير خطوط الاتصال والزمن اللازم لاتخاذ القرار والمشاركة اللصيقة وسرعة الحصول على المعلومة واتخاذ القرار المناسب. لتحقيق ذلك يمكن مثلاً توزيع المشروع لوحدات إدارية منفصلة قد تتبع التوزيع الحالي للأقسام بمشروعي الجزيرة والمناقل، وقد تختلف التركيبة الإدارية لكل وحدة عن الأخرى باختلاف نظام الدورة الزراعية والتركيبة المحصولية لها ويبقى نوع من التنسيق لتفادي التنافس المخل وضمان العوائد المجزية وتشارك المعلومات عن توجه السوق وغيرها. إن كان عز على الدولة التخلي عن ملكية الأراضي، وذهبت مذهب تحويلها لملكية عامة كما ورد في قانون 2005. وتجاوزاً عما قد تثيره هذه النقطة من مشاكل قانونية، فليكن النظر إلى المقترح الخاص بلامركزية الإدارة ومايليها من مقترحات بخصوص وسائل الري المتبعة وشبكة المياه، والتركيبة المحصولية لتتمتع بمقدار عالي من المرونة توافق حاجات السوق وتحقق العوائد المجزية لاستثمارات المزارعين في أموالهم وجهدهم، وما يتصل أيضاً بفلسفة توزيع الجهد والعائد بين الشركاء. مصادر المياه وشبكة الري: لاجدال حول الملكية العامة لمصادر المياه كما جاء عن الرسول (ص) ، أن الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار. وكذلك ملكية الدولة لشبكة الري وبنياتها الأساسية، فهي الأقدر على إدارتها، وتشغيلها، وصيانتها لتقوم بانجاز مهامها على الوجه الأكمل وبأية وسيلة مناسبة، واضعين نصب أعيننا الاتفاقات الدولية الملزمة بحصص المياه المتاحة لكل قطر ومسئولية الدولة المباشرة عن ذلك. كما أوردت سابقاً عند الحديث فإن مشاكل الري بالمشروع نتجت عن عدة أسباب، أبرزها التوسع الأفقي والرأسي في الإنتاج الزراعي مما استدعى سحب المياه من بحيرة الخزان قبل وقتها وهي مازالت محملة بنسب عالية من الطمي الذي انتقل بدوره للشبكة متسبباً في مشكلة الإطماء التي أثرت بشكل كبير على مستوى إنتاجه، إضافةً لضعف الميزانية المرصودة لإعمال الصيانة الدورية لبنياتها، حتى عز الحل وصار أكثر صعوبةً وأعلى كلفةً اقتصادية. سؤال يجول بخاطري وبخاطر كل من عمل أو رأى وسائل جديدة مستحدثة في الري والتعاطي مع موارد المياه المتاحة، هل لنا أن نجرب تلك الطرق في المشروع مستعيضين بها عن الوسيلة التقليدية بالري الانسيابي؟ الذي، رغم قلة كلفته من ناحية تشغيلية إلا أنه يهدر كميات من المياه، كما عايشنا وشاهدنا كأبناء مزارعين عملنا بالحقول زراعة وسقياً ردحاً من الزمن، يمكن توفيرها واستخدامها في ري مساحات أكبر أو أية نشاطات أخرى؟ هذا السؤال يحتاج للإجابة عليه لدراسات جدوى اقتصادية وهندسية وفنية على صعد كثيرة مرتبطة بنوعية المحاصيل التي يمكن زراعتها ودورتها والوسائل البديلة لتوصيل مياه الري وسبل السقيا وتواريخ الزراعة والبنى المساعدة لرسم حلول مبتكرة وجديدة تحقق أقصى فائدة من المياه المتاحة بأقل هدر ممكن، وتوفر جزءاً كبيراً من الحل لمشاكل الري بالمشروع في قطاعاته المختلفة. إن التجارب الإنسانية حولنا زاخرة ومتوفرة واليات التنفيذ ممكنة باستصحاب منتجات العلم من آليات وأطر فنية وإدارية، إضافة لما يمكن للإنسان السوداني ابتكاره من حلول، لأمور جديرة بالنظر إليها والسعي لتحصيلها نحو تحقيق هذا الهدف. التركيبة المحصولية : الغذاء الصحي النظيف حاجة العالم المتزايدة والماسة، وكما قيل " السودان سلة غذاء" أكاد أرى ذلك بأم عيني متمثلاً في مشروع الجزيرة بصورته الجديدة.فكيف السبيل. ما عدنا تحت الإدارة البريطانية، ولم تعد زهرة القطن البيضاء ذلك الذهب الذي تقوم عليه حركة الاقتصاد العالمي، وتقوم عليه موازنة الدولة بالسودان، فقد تغيرت المعادلة وأصبحت السلع الزراعية بشقيها النباتي والحيواني صاحبة القدح المعلى في اقتصاديات الكثير من الدول حول العالم بل حتى السلع الزراعية المرتبطة برونق الحياة وجمالها (كالزهور) أصبحت تمثل وزناً في سوق العالم الزراعي ناهيك عن الأعشاب و المزروعات التي تدخل في المنتجات الصناعية والطبية وعوالم الجمال والرشاقة وأسواقها المتوسعة. آن الوقت لتعديل جذري في التركيبة المحصولية السائدة في مشروع الجزيرة،فإنسانه وأرضه المعطاءة ووفرة مياهه ترشحه لدور أكبر بكثير مما هو عليه من حالة المعتاش على الخزينة العامة للدولة. حان الوقت لنفكر ونعمل نحو قيام جزيرة خضراء بألوان الطيف من المنتجات الزراعية المختلفة على مدار العام محاصيل مختلفة وخضر وفواكه وثروة حيوانية ضمن هذه المنظومة وصناعات مرتبطة بكل ذلك، يقوم العمل فيها على تقنيات عالية في جميع ضروب الإنتاج من ميكنة متكاملة تقلل الجهد البشري المطلوب وتطبيق للتقنيات الحديثة المتوفرة لتحقق أعلى إنتاجية ممكنة بنوعيات منافسة لتغطية حاجة الأسواق المحلية والإنتشار للأسواق الإقليمية والعالمية المتوسعة. لست هنا في مقام التفصيل عن تركيبة محصولية مقترحة، فلا أدعى ماليس به علم متحقق، فلكل مجال رجاله وأهله وهو أمر يحتاج لجان ومتخصصين في مجالات شتى من خبراء مطلعون باتجاهات السوق العالمية في مجال إنتاج وتسويق السلع الزراعية، وعلماء وخبراء في ما يناسب من محاصيل لتوطينها بالمشروع واقتصاديين ومهندسين وغيرهم من أهل الاختصاص، لكني فقط أرى ضرورة التغيير فقد آن وقته. ذكرت للمنتجات الزراعية بشقيها الحيواني والنباتي وعنيت ذلك لأشير أنه الوقت لعودة الحيوان إلى ارض الجزيرة، عودةً تقوم على العلم والدراسة الفاحصة. فليكن الحيوان بكل أنواعه جزءً أصيلاً في دورته الزراعي، تربية وتصنيعاً لمنتجاته ليحقق بناءً متكاملاً للمشروع يرتقي به من مجرد مزرعة لسلع خام تباع بالأسواق العالمية في ظل منافسة قوية لاترحم المتساهل والضعيف الى بناءٍ اقتصادي متكامل يعود بالخير والنماء لأهله وأهل السودان قاطبة. إن كان من كلمة أخيرة في ختام حديثي فهي الى أهل المشروع الحقيقيين مزارعين وعمال ومعتاشين على نتاجه، شمروا عن ساعد الجد، وحدوا جهودكم واسعوا للبحث عن استثمار أفضل لمورد عزيز تحت أقدامكم، ولا يحبطنكم السياسات العرجاء التي اكتنفت هذا الصرح العظيم في فترات سابقة عن القيام إليه ومعالجة أسقامه الطارئ منها والمفتعل فهو خيركم وخير أجيال من أبنائكم يأتون خلفكم ولكم في نتاج العلوم والمعرفة خير معين فقد حققت الميكنة ( استخدام الآلة ) في المجال الزراعي وتقنيات الهندسة الزراعية والعلوم المرتبطة بفن الزراعة المعجزات في إحياء أراضٍ بوار وماهي عليكم بمستحيلة أو ممنوعة بل قريبة المناهل فخذوا بها واستعينوا بكل مستجد في مجال معاشكم وحياتكم. --- انتهى والحمد لله رب العالمين ---_________________اللهم جملنا بالعلم وزينا بالحلم

ليست هناك تعليقات: