الثلاثاء، 5 أغسطس 2008

أضواء علي مشروع الجزيرة .. التطورات، والمتغيرات و قانون 2005م

أضواء علي مشروع الجزيرة .. التطورات، والمتغيرات و قانون 2005م
تقديم الخبير في البنك الدولي: الدكتور سلمان محمد احمد سلمان
عرض صديق عبد الهادي
الجزء الأول
كجزءٍ من المساهمة في بلورة دورٍ جديد للمهاجرين السودانيين، درج المكتب الثقافي للجالية الأمريكية السودانية في منطقة واشنطن الكبرى ، و هي واحدة من أنشط الجاليات في الولايات المتحدة الأمريكية ، علي إقامة نشاطات ثقافية متميزة ، احتلت فيها القضايا المتعلقة بالوطن ـ السودان ـ و بهموم شعبه حيزاً براحاً.
مما لا خلاف حوله أن المهاجرين السودانيين في كل أنحاء العالم أصبحوا يحتاجون اليوم ،أكثر من أي وقتٍ مضى، لان يكونوا أكثر ارتباطاً بالوطن الأم و بقضاياه بعد أن أضحى العالم ، فعلاً و ليس مجازاً، قرية واحدة، قد لا تكون مترامية الأطراف ، و لكنها في الوقت نفسه ليست صغيرة إلي ذلك الحد الذي أمست تتبدى فيه لمنْ جاشت بأنفسهم بدائع ثورة المعلومات.
ضمن ذلك النشاط الدؤوب قدم المكتب الثقافي للجالية الأمريكية السودانية في يوم 10 مايو 2008م ، الخبير السوداني في البنك الدولي الدكتور سلمان محمد احمد سلمان في ندوة عن مشروع الجزيرة في السودان. و ذلك ما نحاول أن نعرض له في هذه المقالات.
مقدمــة/
من ضمن الأسباب التي عنت بوجوب عرض هذه الندوة علي اكبر عدد من القراء في السودان و خارجه هو أن أهمية موضوع مشروع الجزيرة في السودان أصبحت لا تأتي من تاريخه آو سنواته الثمانيين التي سلفت ، و إنما هي تأتي من مستقبله. فالسودان اليوم يمر بأدق مراحل تاريخه ليس علي المستوى السياسي، كما يفهم الكثيرون، و إنما علي المستوى الاقتصادي أكثر تحديداً، حيث أن قضايا الثروة و توزيعها ، و قد يكون لأول مرة في تاريخه الحديث، قُدِر لها أن تكون محل تركيز و اهتمام ، بل أن ضرورة معالجتها العادلة و السليمة أصبحت تشكل، و بإجماع السودانيين، الضمان الأساس لوقف النزيف و قيام السلام و الوحدة.
أما السبب الآخر هو أن الدكتور سلمان محمد احمد سلمان فوق تخصصه النادر في قانون المياه علي مستوى العالم و تمثيله للبنك الدولي في هذا المجال ، فإنه خبير مشهودٌ له بالتزام الرصانة البحثية و محفوظٌ له مثابرته علي مراصفة التجويد، و في هذا الصدد سيجد القاري أن وقائع هذه الندوة لا تحيد عن ذلك التأكيد .
في الدائم الأعم ، أن القارئ يسعى، بل و يتوق أحيانا أكثر من الباحث نفسه، إلي التأكد من أن المعلومة ليست هي المحجة و المقصد في ذاتها و إنما تحليلها و ربطها بظرفها و علاقتها بوقائع الحالة في شمولها هو في نهاية المطاف مما يساعد علي التصدي و المواجهة المسئولة للقضايا الشائكة، و ذلك ما هو مطلوبٌ في معالجة وضع كالذي في مشروع الجزيرة. هذا ما حاول أن يقوله الدكتور سلمان ، و كذلك أيضا ما حاول أن يؤكد به موقفه الثابت من احترام الاختلاف المبني علي المعرفة. و هذا موقف يجد كل التقدير ، بل و هو في جوهره مبتغى كل عارف.
وقائع الندوة:
السؤالان المدخل/
طرح د. سلمان سؤالين كمدخلٍ لمحاضرته ،الأول ، ما هي علاقة المتحدث بمشروع الجزيرة و ما هي المقومات و الأرضية التي ارتكز عليها في تقديمه لهذه الندوة عن المشروع؟ .
أما السؤال الثاني فهو لم كل هذا الاهتمام الكبير و المفاجئ من قبل السياسيين، حكومة و معارضة، أكاديميين، منظمات مجتمع مدني، و بل كافة قطاعات الشعب السوداني بمشروع الجزيرة؟!!!.
يشير د. سلمان في إجابته عن السؤال الأول إلي أنه و بسبب تفاقم مشاكل مشروع الجزيرة بدءاً من منتصف السبعينات في القرن المنصرم لجأت الحكومات المتعاقبة إلي تكوين لجان و كذلك إلي الاستعانة بالمنظمات الدولية للنظر في أمر المشروع و مشاكله، و من ثم تقديم توصيات لعلاج تلك المشاكل. فعند هذه النقطة، و كما أشار، جاءت علاقته هو بالمشروع، و ذلك بحكم عمله في البنك الدولي.
تناول بشكلٍ خاص اللجنة التي كونت في بداية عام 1998م و قدمت تقريرها في نوفمبر عام 1998م.حيث ذكر بان أهم توصياتها هي ، أولا قيام شركة مساهمة تؤول إليها ملكية مشروع الجزيرة بحيث تكون الأصول المملوكة حالياً للدولة أسهما لها، و يُطلب من القطاع الخاص و المصارف التجارية و الزراع و العاملين بالمشروع و المواطنين الراغبين المساهمة في هذه الشركة. و يمكن للحكومة أن تبيع أسهمها في هذه الشركة إن أرادت.
ثانياً أوصت اللجنة بان توقع الشركة عقوداً لعلاقات الإنتاج مع جميع الزراع سنوياً.
ترددت الحكومة في قبول هذه التوصيات ، و اتصلت في عام 1999م بالبنك الدولي ـ الحديث هنا للدكتور سلمان ـ و طلبت من البنك دراسة مشاكل المشروع ، و تقديم توصيات لحلها مع النظر في مقترحات و توصيات لجنة عام 1998م. لابد هنا من الإشارة إلي حقيقة أن علاقة البنك و حكومة السودان كان أن وصلت إلي طريق مسدود في العام 1993م ، و ذلك بسبب توقف حكومة السودان عن سدادها للقروض المستحقة عليها للبنك الدولي. و قد قام البنك بالفعل في ذلك العام بإلغاء المشاريع التي كان يقوم بتمويلها في السودان، و كذلك قام بإغلاق مكتبه في الخرطوم.
برغمه وافق البنك علي الطلب و تم تكوين فريق عمل مشترك بينه و حكومة السودان. ضمّ الفريق إلي جانب ممثلي البنك متخصصين من السودانيين في مجالات الزراعة، الري، و الاقتصاد من خارج الحكومة. و قد اصدر الفريق تقريره في أكتوبر 2000م تحت عنوان " السودان: خيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة".
في أوائل عام 2002م طلبت حكومة السودان من البنك الدولي المساهمة في مناقشة و تطبيق مقترحات التقرير الذي قٌدِم إليها في العام 2000م. طُلِب من د. سلمان الالتحاق بفريق عمل البنك الدولي لتقديم المشورة و العون في المقترحات الخاصة بإدارة الموارد المائية في مشروع الجزيرة و ذلك بوصفه المستشار القانوني لشئون المياه في البنك الدولي. و كان أن أصبح واحداً من أعضاء ذلك الفريق بالفعل. أشار د. سلمان إلي حقيقة انه قام و خلال الخمسة أعوام الماضية ، بزيارة مشروع الجزيرة سبع مرات، و طاف علي عدد كبير من أقسامه و التقى بعددٍ كبيرٍ من المزارعين و الموظفين و اتحاد المزارعين و كذلك بإدارة المشروع. ذلك العمل أتاح له فرصة التعرف بشكلٍ أدق و عميق علي مشاكل المشروع و معوقات إنتاجه، علي حسب ما ذكر، بل انه قال بان تلك المهمة التي قام بها ستظل من أكثر المهام التي قام بها خلال فترة عمله المديدة بالبنك، أهمية. فتلك كانت هي ركيزة علاقته بمشروع الجزيرة و ركيزة استقائه المعلومات مما مكنه من الحديث عن المشروع.
يُلاحظ دائماً أن د.سلمان ، وفي كل ندواته، يكون حريصاً علي تأكيد أن الآراء و الأفكار التي ترد منه لا تمثل و بأي حال من الأحوال و لا تعبر عن آراء البنك الدولي آو أراء و أفكار أي فريق يعمل من ضمنه.، و إنما هي بالضرورة أفكاره الخاصة. وهذه بحق فضيلة علمية رفيعة لا يتمسك بها إلا منْ عمر وجدانهم بالشجاعة المهنية. لأنه، و كما هو معلوم، ليس هناك من مأمنٍ اضمن لاتقاء سهام النقد من الاستجارة بظل الغير!!!.
وفي إجابته عن السؤال الثاني، يرى د. سلمان أن ذلك الاهتمام المتزايد الحالي بمشروع الجزيرة مرده إلي أزمة الغذاء الحادة التي تنتظم العالم اليوم، و التي تهدد الكثير من دوله. و قد تجلت تلك الأزمة في عدة مظاهر، منها:
(*) الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية الأساسية في العالم.
(*) التخوف الذي أبدته معظم الدول من المشاكل المصاحبة لهذا الارتفاع مما حدى بها إلي اتخاذ إجراءات تحد من تصدير المواد الغذائية خارج حدودها.
(*) تسبب أعلاه في قلة العرض مما أدى و يؤدي بالنتيجة إلي ارتفاع الأسعار. و بالطبع كان للسودان نصيبه في ذلك.
من جانبٍ آخر كانت هناك أسباب وراء تلك الأزمة الغذائية التي تجلت مظاهرها فيما سبق ذكره. و يمكن إجمال تلك الأسباب فيما يلي /
أولا/ الازدياد المطرد لسكان العالم. في عام 1900م كان عدد سكان العالم 1,6 مليار، أي اقل من مليارين من البشر. وصل إلي 6,1 مليار في العام 2000م، و من المتوقع أن يصل عدد سكان المعمورة إلي 9 مليارات بحلول 2050م. لابد من القول بأنه و بالنتيجة زادت كذلك الهجرة من الريف إلي المدينة.
شهدت الطبقة الوسطى توسعاً عددياً في أكثر دولتين كثافة في العالم، و هما الهند و الصين، و قد زادت كذلك القوة الشرائية لتلك الطبقة أيضا.
فيما يخص الهجرة من الريف إلي المدينة نرى أن تلك الظاهرة أصبحت أكثر وضوحاً في السودان حيث أصبحت المدن و خاصة الخرطوم مراكزاً لاستقبال تلك الهجرة ـ الكثافة السكانية فيها تقارب 10 مليون نسمة ـ ، فذلك يعني فيما يعني الهجرة من الذرة إلي القمح استعمالاً . و معلومٌ أن السودان يستورد 60% من احتياجاته في القمح من الخارج!!!.
و توضح الإحصائيات و المعلومات المتوفرة أن عائدات الإنتاج بالنسبة لأكثر الحبوب أهمية علي مستوى البلدان النامية في العالم قد شهدت تناقصاً كبيراً. و تلك المحاصيل هي القمح، الذرة الشامي و الأرز. مثلاً بالنسبة للقمح فقد تناقص معدل النمو السنوي في إنتاجه بين عامي 1961م و 2000م من 10, 25% تقريباً إلي 1% تقريباً!!!. فهذه إحصائيات تقف دليلاً علي ما ذكرنا أعلاه، فإنها بالقطع تعني الكثير بالنسبة للمهتمين بأمر الغذاء في العالم.
ثانياً/ المتغيرات المناخية ، و خاصةً الاحتباس الحراري فقد اثر سلباً علي الإنتاج الزراعي في أقطار كثيرة من العالم و كمثال علي ذلك أن استراليا قد توقفت عن زراعة الأرز و قللت كثيراً من زراعة القمح بسبب الجفاف. تقول الإحصائيات أن صافي عائد إنتاج الفدان من الأرز يعادل حوالي 240 دولاراً في حين أن صافي العائد بالنسبة لنفس الفدان من العنب يعادل 1680 دولاراً. بالتأكيد إذا ما كنا نعلم أن الأرقام لا تكذب، فان خيار المزارعين الاستراليين سيكون واضحاً وهو التقليل من زراعة أي محصولٍ آخر عدا العنب.
ثالثاً/ اثر استعمال الحبوب خاصة الذرة الشامي في إنتاج الوقود الحيوي سلباً علي المساحات المزروعة بغرض إنتاج الحبوب لأجل الغذاء و ذلك بالضغط عليها و تقليل مساحتها، مما أدى إلي وصف إنتاج الوقود الحيوي بأنه "جريمة ضد الإنسانية"!!!.
رابعاً/ ارتفاع أسعار المحروقات انعكس في زيادة أسعار المدخلات الزراعية ، مما أدى إلي ارتفاع تكاليف الإنتاج.
خامساً/ ضعف الدولار و انخفاضه اثر في ارتفاع الأسعار ـ لاحظ ارتفاع سعر البترول ـ حيث وصل سعر البرميل إلي 130 دولار و هو ضعف سعر البرميل في نفس الوقت من العام الماضي مثلاً.
سادساً/ المضاربات المستقبلية بأسواق السلع ، و قد شمل ذلك القمح و الأرز.
سابعاً/ إجراءات الحد من تصدير المواد الغذائية بواسطة بعض الدول أدى إلي شحها و من ثمّ إلي ارتفاع أسعارها في كثير من دول العالم مما تسبب في الكثير من الاضطرابات و الاحتجاجات الدامية في عدد من الدول مثل هاييتي، مصر، بوركينا فاسو و غيرها.
ثامناً/ الدعم الذي تقدمه الدول الصناعية الكبرى لمزارعيها افقد المزارعين في البلدان الأخرى القدرة علي المنافسة، و قد اثر ذلك سلباً علي الإنتاج في تلك الدول. و
تاسعاً/ تدني الاستثمارات العالمية في القطاع الزراعي و إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار فيه بسبب المخاطر المتوقعة، حيث هبط من 1,9 مليار دولار في عام 1981م إلي اقل من مليار دولار في عام 2001م.
تلك هي الأسباب التي أنتجت الأزمة الغذائية علي مستوى العالم، و التي انعكست بشكلٍ واضح في عدم مقدرة الناس، في كثير من بلدان العالم ، علي شراء المواد الأساسية حيث ارتفعت أسعار الحبوب و خاصة الضرورية منها كالأرز، القمح و الذرة الشامي بنسبة تراوحت بين 50% و 300% في الفترة من يناير 2007م و حتى مايو من العام الجاري 2008م فقط.
علي أية حال، لابد لنا من إضاءة بعض الحقائق علي المستوى الإقليمي لان ذلك سيساعد كثيراً في الاقتراب من الموضوع الذي نحن بصدده. من تلك الحقائق أن العالم العربي يستورد 76% من المواد الغذائية التي يستهلكها من الخارج، و في سبيل توفير ذلك يتم صرف حوالي 40 مليار دولار سنوياً، أي حوالي 3,5 مليار شهرياً بواقع 120 مليون دولار يومياً!!!.
و من تلك الحقائق أيضا أن مصر تستهلك حوالي 14 مليون طناً من القمح سنوياً، تستورد منها ما يعادل 7 مليون طن من الخارج. و كذلك السودان يدور في نفس الرحى إذ يستهلك مليونين طن من القمح و يستورد منها 1,3 مليون طن من الخارج.
الآن يمكن تصور الوضع الإقليمي ـ علي الأقل في الوطن العربي ـ حين يتم ربط هذه الحقائق بحقيقة أن 60% من المياه الجارية في الوطن العربي تأتي إليه من خارج حدوده. فذلك وضعٌ معقد، علي إثره استيقظ العالم العربي علي أهمية مسألة "الأمن الغذائي" و من ثم أدرك أهمية و إمكانيات السودان الزراعية.
الناس في السودان ليسوا بمعزلٍ عن ذلك أو عما يجرى علي صعيد العالم، فقد كان لابد لهم أيضا من التأمل ، و من نفس النافذة التي اطل منها العالم، في مسألة " الأمن الغذائي"، و من ثم إلقاء نظرة متأنية علي القطاع الزراعي و الذي يمثل مشروع الجزيرة مركز الثقل فيه، حيث انه الأكبر مساحةً و الأقدم عمراً، و الذي قد يكون و بمعايير مختلفة الأوفر حظاً في تخفيف ذلك الهاجس المتعلق بمسالة "الأمن الغذائي" ، اقله علي مستوى الوطن.
الجــــــــــزء الثــــــاني
خلفية المشــــــروع /
معلومٌ أن الحديث عن مشروع الجزيرة قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمسالة زراعة القطن في السودان. أصبح من غير الممكن التفكير في مشروع الجزيرة دون ربطه بالقطن، و لقد لعبت عوامل كثيرة دوراً في ترسيخ ذلك الربط سواءً إن كانت سياسة الدولة، أو سائل الإعلام بكل أشكالها، أو المناهج التعليمية في المراحل المختلفة، حيث كان الضوء مسلطاً علي مشروع الجزيرة و إنتاجه للقطن و آثار ذلك علي الخزينة و الدخل القومي و من ثمّ علي التنمية في السودان بشكلٍ عام.
هنالك عوامل تاريخية لا يستقيم بدونها الحديث عن مشروع الجزيرة و مسألة زراعة القطن فيه. إن الانبهار بذلك النجاح الساطع الذي حققه مشروع الجزيرة في تبني زراعة القطن خلال زمن طويل من تاريخه ، لا يرجع فقط إلي الإنتاجية العالية التي حققها المشروع في ذلك المحصول خلال جزءٍ كبير من عمره، و إنما يرجع أيضا و تاريخياً إلي فشل التجارب السابقة لمحاولة زراعة القطن في مناطق مختلفة من السودان، و في عهود تاريخية مختلفة كذلك. فمثلاً، في ستينيات القرن التاسع عشر و إبان الحكم التركي فشلت محاولة ممتاز باشا لزراعة القطن في دلتا القاش و طوكر، و ذلك لأسباب تتعلق بالتربة و المياه و المناخ و الأمن في تلك المنطقة. ولبعض الأسباب المشتركة مع تجربة ممتاز باشا ـ التربة و المناخ ـ فشلت أيضا تجربة المستثمر الأمريكي " لي هنت" في منطقة الزيداب في عامي 1906م و 1907م.
و للمرة الثانية، أيضا، فشلت التجربة في دلتا القاش و طوكر ، و التي قامت بها شركة كسلا الزراعية أثناء الحكم الثنائي و لنفس الأسباب التي أدت لفشل تجربة ممتاز باشا.
في العام 1911م اتجهت أنظار إدارة الحكم الثنائي نحو الجزيرة . بدأت بالفعل التجربة بواسطة شركة السودان الزراعية ، و ذلك بزراعة 250 فدان في منطقة طيبة لتروى بالري الصناعي عن طريق الطلمبات. أدى نجاح هذه التجربة إلي زيادة تدريجية في الرقعة الممنوحة من الأرض لشركة السودان الزراعية.
تضافرت عوامل كثيرة في نجاح التجربة و من ثم ميلاد و تطور مشروع الجزيرة. و يمكن تلخيص هذه العوامل في الآتي /
أولا/ خصوبة التربة، أوضحت أنه لن يكن هناك احتياج كبير للسماد و للمخصبات.
ثانياً/ طبيعة التربة و تماسكها قلل من تسرب المياه و ساعد علي بقائها لري القطن.
ثالثاً/ القرب من النيلين ـ الأزرق و الأبيض ـ ساعد وأدى إلي بناء السدود و زيادة و تنظيم عملية الري.
رابعاً/ طبيعة الأرض المنبسطة ساعدت ، و هذه من أهم الأسباب، علي الري الانسيابي الطبيعي. و قد أدى ذلك ، بالطبع ، إلي تقليل تكلفة الإنتاج مقارنةً بالري الصناعي.
خامساً/ العامل المناخي حيث ساعد فصل الصيف بحرارته العالية جداً و جفافه علي القضاء علي كثير من الآفات و الحشرات في المشروع و قلل بذلك من الاعتماد علي المبيدات.
سادساً/ الكثافة السكانية في منطقة الجزيرة كانت معقولة، ثم أنه كانت لهم خبرة حيث مارس معظمهم الزراعة المطرية.
سابعاً/ موقع الجزيرة في وسط السودان سهّل من هجرة مزارعين آخرين و كذلك عمال موسميين. كما و انه سهّل الوصول إليها من الخرطوم، و نقل القطن منها إلي الخرطوم و من ثم إلي بورتسودان و منها بحراً إلي مصانع الغزل و النسيج في لانكشير ببريطانيا و التي كانت تنتظر بفارغ صبرٍ و نهمٍ شديد إلي نجاح تجربة مشروع الجزيرة.
واضحٌ انه و مما لاشك فيه أن وجود عوامل كهذه لا يمكن أن تؤدي إلا لاختيارٍ أمثل ، و بالفعل كان اختيار منطقة الجزيرة لإجراء التجربة، ومن ثمّ لقيام المشروع، اختياراً موفقاً.
التطورات التي لازمت قيام المشروع/
بعد موسمين من بدأ تجربة طيبة في العام 1911م، بدأت الإدارة البريطانية في السودان في الاقتناع بنجاح تجربة زراعة القطن في منطقة الجزيرة. و شرعت الإدارة في التفاوض مع لندن و القاهرة لأجل إكمال إنشاء المشروع. تركز التفاوض علي نقطتين أساسيتين /
الأولى / التفاوض مع لندن علي ضرورة الحصول علي قرض وذلك لبناء خزان سنار لأجل ري المشروع ومن ثمّ التوسع فيه.
الثانية/ التفاوض مع القاهرة لأجل تأمين موافقتها علي كمية المياه التي يمكن استعمالها لري المشروع من خزان سنار علي النيل الأزرق.
فيما يخص النقطة الأولى وافقت لندن و بعد مفاوضات طويلة علي منح الخرطوم قرضاً بمبلغ ثلاثة مليون جنيه إسترليني و هي تكلفة بناء الخزان، إلا أن الحرب العالمية الأولى أوقفت التحضيرات لبنائه، و لم يبدأ العمل فيه إلا بعد انتهائها. اكتمل العمل في الخزان في العام 1925م، و هو التاريخ الرسمي لبداية مشروع الجزيرة.
أما فيما يخص النقطة الثانية فقد وافقت مصر علي بدء العمل في مشروع الجزيرة و بناء خزان سنار شريطة ألا تتجاوز مساحة الأرض المروية 300,000 فدان (ثلاثمائة ألف فدان). و كُفل لمصر الحق في بناء خزان جبل أولياء. و هنا يبقى من الضروري الإشارة إلي، و كذلك تسجيل الملاحظة الهامة ، أن بدء الري في مشروع الجزيرة و كذلك كل أطوار التوسع في الرقعة المروية فيه اعتمدت اعتماداً كاملاً علي موافقة مصر بسبب أن مياه الري تسحب بكاملها من النيل الأزرق.
التزمت إدارة الحكم الثنائي بهذه المساحة حتى عام 1929م عندما تم توقيع اتفاقية مياه النيل لعام 1929م و التي حددت حصة السودان في مياه النيل بـ 1,3 مليار متر مكعب، ارتفعت فيما بعد لتصل إلي 4 مليار متر مكعب، مقابل 24 مليار متر مكعب لصالح مصر، ارتفعت فيما بعد لتصل إلي 48 مليار متر مكعب. و نتيجةً لذلك بدأت الإدارة البريطانية التوسع في المساحة المروية في مشروع الجزيرة. و قد تدرج التوسع خلال المراحل التالية/
1- في العام 1926م كانت المساحة 300,000 فدان،
2- في العام 1929م وصلت المساحة إلي 379,000 فدان،
3- في العام 1931م وصلت المساحة إلي 527,000 فدان،
4- في العام 1953م كان أن وصلت إلي مليون فدان.

إثر توقيع اتفاقية مياه النيل بين مصر و السودان في العام 1959م ارتفعت حصة السودان إلي 18,5 مليار متر مكعب مقبل 55,5 مليار متر مكعب لصالح مصر. أدى ذلك الوضع إلي بناء خزان الروصيرص الذي اكتم2008م، فيه في العام 1964م، و من ثمّ بدأ التوسع في مشروع الجزيرة ليشمل امتداد المناقل و لتصل بذلك مساحة المشروع إلي 1,800,000 فدان في العام 1966م. استمرت المساحة في التوسع حيث وصلت الآن، العام 2008م ، إلي 2,200,000 فدان.
يُلاحظ انه خلال أربعين عاماً أي من 1926م و حتى 1966م كان أن زادت مساحة المشروع بما يعادل مليون و نصف فدان في حين أنها لم تزد في الأربعين سنة الماضية سوى بأربعمائة ألف فدان فقط، أي بأقل من نصف المليون فدان.
من أهم التطورات التاريخية و التي انبنت عليها تحولات ضخمة في مسار المشروع ما حدث في العام 1950م ، حيث انتهى العقد الموقع بين حكومة الحكم الثنائي و شركة السودان الزراعية التي كانت تدير المشروع. و قد حلّ محل الشركة "مجلس إدارة مشروع الجزيرة"، و المكون معظمه من سودانيين. ذلك كان هو الوقت الذي صدر فيه قانون مشروع الجزيرة للعام 1950م.
في الفترة من 1950م و حتى 1955م أدار المشروع كل من البريطانيين "آرثر جيتسكل" و "جورج ريبي" ، حيث كانت فترة الأول من 1950م إلي 1953م، و الآخر من 1953م إلي 1955م. و لقد كان السيد مكي عباس أول محافظ سوداني لمشروع الجزيرة، و بلغة الأدب السياسي فيما بعد الاستقلال كان هو أول من بدأت به سودنة الإدارة العليا في مشروع الجزيرة.
هنالك محاور أخرى يمكن تلمسها في مسار التطورات التي حدثت في مشروع الجزيرة. و هذه المحاور تتلخص في الآتي/
المحور الأول، علاقات الإنتاج/
ارتكزت فكرة مشروع الجزيرة علي علاقةٍ و شراكةٍ ثلاثية بين الحكومة، الشركة و الزراع، و ذلك باعتبار الآتي،
· الحكومة هي التي تملك السد و القنوات و الأراضي ( يأتي موضوع بحث ملكية الأراضي لاحقاً).
· الشركة هي التي تقوم بإدارة المشروع و أيضا التمويل ـ بالطبع للقطن فقط و لا يشمل أي محصول آخر ـ، و تشرف كذلك علي إنتاج القطن.
· و أخيرا، الزراع و هم الذين يقومون بزراعة القطن في الحواشات تحت إشراف الشركة.
و تجدر الإشارة إلي انه من المسائل، ذات الطابع المعقد، التي واجهت الحكومة و الشركة هي محاولة تحديد اسم لهؤلاء الزراع. و قد ذهب التفكير فيها مناحي مختلفة ، أولا ، هؤلاء الزراع لا يملكون الأرض ، و ليست لديهم حرية القرار فيما يزرعون و لا حرية تمويله أو حتى تسويقه، فلذلك لا يمكن تسميتهم "مزارعين". ثانياً، برزت فكرة تسميتهم "شركاء" ، إلا أن النظر صُرف عن ذلك الاسم لان طريقة تقسيم الأرباح التي كانت تُطبق لم تكن تعكس الفكرة الحقيقة للشراكة، لان الأرباح كانت توزع بعد خصم تكلفة الإنتاج من الزراع. ثالثاً، تناولت بعض المكاتبات إمكانية تسميتهم بـ "عمال زراعيين" ولكنه لم يتم اعتبار هذا الاسم لان العامل يستحق "أجرا ثابتاً" أو التزاماً باجر من مستخدمه نظير عمل محدد و ليس جزءاً من الأرباح كما هو مُطبق وقت قيام المشروع، حيث كانت الأرباح توزع علي أساس النسب. و لقد كانت تلك النسب توزع كالآتي/
الحكومة نصيبها 40%، الزراع نصيبهم 40% ، و الشركة الزراعية نصيبها 20%. ظلت تلك النسب سارية من العام 1925م و حتى العام 1950م و هو العام الذي انتهى فيه العقد مع الشركة السودانية للزراعة. و تمّ فيه تعديلُ هذه النسب.
و أخيراً استقر الرأي علي تسمية هؤلاء الزراع "مستأجرين" . و هي تسمية، برغم استقرار الرأي عليها،فإنها ليست دقيقة، لان المستأجرين أنفسهم، وكما هو معلومٌ، لديهم شيء من الحرية في شأن الأرض التي يستأجرونها ، علي الأقل في كيفية استخدامها، إلا أن الزراع في مشروع الجزيرة لا يتمتعون بأي قدر من هذا القبيل.
أما التعديل المشار إليه أعلاه فقد رفع نسبة أرباح الزراع إلي 42% و الحكومة إلي 42% و حدد نسبة أرباح إدارة مشروع الجزيرة بـ 10%. كما أضاف البنود التالية وهي الخدمات الاجتماعية و المجالس المحلية و صندوق الاحتياطي و حدد نسبة 2% لكل منها. و في العام 1965م و تقديراً لدور المزارعين في ثورة أكتوبر تمّ رفع نسبة أرباحهم إلي 48% و خُفضت نسبة أرباح الحكومة إلي 36%.
و في العام 1981م تم استبدال الحساب المشترك ( و الذي يتم بمقتضاه خصم التكلفة الإجمالية لكل الزراع من العائد الإجمالي لمحصول القطن و توزيع الباقي علي الزراع) بالحساب الفردي (و الذي يتحمل فيه كل زارع تكلفة إنتاج قطنه منفرداً). و تبع هذا التغيير إدخال نظام الرسوم الإدارية و التي يدفع بمقتضاها كل زارع رسوم الأراضي و المياه. و هذا تحولٌ أثار الكثير من الجدل.
و لابد من ملاحظة أن نظام توزيع الأرباح بعد خصم كافة تكاليف الإنتاج ينقصه العدل تجاه المزارعين، خاصة في السنوات التي تدنى فيها إنتاج القطن كما حدث ذلك في الثلاثينيات من القرن الماضي. و لمعالجة هذا الوضع كان أن سُمح للمزارعين بزراعة 5 أفدنة من الذرة و 5 أخرى من اللوبيا وذلك لاستخدامهم الخاص دون شراكة مع الحكومة أو الشركة الزراعية و إدارة المشروع لاحقاً.
إن اتفاقية الإيجارة التي أقرت الشراكة مبدأً قد أعطت الشركة الزراعية الحق في أن تقوم بأي دورٍ للمستأجر حال فشله القيام به علي أن تخصم التكاليف المترتبة علي ذلك من أرباح المستأجر.
و يلاحظ كذلك أن التركيبة المحصولية للدورة الزراعية في المشروع قد شهدت هي الأخرى تغييرات مختلفة قبل أن تستقر في الفترة بين تسعينيات القرن الماضي و حتى العام 2005م علي زراعة (1) القطن، (2) القمح، (3) الفول السوداني و الخضروات، (4) الذرة، و (5) البور .
المحور الثاني، الأراضي/
بعد أن استقرت الأمور لإدارة الحكم الثنائي ، بدأت في تسوية و تسجيل الأراضي التي استطاع مستعملوها إثبات ملكيتها. وجدت الإدارة أن جزءاً من الأراضي التي سيقوم عليها مشروع الجزيرة هي ملك حر لبعض الأفراد. و بناءاً عليه و بعد عدة مداولات قررت الإدارة ألا تنزع هذه الأراضي من أصحابها للصالح العام و تعوضهم كما يقر القانون. جاء القرار بشكله ذلك لعدة أسباب ، منها ،
أولا/ الخوف أن يؤدي نزع هذه الأراضي إلي اضطرابات وثورات.
ثانياً/ الخوف إلا تنجح زراعة القطن، و التي هي الأساس الذي قام عليه المشروع،
و ثالثاً/ التكلفة العالية للتعويضات التي كانت ستدفع لملاك الأراضي في حالة نزع هذه الأراضي.
و قد كان أن نزعت الحكومة بعض الأراضي لإقامة المباني و القنوات و قامت بدفع تعويض و قدره جنيهاً واحداً عن كل فدان.
لهذه الأسباب تقرر أن يتم تأجير الأراضي الملك الحر من ملاكها إيجارا قسرياً بواقع عشرة قروش ـ أي ريال ـ للفدان في العام الواحد. و من ثمّ تضاف تلك الأراضي إلي الأراضي الحكومية، علي أن يتم تأجير هذه الأراضي كلها في شكل حواشات للمزارعين حتى ولو كانوا ملاكاً.
علي إثر ذلك صدر قانون "أراضي الجزيرة" لعام 1927م لأجل تقنين و تنظيم إيجار الأراضي الملك الحر للحكومة و لمدة 40 عاماً، انتهت في العام 1967م. وهو العام الذي طالب فيه بعض الملاك ـ هم وراث في غالبيتهم ـ بإعادة أراضيهم إليهم، في حين طالب آخرون منهم بزيادة الإيجار ليواكب الأسعار وقتها. كونت لجنة لهذا الغرض، إلا أنها لم تصدر تقريرها حتى قيام انقلاب 25 مايو 1969م. و منذ ذلك التاريخ ظلّ موضوع "أراضي الجزيرة الملك الحر"، و هي 900 ألف فدان، موضوعاً تتناقله أيدي اللجان حتى يومنا هذا. و من أميز اللجان التي تناولته هي اللجنة التي ترأسها المستشار القانوني الأستاذ عبد الله احمد مهدي و التي أصدرت تقريرها عام 2003م. و يمتاز هذا التقرير بالدقة و العمق في تحليل مسألة الأراضي هذه.
رفض الملاك استلام أل 10 قروش منذ العام 1972م مطالبين بتعديلها إلي ما يعادل القيمة الحقيقية للـ 10 قروش في العام 1927م. فبرغم تكوينهم لجمعيتهم المعروفة بـ "جمعية ملاك مشروع الجزيرة"، و تمثيلهم في عدة لجان ، بل و برغم صدور قانون 2005م ، (و الذي يؤكد الملكية و لكنه ينزع هذه الأراضي مقابل تعويض عادل) فإن مسالة الأراضي في مشروع الجزيرة لم يتم حسمها بالشكل الكافي بعد!!!. و هنا لابد من القول بأنه ما لم تتم معالجة هذه المسالة و بقدر إلحاحها فإنها ستكون حجر عثرة في طريق تطور المشروع.
الجــــــــــــزء الثــــــــــــــالث
الملامح العامة و الوضعية الحالية لمشروع الجزيرة
1- تنظيم المشروع/
من الملامح الأساسية لمشروع الجزيرة هي مساحته و التي تبلغ 2,2 مليون فدان. تم تنظيم هذه المساحة في 18 قسم تراوحت مساحة كل قسم بين 60 ألف إلي 190 ألف فدان. تمّ تقسيم كل قسم إلي عدة تفاتيش ـ و هي جمع تفتيش . تفاوت عدد تفاتيش الأقسام بين 4 إلي 8 تفاتيش للقسم الواحد.و كذلك تمّ توزيع التفتيش الواحد إلي نِمر و مفردها "نمرة"، و مساحة النمرة الواحدة تساوي 90 فداناً. ينتهي التنظيم في تقسيم النمرة الواحدة إلي حواشات، و تتفاوت مساحة الحواشة بين 10 و 40 فدان في الجزيرة رغم أن معظم الحواشات مساحتها 20 فدان. أما في المناقل فتتراوح مساحة الحواشة الواحدة بين 7,5 إلي 30 فدان رغم أن معظم الحواشات مساحتها 15 فدان. من بين أشكال التنظيم نكتفي بتفصيل الأقسام لأنها أكثر الوحدات تلخيصاً لملامح المشروع كما و أنها تلعب دورهاً في الطريقة التي يعتمد عليها في انتخاب و اختيار الممثلين في تنظيم الزراع النقابي و المعروف بـ "اتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل". تلك الأقسام، حسب ترتيبها المعروفة به، هي/
(1) القسم الجنوبي (2) قسم الحوش (3) القسم الأوسط (4) قسم المسلمية (5) قسم وادي شعير (6) قسم ود حبـوبه (7) القسم الشمالي (8) القسم الشمالي الغربي (9) قسم أبو قوته (10) القسم الشرقي (11) قسم المكاشفي (12) قسم الشوال (13) قسم الجاموسي (14) قسم الماطوري (15) قسم معتوق (16) قسم المنسي (17) قسم التحاميد ،و أخيرا (18) قسم الهـدى.
و يلاحظ أن القسم الشرقي هو القسم الوحيد الذي يقع خارج منطقة الجزيرة و لا يروى من الخزان، حيث انه يقع في منطقة شرق النيل ، و يروى بالطلمبات. يتبع هذا القسم إداريا لمشروع الجزيرة و يضم كل من ود الفضل، حداف، و الحرقة/ نور الدين.
ويعتقد البعض ـ وهذا فهمٌ سائد ـ أن مشروع الجزيرة هو أكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة. وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً، إذ أن هناك عدة مشاريع اكبر منه مساحةًً تحت إدارة واحدة.
2- التركيبة السكانية للمشروع و القوى العاملة فيه/
يضم المشروع حوالي 128 ألف زارع، و يكِّونون مع أسرهم حوالي مليون نسمة. هناك حوالي 150 ألف عامل موسمي و يكِّونون مع أسرهم أكثر من مليون نسمة، و يعيشون في أوضاع سيئة و معظمهم في معسكرات تعرف بـ"الكنابي"، و الواحد منها "كمبو". وضعهم بشكلٍ عام أسوأ من وضع الزراع و الذين يعيش معظمهم أيضاً في حالة من الفقر.
و يمكن ألف عامل و موظف يتبعون أو يعملون في إدارة مشروع الجزيرة ، و لقد كان هذا العدد يبلغ حوالي 10 ألف عامل و موظف خلال الثمانينيات من القرن الفائت، خصوصاً بعد الانتقال إلي الحساب الفردي و الذي احتاجت الإدارة بسببه إلي عددٍ كبيرٍ من المحاسبين. و يمكن أن يعتبر هذا النقص واحداً من المؤشرات علي التحولات التي مرت بالمشروع.
يقع ثلث ولاية الجزيرة تحت إدارة المشروع و يتأثر 80% من سكان الجزيرة و البالغ عددهم 6 مليون بشكل مباشر أو غير مباشر بالمشروع. تُمثل ولاية الجزيرة في مجلس إدارة المشروع.و لابد من الإشارة إلي أن بالمشروع ثروة حيوانية تُقدر ب حوالي 3 مليون رأس من المواشي.
3- أصول المشروع/
تتكون أصول المشروع و التي تمتلكها الدولة ممثلة في وزارة المالية من الآتي:
أ- الأراضي التي تملكها الحكومة و التي تبلغ مساحتها حوالي 1, 3 مليون فدان. (يجب ملاحظة أن الـ900 ألف فدان المتبقية هي أراضي ملك حر، كما اشرنا سابقاً).
ب- مراكز الخدمات، أو مراكز التكلفة، و التي تشمل:
* 14 محلجاً ، 7 منها في مارنجان،6 في الحصاحيصا و محلج واحد في الباقير.
* الورش الهندسية
* سكك حديد الجزيرة، و تغطي 1300 كيلو متر ، و
* شبكة الاتصالات.
ج- أسطول من السيارات و الآليات(تركتورات و حاصدات).
د- مخازن سعتها التخزينية تُقدر بحوالي 2,5 مليون طن.
هـ- مباني سكنية و مكاتب و شبكة للطرق.
و- هيئة البحوث الزراعية، و التي كانت فيما سبق تعرف بـ "محطة أبحاث الجزيرة"
ز- شبكة الري و طولها حوالي 150,680 كيلو متر و هي بدورها تتكون من :
* قناتين رئيسيتين طولهما معاً 260 كيلو متر
*11 قناة فرعية ، (تعرف محلياً بـ"الميجر") ، و طولها 650 كيلو متر
* 107 قناة كبرى ( و تعرف محلياً بـ "الكنار")و طولها 1,650 كيلو متر
* 1,570 قناة صغرى ( و تعرف محلياً بـ "الترعة") و طولها 8,120 كيلو متر
* 29,000 أبو عشرين و طولها 40,000 كيلو متر ، و أخيرا
* 350, 000 أبو ستة و طولها يبلغ حوالي 100, 000 كيلومتر.
هكذا كان مشروع الجزيرة علي قدرٍ عالٍ من التنظيم، إلا أن هذه الشبكة و التي كانت تمثل شريان الحياة لمشروع الجزيرة أصابها الكثير من التدهور. و بالنتيجة لحق ذلك التدهور بمجمل نشاط المشروع و عملية الإنتاج فيه.
4- القوانين التي نظمت و تنظم عمل المشروع/
خضع العمل بالمشروع منذ قيامه لقوانين منظمة له و منظمة كذلك للعلاقة بين أطرفه المعروفة و هي حكومة السودان ، إدارة مشروع الجزيرة و التي جاءت خلفاً لشركة السودان الزراعية في العام 1950م ، و الزراع و الذين يمثلهم اتحاد المزارعين. لم تكن تلك القوانين ثابتة و إنما تحولت و تطورت حسب مراحل التطور التي شهدها المشروع عبر تاريخه. إنها لم تكن مرتبطة بتلبية احتياجات التنظيم في المشروع فحسب و إنما و بنفس القدر أو أكثر قد ارتبطت بالظروف و بالتحولات السياسية التي شهدها السودان.
سنشير إجمالا للقوانين التي نظمت العمل في مشروع الجزيرة مع التركيز بشكلٍ خاص علي آخر تلك القوانين و هو قانون العام 2005م. و يمكن تتبع تلك القوانين كما يلي/
منذ البداية قام المشروع و خضع لبنود اتفاقية 1925م التي تمت بين إدارة الحكم الثنائي و شركة السودان الزراعية.و التي أوضحت حقوق و واجبات كل طرف. في العام 1926م صدرت اتفاقية الإجارة بين شركة السودان الزراعية و المستأجرين (الزراع)، و تمّ تطويرها في العام 1936م. و أعقبها في العام 1927م صدور قانون أراضي الجزيرة و الذي بمقتضاه تمت الإجارة القسرية لأراضي الملك الحر بمشروع الجزيرة ، والذي حلّ مكان قانون العام 1921م.
و كذلك صدر قانون مشروع الجزيرة للعام 1950م، حيث انتقلت بموجبه إدارة مشروع الجزيرة من شركة السودان الزراعية إلي إدارة مشروع الجزيرة. و بعده صدر قانون للعام 1960م لتقنين إضافة امتداد المناقل ليصبح جزءاً من مشروع الجزيرة. و تلك هي الفترة التي شهد فيها مشروع الجزيرة توسعاً كبيراً في مساحته و زيادة في عدد زراعه، و بالطبع اثر ذلك في سير تطور المشروع في جوانب عدة اقلها قوة و اتساع نفوذ اتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل.
و في العام 1984م صدر القانون الذي قنن الحساب الفردي الذي طُبِق عملياً في العام 1981 م، عند إلغاء الحساب الجماعي. و يعتبر إلغاء الحساب الجماعي المشترك واحداً من التحولات المؤثرة في مسار المشروع. أثار ذلك التحول جدلاً واسعاً إن كان داخل مشروع الجزيرة و بين أطرافه أو خارجه.
أما آخر قانون صدر بشأن تنظيم العمل في مشروع الجزيرة فهو قانون مشروع الجزيرة للعام 2005م و الذي وافق عليه و أجازه البرلمان الحالي أي المجلس الوطني. و سيكون الجزء الخامس من هذه السلسلة مكرس لعرض و تناول ذلك القانون.
5- دور مشروع الجزيرة في التحول الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي في الســــودان/
إن الحديث في هذا الجانب فيما يخص المشروع ـ و الإشارة لدكتور سلمان ـ شائك و معقد و طويل، حيث أن استجلاءه قد يحتاج إلي جهودٍ متضافرة، كذلك، من ذوي الاختصاصات في حقول الاقتصاد، علم الاجتماع و علوم السكان و غيرها. و في هذا الصدد أود إضاءة الحقائق التالية/
أولا/ احدث مشروع الجزيرة طفرة كبرى في المناحي الاقتصادية و الاجتماعية بمنطقة الجزيرة. و ساهم كذلك مساهمة بينة في الاقتصاد السوداني ككل حتى بداية السبعينيات من القرن المنصرم.
ثانياً/ صار المشروع قبلة للسودانيين من كل أنحاء البلاد، و بل من دول غرب أفريقيا حيث أصبح بالتالي نقطةً للتداخل بين هذه المجموعات المختلفة.
ثالثاً/ ساهم المزارعون و العاملون بالمشروع من موظفين و عمال في إرساء العمل النقابي في السودان و تطويره ليساهم بشكل فاعل في نيل السودانيين لاستقلالهم، حيث نفذ العمال و الموظفون إضراب العام 1941م و كذلك نفذ المزارعون إضراب العام 1946م بواسطة تنظيمهم المعروف بـ "جمعية المستأجرين بالجزيرة" و ذلك، بالطبع، قبل أن يتحول تنظيم المزارعين ليعرف بـ "اتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل" كما هو الآن. كان شيخ احمد بابكر ازيرق أول رئيس لجمعية المستأجرين ، في حين أن شيخ الأمين محمد الأمين كان أول رئيس لاتحاد المزارعين.
لعب اتحاد المزارعين ( لاحظ انه لم يحمل اسم اتحاد المستأجرين) دوراً رائداً في ثورة أكتوبر 1964م، و الذي علي أثره كان أن اختير شيخ الأمين محمد الأمين وزيراً لحقيبة الصحة في حكومة أكتوبر 1964م. و قد كان في ذلك اعترافٌ واضحٌ بدور المزارعين في انجاز ذلك التحول السياسي الذي انتظم البلاد وقتها.
هكذا كان مشروع الجزيرة و بكل قطاعاته دائماً في قلب التحولات التي شهدها السودان، و قد أهله لذلك الموقع ليس فقط العمل النقابي القوي الذي كانت تقوم به قيادات المزارعين و العمال و الموظفين ، و إنما أهله أيضا السند الحقيقي الذي كان يقدمه لدعم الاقتصاد الوطني في كل عمومه. أعقب ازدهار المشروع تدهورٌ بدأت بوادره تلوح في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. و هو تدهورٌ قعد بالمشروع من أن يلعب ذلك الدور الذي كان أن قام به و لعقودٍ من الزمن.
كانت هنالك أسباب كثيرة وراء ذلك التدهور. و سيكون ذلك هو محل تناولنا في الجزء القادم.
الجزء الرابـــــــــــع
تــدهـــــور المشــــــــــروع و أسبابه/
بدأ مشروع الجزيرة، تاريخياً، يشهد تدهوره الملحوظ منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. أدى ذلك التدهور إلي تفاقم المشاكل التي كانت موجودة أصلا، ثم إن هناك مشاكل أخرى استجدت علي أثره مما سارع في وتيرة تراجع المشروع و علي كل المستويات. و ما تكوين اللجان المختلفة و في الفترات التاريخية المختلفة إلا دليل علي إحساس الحكومات المتعاقبة، و القائمين علي أمره بخطورة الوضع السيئ الذي يواجهه المشروع.
كانت هناك عدة أسباب وراء تدهور مشروع الجزيرة و التي يمكن تلخيصها فيما يلي/
أولا/ إن عمليات صيانة قنوات الري كانت متخلفة و دون التحدي الذي كانت تفرضه مشكلة الطمي الوارد من الهضبة الأثيوبية و بكميات كبيرة، حيث بدأ يتراكم في القنوات المختلفة مما أدى إلي تكاثر الحشائش و بالتالي اثر علي أداء تلك القنوات و أدى في النهاية إلي ضعف أدائها في عملية الري.
ثانياً/ أثّر وجود الطمي أيضاً علي أداء خزاني سنار و الروصيرص، حيث فقدا نصف طاقتيهما التخزينية بسببه. و هنا لابد من الإشارة إلي الأثر السلبي لاحتدام التنافس علي استغلال مياه خزان الروصيرص بين الاستعمالات لأغراض الري و الاستعمالات لأجل توليد الطاقة الكهربائية إذ أن الخزان لم يكن، في الأصل، مصمصا لأداء الاثنين معاً.
ثالثاً/ كان لزيادة أسعار المحروقات عالمياً، و التي بدأت في العام 1973م، آثاراً واضحة علي المدخلات الزراعية و الوقود حيث فشلت الحكومة في توفير العملة الصعبة لأجل استيرادها.
رابعاً/ أدت زيادة الإنتاج من القطن في آسيا الوسطى و الصين و الهند إلي تدني أسعاره عالمياً. و قد كان لذلك أثره علي دخل المشروع من محصول القطن.
خامساً/ أدت الزيادة الكبيرة في تكاليف الإنتاج إلي إضعاف رغبة المزارعين في الزراعة مما أدّى إلي هجرة عددٍ كبيرٍ لها و كذلك إلي توقف الكثيرين منهم عن العمل فيها.
سادساً/ تحت هذه الظروف غير المواتية لم يؤد التغيير من نظام الحساب الجماعي المشترك إلي الحساب الفردي للنتائج المتوقعة، خاصة و أنه كانت هناك أصلاً ليس فقط تحفظات و إنما معارضة من عددٍ من المزارعين لذلك.
سابعاً/ دخل المشروع عملياً فيما يسمى بالحلقة المفرغة أو الدائرة الجهنمية، و التي تبدأ بالري الضعيف الذي يساهم فيه الأداء الضعيف لشبكة الري و عدم إشراك المزارعين في عملية الري. وذلك الري الضعيف يؤدى بالتالي إلي تدني الإنتاج و الذي ينعكس بدوره في مداخيل منخفضة و غير مجزية مما يتسبب في تفشي حالة من عدم الرضا بين المزارعين، هذا من جانب ،أما من الجانب الآخر فإنه يودي إلي عجز في استرداد تكاليف الري و بالتالي إلي ضعف تمويل الصيانة و التشغيل ، و معلومٌ أن عدم القيام بالصيانة و ضعف التشغيل لا يؤديان في نهاية الأمر إلا إلي وجود شبكة للري متهالكة ، و دون وظيفتها مما يؤدي إلي ضعف عملية الري، و من هنا تبدأ الحلقة الشريرة في التكرار و الدوران الجهنمي!!!.
ثامناً/ التخبط في السياسات الزراعية و قصر فترات وزراء الزراعة و مديري المشروع زاد الوضع سوءاً. في فترة السبعينيات كان متوسط فترة خدمة وزير الزراعة عام و احد، كما و إننا نجد انه و منذ العام 1955م تعاقب علي المشروع عشرون محافظاً و مديراً عاماً بالإضافة إلي عددٍ كبيرٍ من المديرين بالإنابة.
تاسعاً/ لم تؤد محاولات إعادة تأهيل البنية التحتية للمشروع في العام 1983م إلي نتائج ايجابية بسبب غياب الإصلاح المؤسسي.
جرت عدة محاولات في التصدي لتدهور المشروع، و كونت عدة لجان و في فترات مختلفة كما أسلفنا. و قد اعتمدت تلك اللجان بشكلٍ أساس علي كتاب آرثر جيتسكل " الجزيرة ـ قصة تنمية في السودان"، و الذي صدر في عام 1959م و لكنه ما زال المرجع الأساس لقصة قيام و تطور مشروع الجزيرة. و من أهم تلك اللجان و التقارير/
(1) تقرير محطة أبحاث الجزيرة الذي صدر عام 1963م و تناول بشكلٍ أساس القضايا المتوقع حدوثها بعد اكتمال العمل في امتداد المناقل.
(2) تقرير البنك الدولي لعام 1966م و الذي أُطلق عليه "تقرير ريتس" إشارةً إلي السيد "ليونارد ريتس" رئيس فريق العمل الذي أعدّ التقرير.
(3) تقرير "اللجنة العاملة لمشروع الجزيرة" لعام 1967م. و قد ترأس تلك الجنة الدكتور حسين إدريس و قد ساهم معه في إعداد التقرير البروفيسور سمسن أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة ليدز بالمملكة المتحدة.
(4) تقرير البنك الدولي لعام 1983م، و الذي تمّت بموجبه إعادة تأهيل مشروع الجزيرة بقروض ميسرة من البنك الدولي و الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الحكومتين الايطالية و اليابانية. و قد كان شرط المانحين لتقديم عونهم إصدار قانون مشروع الجزيرة لعام 1984م، و هذا ما حدث.
(5) التقرير الوزاري في العام 1993م الذي جاء إثر التحولات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة في تلك الفترة.
(6) تقرير لجنة عام 1998م، و التي ترأسها الدكتور تاج السر مصطفى، و قد تعرضنا لهذا التقرير في الحلقة الأولى، و قد أوصى ذلك التقرير بقيام شركة مساهمة تؤول إليها ملكية مشروع الجزيرة.
(7) تقرير الفريق المشترك بين البنك الدولي و حكومة السودان لعام 2000م، و الذي أعقبه صدور قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م.
(8) تقرير لجنة الإصلاح المؤسسي لمشروع الجزيرة برئاسة الدكتور عبد الله احمد عبد الله لعام 2004م.
(9) تقرير ورشة العمل الأولى التي انعقدت عام 2004م حول مسودة قانون مشروع الجزيرة.
(10) تقرير ورشة العمل الثانية التي ترأسها الدكتور مأمون ضوء البيت، و التي انعقدت عام 2005م حول تطبيق قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م.
(11) تقرير لجنة عام 2007م ، و التي ترأسها الدكتور عبد الوهاب عثمان . وقد ناقش تقريرها المعوقات التي تقف في طريق تنفيذ قانون العام 2005م.
و نسبةً للطبيعة الصُحفية لهذا العرض و لضيق المساحة لن نعرض بالتفصيل لكل التقارير، و لكنا سنكتفي بإلقاء بعض الضوء علي ثلاثة منها.
أولا/ تقرير "ريتس" لعام 1966م:
كان البنك الدولي قد موّل بعض تكلفة البنية التحتية و الآليات و الدراسات الخاصة بامتداد المناقل عام 1960م. و موّل أيضا الجزء الأكبر من تكلفة خزان الروصيرص عام 1961م بعد توقيع اتفاقية مياه النيل في العام 1959م. و عليه فقد وافق البنك الدولي علي الطلب الذي قدمته حكومة عبود في أوائل العام 1964م لدراسة مسألة التركيبة المحصولية لمشروع الجزيرة، إضافة إلي تكوين و تحديد صلاحيات مجلس إدارة مشروع الجزيرة. و قد واصلت اللجنة أعمالها بعد قيام ثورة أكتوبر 1964م، و أصدرت تقريرها في العام 1966م. و قد عمل مع فريق البنك الدولي مجموعة من الخبراء السودانيين علي رأسهم البروفيسور "النذير دفع الله" مدير جامعة الخرطوم وقتها.
ركّز التقرير عموماً علي علاقات الإنتاج داخل المشروع، و انتقد بشدة نظام الحساب الجماعي وقتها، و أشار إلي أن نظام الشراكة يقلل كثيراً من حوافز الإنتاج بالنسبة للمزارع. و قد اقترح التقرير إدخال حرية اختيار المحاصيل. و لكن هذه التوصية رُفِضت بشدة بواسطة الحكومة و إدارة المشروع. اقترح التقرير أيضا إدخال تجربة تربية الحيوان بالمشروع، و كذلك تنظيم المزارعين في جمعيات تعاونية.
ثانياً/ تقرير لجنة د. حسين إدريس:
اتفقت هذه اللجنة مع لجنة البنك الدولي في مقترح حرية اختيار المحاصيل و رأت أيضا أن صغر مساحة الحواشة ليس اقتصادياً و أن الحيازات الكبرى أقل تكلفةً من الصغرى. و اقترحت اللجنة تجميع الحيازات في منطقة واحدة للمزارع الواحد، و رفع الحد الأدنى بالنسبة للحيازة، كما و اقترحت أيضاً إلغاء نظام الشراكة و الاستعاضة عنه برسوم سنوية علي الأرض. و أوصت اللجنة أيضا بإدخال اللامركزية في إدارة الأقسام، و إعطاء كل قسم الصلاحيات في إدارة العمليات الزراعية.
ثالثاً/ تقرير البنك الدولي لعام 2000م:
أعدّ هذا التقرير فريق العمل المشترك بين البنك الدولي و حكومة السودان. أشار التقرير إلي ضرورة الإجماع حول رؤية محددة عن البنية المستقبلية و التشغيلية لمشروع الجزيرة.و قد ورد في التقرير ما يلي/
" إن الرؤية لمشروع الجزيرة في هذا التقرير هي أنه سوف يصبح مركزاً لنشاط اقتصادي و اجتماعي متزايد حيث يكون القطاع الخاص قد قام بالاستثمار و إنشاء مؤسسات لمقابلة متطلبات خدمات الإنتاج الزراعي للمزارعين. و تشمل الرؤية في نهاية المطاف إنشاء سلطة مستقلة ذات إدارة خاصة تقوم بتشغيل المشروع بربح. و سوف تقوم سلطة المشروع بجعل المسئوليات عن بعض النشاطات الإدارية لا مركزية تتولاها مجموعات المزارعين ذات الكفاءة. أما مسئوليتها (بالتعاون مع الوزارات المختصة مثل وزارة الري و الموارد المائية، وزارة الزراعة و الغابات و هيئة البحوث الزراعية) فهي أن تقوم بتنظيم عملية تقديم مجموعة أساسية من الخدمات المؤسسية مثل الري، الإرشاد الزراعي و توفير و نشر المعلومات عن السوق للمزارعين علي أسس بيئية مستدامة. أخيراً فان سلطة المشروع بالتعاون مع حكومة الولاية سوف تضمن تقديم خدمات اجتماعية أفضل لكافة أعضاء مجتمع الجزيرة."
و قد جاء في التقرير أيضاً " أن النتيجة الرئيسية التي توصل إليها التقرير هي أن مشاكل المشروع يمكن معالجتها بنجاح و لهذا فإن الرؤية التي وصفت أعلاه يمكن تحقيقها عبر شراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص". و في توضيح أمر هذه الشراكة ورد في التقرير،" أن مشروع الجزيرة كمؤسسة عامة يستطيع زيادة فعاليته بدرجة كبيرة إذا ركز علي بناء و صيانة البنيات التحتية الرئيسية، التخصيص العام ( بالتشاور مع مجموعات من المزارعين) للمنطقة المروية لدورات المحاصيل المختلفة، توزيع مياه الري عن طريق القنوات الرئيسية لمقابلة الطلب علي المياه، و تقديم مجموعة خدمات أساسية مساندة للمزارعين مثل الإرشاد الزراعي، و معلومات عن السوق للسلع المنتجة في مشروع الجزيرة.
إن القطاع الخاص (و بالتحديد مجموعات المزارعين و رجال الأعمال الآخرين) يمكنه المساهمة في الكفاءة الإجمالية و عدالة المشروع و ذلك بقيامهم بتحمل المسئولية الأساسية (عن طريق مجموعات مستخدمي المياه) عن قرارات مجموعات المزارعين حول دورات المحاصيل المفضلة، توزيع المياه عن طريق الترع الصغيرة لإشباع مطالب مجموعات المزارعين لاستخدام أمثل للمياه و استرداد فعال لتكاليف الري و كذلك تقديم خدمات مثل الحراثة و مبيعات السماد."
و لتنفيذ تلك الإستراتيجية أشار التقرير إلي ضرورة اتخاذ جملة خطوات تتعلق بقيادة العمل في المشروع، العون الإداري، توفير الكميات الكبيرة من المياه، تحفيز القطاع الخاص، حرية اختيار المزارعين للمحاصيل، تسويق الأقطان و كذلك إتاحة الفرصة للمزارعين في بيع و شراء حقوق الملكية داخل المشروع.
و في شأن التغييرات المشار إليها أعلاه يقول التقرير،" هي تغييرات مؤسسية في المدى المتوسط و الطويل الأجل بالرغم من أن التنفيذ يمكن أن يبدأ نسبياً بسرعة. رغم كل ذلك فإنه من الضروري تحسين فعالية و كفاءة المشروع بأسرع ما يمكن. و توصل الفريق المشترك إلي أن ذلك يمكن فعله بتطبيق مجموعة من الأفعال القصيرة الأجل لتحسين الحافز للمزارعين و إدارة مشروع الجزيرة مما يؤدي إلي تحسن يكاد يكون فورياً في الأداء التقني و تدفقات الدخل. و هناك دعم قوي لهذه الأعمال بين إتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل، إدارة مشروع الجزيرة و الإداريين من الحكومة."
و من توصيات التقرير/
" تحديد سياسة الحكومة:
1- عملية اتخاذ القرارات و التشاور: نظراً للمشاركة الكبيرة لموظفي الخدمة المدنية في إعداد هذا التقرير يوصي بأن تصدر الحكومة قراراً حول مبادئ و أسس سياسة الإصلاح المؤسسي في مشروع الجزيرة لكي تحرك عملية التشاور و التخطيط لتطبيق الإصلاحات. يوصي الفريق المشترك بأن عملية الإصلاح السياسي و المؤسسي بمشروع الجزيرة يجب أن تتضمن مشاركة مكثفة من أصحاب المصلحة بما في ذلك حكومة الولاية.
2- توصية أساسية:
يوصي التقرير بأنه في المدى القصير و المتوسط يجب أن تستمر الحكومة في الاتجاه في السنوات الأخيرة نحو تحويل العديد من مهامها للقطاع الخاص. يجب إقامة شراكة تكون فيها إدارة مشروع الجزيرة مسئولة عن بناء و صيانة منشئات البنية التحتية الرئيسية و أن يسمح لروابط مستخدمي المياه بأن تكون مسئولةً عن إدارة المياه في الترع الصغيرة و تقديم خدمات معالجة الإنتاج. و في المدى البعيد يجب أن يصبح مشروع الجزيرة هيئة مستقلة لا تربطها صلات رسمية بالحكومة."
و يرى التقرير أن هناك خطوات لابد من اتخاذها في المستقبل المنظور/
" أولا: قرار من الحكومة حول الرؤية المتوسطة و الأبعد مدى و التي سوف تصبح سياسة الحكومة.
ثانياً: قرار من الحكومة حول النتائج التي توصل إليها الفريق المشترك، حول التغيير المؤسسي لتحقيق تلك الرؤية و حول أي موجهات ترغب في وضعها حول مسائل مثل السياسة العامة و توقيت و تسلسل عملية التغيير المؤسسي.
ثالثاًً: أن تعين الحكومة هيئة تكون مسئولة عن تنفيذ هذه السياسة. توصل الفريق المشترك إلي أن مجلس إدارة مشروع الجزيرة هو الهيئة المناسبة و يجب أن يساعده فريق عون إداري.
رابعاً: أن تؤكد الحكومة بأن اللجنة الوزارية الموجودة لتنفيذ مشاريع الري سوف تكلف بمسئولية مراجعة تقدم تنفيذ قرارات الحكومة الخاصة بسياستها تجاه مشروع الجزيرة كجزء من التزامات اللجنة الوزارية الدائمة.
خامساً: يجب أن تخصص الحكومة أموالا ً لتمويل أعمال الهيئة المكلفة بتطبيق قرارات الحكومة و استكشاف مصادر تمويل للدراسة التفصيلية عن تكلفة و فوائد تأهيل البنية التحتية لمشروع الجزيرة.
سادساً: أخيراً يجب أن يكون هناك نشر واسع لقرارات الحكومة حول سياسة المشروع بين المزارعين و أيضاً مجتمع الجزيرة الواسع و إنشاء إطار للتشاور المستمر حول الخطط المستقبلية للتغييرات المؤسسية و الإدارية في مشروع الجزيرة مع أصحاب المصالح و يشمل ذلك حكومة ولاية الجزيرة."
و قدم التقرير العديد من التوصيات حول العديد من جوانب البنية التحتية للمشروع.
في ختام هذا الجزء من الندوة لابد من الإشارة إلي حقيقة أنه أصبح واضحاً من محاولات التصدي لمشاكل مشروع الجزيرة و من خلال تكوين اللجان و تقديم الدراسات المتعددة أن قضايا هذا المشروع كبيرة و معقدة، و أنها تحتاج إلي جهدٍ أكبر و تبني سياساتٍ معقولة تؤدي في مداها البعيد إلي استقرار المشروع و استقرار العلاقة بين كل أطرافه، زراعاً ، إدارةً و حكومةً. و في ضوء ذلك سيكون تناولنا لقانون العام 2005م في الجزء القادم .
الجزء الخامــــــــــــس
قانــــــــون مشروع الجزيرة للعام 2005م

الملامح الأساسية للقانون/
يعتبر صدور قانون مشروع الجزيرة في يوليو عام 2005 من أهم التطورات التي شهدها مشروع الجزيرة منذ إنشائه، أن لم نقل أنه أهم تطورٍٍٍٍٍٍٍ في تاريخ المشروع. فقد أدخل هذا القانون تغييرات جذرية على وضعية المشروع و على نمطي الإنتاج و الإدارة بالمشروع. الغى هذا القانون وحلّ محل قانون 1984م، كما ألغى أيضا قانون أراضي الجزيرة لعام 1927م.
يُعرِف القانون في المادة 4 مشروع الجزيرة بأنه مشروعٌ اقتصادي و اجتماعي ذو نشاطٍ متنوع، يتمتع برعاية قومية للتنمية، وله شخصية اعتبارية مستقلة إداريا و مالياً و فنياً و صفة تعاقبية مستديمة وخاتم عام وله حق التقاضي باسمه. كما أكّد القانون ملكية الدولة ـ ممثلة في وزارة المالية و الاقتصاد الوطني ـ لأصول المشروع. و حدد تكوين المشروع من
(1) المزارعين
(2) الحكومة ممثلة في وحداتها التي تقدم الخدمات الأساسية ومن ضمنها الري والسلع العامة التي تشمل البحوث و وقاية النباتات والتقانة و الإرشاد و الدراسات الفنية و التدريب إضافة إلى الإدارة الإشرافية و التخطيط، و
(3) القطاع الخاص بما يقدمه من خدمات تجارية مساعدة.
سنّ القانون عدداً من المبادئ الأساسية المهمة، يمكن تلخيصها في الآتي/
المبدأ الأول هو مبدأ حرية اختيار المحاصيل الذي تضمنته المادة (5) الفقرة (هـ) من القانون، حيث أوردت،"كفالة حق المزارعين في إدارة شأنهم الإنتاجي و الاقتصادي بحرية كاملة في إطار المحددات الفنية و استخدام التقانة للارتقاء بالإنتاجية و تعظيم الربحية منها". هذا النص يحتوي علي أهمية خاصة . فهو يعني ببساطة الآتي/
أولا: فك الارتباط التاريخي بين مشروع الجزيرة و إنتاج محصول القطن.
ثانيا:ً إنهاء الحلقة الأساسية في علاقات الإنتاج داخل المشروع بين المزارعين و إدارة مشروع الجزيرة والتي تمثلت في زراعة القطن و الإشراف عليه و تمويله. و هذا بالطبع تحولٌ كبير و جذري، و هو بلا شك اكبر تحول يمر به المشروع منذ إنشائه قبل ثمانين عاماً. و رغم أن القانون كان أن صدر في العام 2005م، إلا أن تطبيق هذا المبدأ لم يتم حتى موسم 2007 ـ 2008م، كما سيأتي ذلك لاحقاً في هذا المقال.
كان هذا التحول مثاراً للجدل و الخلاف حيث انتقده البعض، بل و رفضوه، باعتبار انه ينهي الدور التاريخي للمشروع في زراعة القطن، هذا من الجانب الأول، و يلغي، من الجانب الثاني، دور الدولة في تحديد أولوياتها بالنسبة للمحاصيل التي سوف تتم زراعتها، أما من الجانب الثالث فإنهم يرون أن هناك مخاطرة في زراعة محاصيل قد يكون المشروع غير مهيأ لها. وأما علي صعيد المرحبين به فإنهم أولا يرون أن المستأجر في المشروع ولأول مرة يتحول إلي مزارع له حرية اتخاذ القرار فيما يريد زراعته و تحمل تبعات ذلك كاملةً. ثانياً، إنه ينهي الامتياز القسري لمحصول القطن، أما ثالثاً فإنه يضع حداً للنظام السلطوي لإدارة المشروع بواسطة مجلس الإدارة الذي درج علي تحديد المحاصيل و تمويل القطن و الإشراف العام عليه.
المبدأ الثاني الذي اقره القانون في المادة (16)، هو تمليك الأراضي للمزارعين. و في هذا الشأن وردت ثلاث معالجات كما يبين من الفقرة (2)، و هي/
"أ. المزارعون أصحاب الملك الحر الذين خُصصت لهم حواشات بموجب تلك الملكية تسجل لهم تلك الحواشات ملكية عين بسجلات الأراضي.
ب. الملاك الذين لم ُتخصص لهم حواشات عند التفريقة والذين لهم فوائض أرض وفق الفقرة (أ) تؤول أراضيهم للمشروع مع تعويضهم تعويضاً عادلاً.
ج. يملّك بقية المزارعين في المشروع من غير أصحاب الملك (الحواشات) التي بحوزتهم ملكية منفعة لمدة تسعة وتسعين عاماً."
واضحٌ أن هذه المادة قد أنهت الإيجار القسري للأراضي الملك الحر ، و قامت بتمليك الأراضي بالمشروع للمزارعين إما ملكية عين أو ملكية منفعة. كما و أنها قضت بنزع الأراضي من غير المزارعين و تعويضهم تعويضاً عادلاً. هذا هو الآخر تحولٌ جذري ينهي الإجارة القسرية التي استمرت ثمانين عاماً، غير انه ما زال تطبيق هذه المادة بعيد المنال و ذلك لمطالبة المالكين بمبالغ ضخمة تمثل كل من أولا الإيجار منذ عام1972م و ثانياً التعويض عن أراضيهم. و في صدد الإيفاء بدفع هذه المبالغ ، ترى وزارة المالية انه يجب علي إدارة مشروع الجزيرة و المزارعين القيام بذلك. و لكن الواقع أن إدارة المشروع تغالب صعوبات حقيقية في دفع استحقاقات العاملين، كما و أن المزارعين ليسوا في وضعٍ يسمح لهم بدفع هذه المبالغ.
المبدأ الثالث هو إعطاء المزارع الحق في التصرف في الحواشة بالبيع أو الرهن أو التنازل وفق الموجهات التي يضعها المجلس. و قد ورد هذا المبدأ في المادة (17) و أثار الكثير من الجدل حيث اعتبره البعض امتداداً لحرية المزارع في ترك الزراعة ببيع حواشته و من ثمّ التحول إلي عملٍ آخر أن أراد ذلك. كما رأى البعض أن ضمان حق الرهن يفتح إمكانيات تمويل كبيرة للمزارعين. من جانبٍ آخر هناك منْ رأى أن إقرار مبدأ كهذا سيشجع المزارعين علي هجر الزراعة و سيؤدي بهم إلي خسارة أراضيهم المرهونة في حال عجزهم عن سداد ديونهم.
لابد من الإشارة هنا إلي أمرين الأول هو أن تطبيق هذا المبدأ لم يتم بعد لان نقل ملكية الأرض للمزارعين لم يتم بعد هو الأخر، أما الأمر الثاني فهو أن ملكية الحواشة قد تمّ تقييدها بشروطٍ محددة في المادة 16 من القانون نفسه تلخصت في استغلال الحواشة لأغراض الزراعة فقط، عدم تفتيت الملكية و أخيرا في حالة بيع الحواشة أو التنازل عنها يتم تطبيق أحكام الملكية بالشفعة.
المبدأ الرابع وهو إنشاء روابط مستخدمي المياه لإدارة و صيانة وتشغيل قنوات الحقل بالمشروع. و هذا المبدأ أقرته المادة (19) حيث نصت،
" (أ) تُنشأ روابط لمستخدمي المياه تحت إشراف المجلس على مستوى المشروع تمثل الإدارة الذاتية للمزارعين ذات شخصية اعتبارية وتسلَّم لها مهام حقيقية في إدارة استخدامات المياه بالتعاقد مع وزارة الري والموارد المائية في مجال الإمداد المائي والاستشارات الفنية."
"(ب) تنشئ وزارة الري والموارد المائية إدارة خاصة لري مشروع الجزيرة."
تعرضت فكرة روابط مستخدمي المياه إلي نقدٍ عنيف، و من ضمن ما قُدم في ذلك النقد
أولا، أنها فكرة غريبة علي السودان و لم تطبق من قبل في أي مشروع زراعي.
ثانياً، أنها فكرة تخص و ترتبط بالدول التي تعاني من شح المياه و مصادرها.
ثالثاً، إن تطبيقها يلغي دور وزارة الري و مجلس الإدارة و يحيله إلي المزارعين.
و رابعاً، إن المزارعين غير مؤهلين للقيام بهذا الدور.
و من ضمن النقد أن هذه الروابط تخلق وسيطاً جديداً بالإضافة إلي وزارة الري و مجلس الإدارة، و أنها ستؤدى ً إلي فصل الشبكة الصغرى عن الشبكة الكبرى.
حريٌّ بالإشارة، أن فكرة روابط أو اتحادات مستخدمي المياه ترجع في بروزها إلي سبعينات القرن الماضي و قد تمّ تطبيقها في عدة أقطار من العالم. تعتبر الدراسة التي قدمها دكتور سلمان محمد احمد سلمان ـ " الإطار القانوني لاتحادات مستخدمي المياه"ـ و التي قام البنك الدولي بنشرها في عدة لغات - واحدةً من الدراسات المقارنة القليلة التي تناولت تلك الفكرة. فبالرغم من أن الدراسة كان أن عالجت الإطار القانوني لروابط و اتحادات مستخدمي المياه، إلا أنها و من ضمن ما خلصت له هو أن مشاركة المزارعين عبر اتحادات مستخدمي المياه المنتخبة ديمقراطياً و المسجلة كشخصية اعتبارية قانونية في إدارة و تشغيل و صيانة أجزاء من أنظمة الري، قد أدت فعلياً إلي الآتي/
1- الاستخدام المرشد للمياه و الذي أدى وبالنتيجة إلي وفورات فيها.
2- ازدياد إمكانية الصيانة الجيدة لمرافق الري.
3- تقليل تكلفة التشغيل و الصيانة بصورةٍ كبيرة.
4- وضع الحد لمركزية تقديم الخدمات.
5- تمليك المزارعين و تمكينهم من صلاحيات إدارة شئونهم.
أشار مقدم الندوة إلي نتائج دراسة أخري قام بنشرها في العام الماضي تحت عنوان " الإطار القانوني لإدارة الموارد المائية". تبين من نتائج تلك الدراسة أن هناك أربعة عشر دولة من ضمن الستة عشر دولة التي شملتها الدراسة قد قامت بتبني فكرة "اتحادات مستخدمي المياه" و طبقتها بصورة مكثفة و تأكد نجاحها في تحقيق أهدافها، وأن الإصلاح المؤسسي في قطاع الري في معظم أنحاء العالم قد تبنى فكرة إنشاء روابط مستخدمي المياه. بل أن بعض الدول قد شكلت اتحادات لهذه الروابط وأناطت بها مسئولية تشغيل و صيانة القنوات الكبرى و الرئيسية، وأنه في دولة شيلي قامت هذه الروابط بشراء القنوات والخزانات من الدولة وتقوم بإدارتها كمالك وليس فقط تحت عقد إدارة.
نصّ قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م في المادة 28.(4) علي أن " يتم تسليم قنوات الحقل لروابط مستخدمي المياه بعد تأهيلها". ولكن، و بما أن التأهيل لم يتم بعد فإن إنشاء الروابط و تسليم قنوات الحقل لها لم يتم بعد هو الآخر.
المبدأ الخامس: تقليص دور مجلس الإدارة: تعرض القانون لتشكيل و تحديد اختصاصات و سلطات مجلس إدارة مشروع الجزيرة. ويتكون المجلس من رئيس يعينه رئيس الجمهورية وأربعة عشر عضواً. و يُمثل المزارعون في المجلس بنسبة لا تقل عن 40% من عضوية المجلس. و يشمل المجلس أيضاً ممثّل للعاملين بالمشروع و ممثلين للوزارات المختصة (تشمل المالية، الزراعة، الري، التقانة، بنك السودان، و وزارة الزراعة بإقليم الجزيرة.) قلص القانون دور المجلس تقليصاً واضحا, و تتضمن المادة 9ً اختصاصات مجلس الإدارة والتي تتلخص في:
(‌أ) وضع الأسس العلمية للدراسات البحثية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لحسن استخدام موارد المشروع لتحقيق أعلى معدلات ربحية ممكنة.
(‌ب) وضع السياسات التشجيعية العادلة لتنفيذ سياسات الدولة الإستراتيجية للمحاصيل الزراعية.
(‌ج) إدارة وتطوير الخدمات الأساسية المتمثلة في البحوث ووقاية النباتات والتقانة والإرشاد وإكثار البذور والتدريب والطرق الداخلية.
(‌د) إرساء نظام تكافلي يسمح بتعويض المزارع المجد حال تعرضه للآفات والكوارث الطبيعية.
(‌ه) وضع المحددات الفنية للتركيبة المحصولية والدورة الزراعية.
(‌و) اعتماد الخطط والبرامج المرفوعة من المدير العام (و الذي يقوم بتعيينه المجلس).
(‌ز) تحديد فئة خدماته التي يؤديها بالتنسيق والاتفاق مع الجهات المختصة ويتم تحصيلها من المزارعين بواسطة روابط مستخدمي المياه.
يتضح من هذا العرض أن دور المجلس قد تقّلص و ينحصر في البحوث و الاستشارات و الدراسات و وضع السياسات الزراعية، و أن عليه أن يتحصل على فئة خدماته من المزارعين. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن إلغاء نظام زراعة القطن القسرية أدىً إلي التقليل من اعتمادات المجلس المالية بسبب تناقص دخل المجلس من عائدات تمويل محصول القطن و المدخلات الزراعية.
هذه هي المبادئ الخمسة الأساسية التي يرتكز عليها القانون. و لابد من الإشارة هنا إلي انه من بين هذه المبادئ لم يتم غير تطبيق مبدأ حرية اختيار المحاصيل، و الذي طُبِق في هذا الموسم 2007م/2008م. وبمقارنة بينه و الموسم السابق 2006م/2007م نجد أن المساحة المزروعة قطناً قد تقلصت إلي حوالي 90 ألف فدان هذا الموسم بدلاً عن حوالي 250,000 فدان في الموسم السابق، بينما زادت المساحة المزروعة قمحاً لتصل إلي حوالي 427,000 فدان و قد كانت حوالي 294,000 فدان في الموسم الماضي. و هذا الابتعاد الكبير عن زراعة القطن لا بد أن يكون مؤشراً على تجربة المزارعين مع محصول القطن من النواحي الاقتصادية و الفنية و الإدارية و غيرها من المناحي.
كذلك تم إعادة تشكيل مجلس الإدارة حسب مقتضيات المادة 6 من القانون. و يُلاحظ أن وزير الزراعة لم يعد رئيساً للمجلس وهذا تأكيدٌ للوضع الذي ساد في السنوات الخمس الماضية وألغى رئاسة وزير الزراعة للمجلس والتي كانت قد تضمنتها القوانين السابقة للمشروع.
تبقى مسألة إدارة المياه و قضية الأراضي و كذلك المشاكل و العقبات التي تقف في وجه تطبيق و تفعيل القانون، وهذا ما سنتعرض له في الحلقة القادمة والأخيرة من هذه السلسلة من المقالات.
الجزء السادس – الخاتمة
أوضحت الحلقات الخمس الماضية أن مشروع الجزيرة مرّ خلال سنواته الثمانين الماضية بعدّة مراحل. وقد انتظمت كل مرحلةٍ جوانبُ من التطورات و المتغيرات. و يمكن تقسيم هذه المراحل إلي أربعة:
أولاً: مرحلة نشأة المشروع و تطوره - 1925 – 1950
تم خلال هذه المرحلة وضع القواعد الأساسية التي تنظم العمل بالمشروع و تقنن علاقات الإنتاج به. و هذه العلاقات تميزت، فيما تميزت به، بالخلط بين نظامٍ رأسماليٍ و آخر اشتراكيٍ. برز النظام الرأسمالي في تركيبة الشركة الزراعية السودانية وطريقة إدارتها للمشروع. فالشركة شركة مساهمة مسجلة في الأسواق المالية في لندن و لها آلاف المساهمين من مؤسسات وأفراد يملكون فيها أسهماً و يتوقعون عائداً وفيراً منها كل عام. لذا كان هم الشركة الأساسي تحقيق أكبر قدر من الأرباح إرضاءً لهؤلاء المساهمين. و قد كان هذا هو السبب الأساسي الذي جعل الشركة تحمّل الزراع تكلفة الإنتاج بدلاّ من تحملها بواسطة الشركاء الثلاثة – الحكومة و الشركة و الزراع ــ، و تبذل قصارى جهدها في تقليل تكلفة الإنتاج و تعزيز أرباحها.
من الناحية الأخرى كان نظام العلاقات بين الزراع أنفسهم نظاماّ اشتراكياّ تكافلياً يتحمّل فيه الزراع كمجموعةّ تكلفة زراعة القطن و توزّع الأرباح عليهم بعد خصم التكلفة الإجمالية، و ليس الفردية، لزراعته. و لكن تحت هذا النظام استوى المزارع الدؤوب الجاد بنظيره الذي لا يملك نفس المقومات. إذن فقد كان إطار علاقات الإنتاج إطارا رأسمالياً و كان المضمون اشتراكياً تكافلياً.
تميزت العلاقة أيضاّ ببعدٍ انضباطي سلطوي أشبه ما يكون بالنظام العسكري. فالأوامر تصدر من موظفي الشركة للزراع في كل صغيرة و كبيرة تخص زراعة القطن بدءًا بإعداد الأرض، و استلام التقاوي و السماد، و متى تتم الزراعة و متى تتم إزالة الحشائش و كذلك أوقات الري و الرش و استعمال السماد و المبيدات و متى يتم جني القطن و تسليمه للشركة و استلام الأرباح، بعد خصم التكلفة. و ليس هنالك إشراك للزراع في تفاصيل أي من هذه العمليات، وليس لديهم بديلٌ غير إطاعة هذه الأوامر. و لتأكيد هذا النمط السلطوي فقد أعطت اتفاقية الإجارة بين الشركة و المستأجر الحق للشركة في القيام بأي من هذه الأعمال إذا فشل أىٌ من الزراع في القيام بها وتحميله التكلفة المالية كاملةّ، و قد انعكست ممارسة ذلك الحق في تطبيق ما عُرِف بين المزارعين بنظام "الطُلبة".
بعد أعوام قليلة من إدخال هذا النظام السلطوي لزراعة القطن بالمشروع بدأت بعض الثقوب تظهر فيه – ماذا يحدث إذا كان العائد للزراع ضعيفاّ أو لم يكن هناك عائد بسبب قلة الإنتاج أو ضعف الأسعار؟ جاءت الإجابة في تليين ذلك النظام قليلاً
بإعطاء الزراع حق زراعة الذرة واللوبية في مساحة صغيرة أخرى، و يكون الناتج كلّه حقاً للزراع، و لكن بدون تمويل من الشركة. فهذان المحصولان قُصِد منهما امتصاص عدم رضاء الزراع وأيضا تحسين التربة. و قد قامت الشركة أيضاّ في أواخر الأربعينات بإنشاء صندوق الاحتياطي لمساعدة الزراع في السنوات العجاف. غير هذا فقد ظل النظام السلطوي لعلاقات الإنتاج كما هو طوال هذه الفترة.
امتد هذا النظام السلطوي إلي إدارة الأراضي أيضاّ. فملاك الأراضي الذين أُعطوا أراضيهم أو جزءاً منها كحواشات أعطيت لهم هذه الأراضي تحت عقد إجارة نزع منهم كل حقوق الملكية، وأصبح هؤلاء الملاك أجراء لأرضهم تحدد لهم الشركة ما يجب أن يفعلوه في أرضٍ هي ملكهم. و قد كان الغرض وراء هذا الإجراء الغريب وضع أراضى المشروع كلها من الناحية القانونية و العملية تحت إدارة و سيطرة الشركة و تجريد الملاك من أي حقوقٍ تتصل بملكيتهم لهذه الأراضي. فالأجرة التي يتقاضاها هؤلاء الملاك أسقطت حقوقهم في الأرض و فرضت عليهم إطاعة أوامر الجهة التي تدفع لهم الأجرة.
ترسّخ هذا النظام السلطوي خلال ثلاثينيات و أربعينيات القرن الماضي و أصبح نظام العمل المعروف و المألوف بالمشروع حتى بعد أن انتهى عقد الشراكة و آلت إدارة المشروع لمجلس الإدارة السوداني. و كما ذكرنا فقد لعب العمل النقابي دوراً كبيراً في مشروع الجزيرة نتج عنه زيادة نسبة أرباح المزارعين، و لكنه لم يُحدث تغييراً ذا شأن في علاقات الإنتاج.
ثانياّ: مرحلة التوسع في المشروع – 1950- 1975
انتهى عقد الإدارة بين شركة السودان الزراعية و حكومة العهد الثنائي عام 1950 وانتقلت الإدارة في ذلك العام إلى مجلس إدارة مشروع الجزيرة. وقد صدر في ذلك العام قانون مشروع الجزيرة لعام 1950 والذي كان أول قانون ينظم العمل بصورة متكاملة في المشروع.
تسمى بعض الكتب والتقارير هذه النقلة بأنها "تأميم للمشروع"، و هذه التسمية ليست دقيقة لأن الأراضي و الخزان و القنوات بالمشروع لم تكن ملكاً للشركة حتى تؤمم، بل كانت ملكاً للحكومة، تديرها الشركة بمقتضى عقد إدارة انتهى ذاك العام ولم يتم تجديده. نتج عن هذا التغيير زيادة نسبة أرباح المزارعين و الحكومة بعد أن قلت نسبة أرباح مجلس إدارة المشروع. و زادت نسبة أرباح المزارعين مرّةً ثانية بعد ثورة أكتوبر ولكن هذه المرة على حساب نصيب الحكومة. عدا هذا فقد استمرت علاقات الإنتاج على ما كانت عليه إبان فترة إدارة الشركة للمشروع.
كانت مساحة المشروع قد وصلت إلى حوالي مليون فدان عام 1950، و كانت الدراسات الخاصة بامتداد المناقل قد قاربت الاكتمال. و في عام 1954 بدأت المفاوضات مع مصر بغرض السماح للسودان ببناء خزان الروصيرص لري امتداد المناقل. و رغم أنه تمّ الاتفاق بين السودان و مصر على بناء خزاني الروصيرص و أسوان، إلا أن الخلافات حول حصة السودان
ظلت عالقة و لم تحسم إلا بعد عام من وصول الفريق عبود إلى السلطة وتوقيع اتفاقية مياه النيل عام 1959. مع اكتمال خزان الروصيرص بدأ التوسع في امتداد المناقل و بلغت مساحة المشروع اثر ذلك مليون و ثمانمائة ألف فدان وتوسعت البنية التحتية من قنوات ري وطرق ومباني و ارتفع عدد موظفي المشروع بصورةٍ كبيرة. و صدر قانون مشروع الجزيرة لعام 1960 لينظم هذا التوسع. و بذاك التوسع أصبح مشروع الجزيرة من أكبر المشاريع في العالم تحت إدارة واحدة. و كما ذكرنا من قبل فالمشروع ليس أكبر مشروعٍ في العالم كما يعتقد الكثيرون. فهناك عدة مشاريع في العالم أكبر منه مساحةً.
ثالثاّ: مرحلة التدهور و البحث عن حلول - 1975-2005
مع هذا التوسع بدأت مشاكل المشروع في البروز إلى السطح. فقد بدأت البنية التحتية التي تمّ إنشاؤها قبل أكثر من أربعين عاماّ في التآكل والتدهور، و بدأت أسعار القطن العالمية في التدني و ارتفعت تكلفة الإنتاج بصورة حادة بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وأزداد الوضع سوءاّ بسبب التقلب في السياسات الاقتصادية و الزراعية في السودان في السبعينات.
برزت أيضاً في هذه الفترة مشكلة الأراضي الملك الحر. فقد انتهى عقد الإيجار عام 1967 و طالب بعض الملاك بإعادة أراضيهم إليهم بينما طالب آخرون برفع قيمة الإيجار ليواكب الغلاء و تدهور الجنيه السوداني، و في بداية السبعينات توقف الملاك عن استلام الإيجار حيث أنه لم تعد له قيمة.
امتد التدهور ليشمل خزاني سنار والوصيرص. فبسبب كميات الطمي التي يأتي بها النيل الأزرق من الهضبة الإثيوبية فقد خزان سنار جزءاً كبيراً من إمكانياته التخزينية وبدأت هذه المشاكل نفسها تعترى خزان الروصيرص و قنوات الري بالمشروع، ولم تعد مياه الري تصل بعض الحواشات بسبب تراكم الطمي و الأعشاب في هذه القنوات.
تكونت في هذه الفترة عُدة لجان، الواحدة بعد الأخرى، لدراسة هذه المشاكل ومحاولة إيجاد الحلول لها. و قد كان من أبرز التوصيات توصية إلغاء نظام الحساب الجماعي واستبداله بالحساب الفردي و التي طُبقت عام 1981. أثار ذلك التغيير جدلاً حاداً في أوساط المزارعين والمهتمين بأمر المشروع، بين مؤيدٍ يرى في ذلك التغيير أملا في حلحلة مشاكل المشروع، و معارضٍ يرى فيه طعنةً لنظام التكافل الاجتماعي الذي ساد المشروع لأكثر من نصف قرن من الزمان.
و على الرغم من أن البنك الدولي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية و مانحين آخرين قد مولوا إعادة تأهيل المشروع بمبلغ فاق المائتى مليون دولار، إلا أن هذا الجهد لم يكن كافياً لأن يعيد للمشروع فاعليته بسب عدم مصاحبته بالإصلاح المؤسسي. و لم يغير صدور قانون مشروع الجزيرة لعام 1984 شيئا في أمر هذا التدهور على الرغم من زيادة تمثيل المزارعين في مجلس الإدارة.
رابعا:مرحلة قانون 2005 وآثاره و مستقبل المشروع
اتسمت تقارير اللجان المختلفة التي كُونت للنظر في أمر مشروع الجزيرة بالاختلافات في مرتكزاتها و تحليلاتها لمشاكل المشروع، وعليه فقد اختلفت وتضاربت توصياتها. غير أن عددًا من هذه اللجان اتفقت على ضرورة إعادة النظر في مسألة الشراكة وأيضا على دور الزراع في علاقات الإنتاج خصوصا مسالة التركيبة المحصولية. في هذا الأثناء كانت مشاكل زراعة القطن آخذةً في الازدياد و أسعاره العالمية آخذة في التدهور.
عليه لم يكن أمراً مستغرباً بالنسبة للذين تابعوا تطورات و متغيرات المشروع أن يقوم قانون 2005 بإدخال و تقنين مبدأ حرية اختيار المحاصيل. هذا التغيير الجذري لم ينه فقط الارتباط التاريخي بين المشروع و محصول القطن و إنما أنهى أيضاً ما تبقى من محاور علاقات الإنتاج و قّلص بصورةٍ كبيرة دور مجلس إدارة مشروع الجزيرة فيما يختص بتمويل القطن و الإشراف على زراعته.
طُبق مبدأ حرية اختيار المحاصيل عام 2007 رغم صدور القانون في عام 2005، و نتج عنه انخفاضٌ حادٌ في المساحات المزروعة قطناً و زيادةٌ ملحوظة في المساحات المزروعة قمحاً و ذرةً، ولكن كان هناك انخفاض في المساحة الكلية المزروعة بالمشروع. فقد تمّ في موسم 2007 -2008 زراعة حوالي مليون ومائتي ألف فدان فقط من مساحة المشروع الكليّة البالغة مليونين و مائتي ألف فدان (أي أن المساحة المزروعة بلغت حوالي 55% فقط من مساحة المشروع). يُلاحظ أيضا الانخفاض في إنتاجية الفدان بالنسبة للقمح مقارنة بالموسم السابق من قرابة الطن للفدان في موسم 2006 – 2007 إلى حوالي ثلاثة أرباع الطن هذا الموسم. و يعود هذا الانخفاض في رأى مقدم الندوة إلى عوامل عدة تتلخص في التمويل و التسويق و الضرائب و نظام الري.
(*) بالنسبة للتمويل فإنّه بالرغم من وجود البنك الزراعي و بنك المزارع في أجزاء كبيرة من المشروع إلا أن التمويل لمزارعي المشروع ما زال ضعيفا. و مع التوقف عن زراعة القطن فسوف يتوقف التمويل من إدارة المشروع الذي كان مرتبطاً أساساً بالقطن. عليه فإنّ مسألة التمويل تحتاج لحلول سريعة و فعّالة. و يُؤمّل أن يلعب البنك السوداني الأردني المزمع إنشاؤه في ولاية الجزيرة دوراً قيادياً في التمويل بأن يكون بنكا تنمويا و ليس تجاريا.
(*) بالنسبة للتسويق فقد كانت شركة أقطان السودان تقوم بتسويق القطن و يقوم المزارع بتسويق المحاصيل الأخرى. و الآن مع حرية اختيار المحاصيل فلا بد من إيجاد سبلٍ لمساعدة المزارعين في تسويق هذه المحاصيل حتى يحصد المزارع ثمار جهده بدل أن تذهب هذه الثمار إلى الوسطاء سواءً كانوا بنوكاً أو شركاتٍ أو أفراد.
(*) بالنسبة للضرائب فقد بلغت ذروتها عام 1996م عندما قاربت نصف إنتاج المزارع. و على الرغم من إلغاء الكثير من
الضرائب المركزية، إلا أن الضرائب و الأتاوات و الجبايات الولائية و المحلية و كذلك رسوم الجمارك المركزية على بعض مدخلات و آليات الإنتاج عالية جداً مما جعل المزارعين يضجون بالشكوى منها . و قد أثيرت هذه المسألة عدة مرات في المجلس الوطني واللجان المختلفة التي أُوكل إليها أمر تطوير ونهضة الزراعة، وعليه لا بد من إيجاد حلول فورية و فعالة لها. لقد تم إعداد مجموعة من الدراسات حول مواضيع التمويل و التسويق و الضرائب و تم تقديم بعض هذه الدراسات خلال ورشتى العمل الخاصتين بمشروع الجزيرة اللتين عُقِدتا في العامين 2004م و 2005م. و تشمل هذه الدراسات مجموعة من المقترحات البناءة و التي يمكن الاستفادة منها في هذه المجالات.
(*) بالنسبة لنظام الري فقد أشار قانون 2005م إلى أن تسليم قنوات الحقل لروابط مستخدمي المياه يتم بعد تأهيل هذه القنوات، و هذا اعتراف واضح من القانون (والمسؤولين) بالوضع غير الفعال لهذه القنوات. إن قنوات الري هي شريان المشروع، كما يجب الإشارة إلى أن المشروع يستهلك سنويا حوالي 8 مليار متر مكعب من المياه من حصة السودان البالغة 18,5 مليار تحت اتفاقية مياه النيل لعام 1959م (أي أن المشروع يستهلك حوالي 40% من حصة السودان). و لكن الاستعمال غير المرشد و غير الكفء لهذه الكمية الكبيرة من المياه بسبب تدهور القنوات و مشاكل إدارة المياه سيظل عقبةً كبرى ليس فقط للمشروع و إنما للسودان نفسه في نقاشه و مفاوضاته مع الدول المشاطئة الأخرى لنهر النيل. و كما هو معروف فان هذه الدول بدأت تطالب بحقوقها في مياه النيل.
من ناحيةٍ أخرى فقد أشار مقدم الندوة د. سلمان إلى الدور الفعّال الذي تقوم به هذه الروابط في دولٍ كثيرة من العالم في إدارة مياه الري، و أوضح أنه في بعض الدول يتم تكوين اتحادات لهذه الروابط، و تقوم هذه الاتحادات بإدارة القنوات الكبرى و الرئيسية (وليس الصغرى فقط)، و تعرّض كذلك للوفورات التي نتجت في المياه و في تكلفة الصيانة والتشغيل إثر تولى روابط مستخدمي المياه لهذه المهام. و لابد من التأكيد أن هذه الروابط ليست سوى جمعيات تعاونية ينتخبها أعضاؤها بطريقةٍ ديمقراطية ويحاسبونها وفق اللوائح المنظمة للرابطة. و لابد كذلك من الإشارة إلى أن إدارة قنوات الري بواسطة هذه الروابط تحكمها اتفاقية مع وزارة الري و أن هذه الروابط ملزمةٌ بتطبيق بنود الاتفاقية.
(*)لابد من الإشارة هنا إلى مشكلة الأراضي الملك الحر في المشروع، و إيجاد حلٍ لها وفق قانون 2005م الذي اعترف بالملكية و سنّ نزْع هذه الأراضي مقابل التعويض العادل. إن توصيات لجنة 2003م تعرض حلاً وسطاً بين مطالب الملاك الشاسعة و تجاهل السلطات لهذه المشكلة و يمكن الرجوع إلي هذه التوصيات و الاهتداء بها. و لابد لذلك الحل إن يكون حلاً توفيقياً يأخذ في الاعتبار، أولاً، إن هذه الأراضي ملكٌ لأصحابها و أنهم لم يتلقوا عنها إيجاراً لأكثر من 35 سنةً، ثم ثانياً، و بالمقابل لابد من الأخذ في الاعتبار إن تلك الأرض كانت أرضا تروى بالإمطار ، و إن بعض أصحابها مُنِحوا حواشات و إن آخرين مُنِحوا إيجاراً لمدة 45 سنةً. فهاتان النقطتان لابد من اعتبارهما في أي سعيٍ يُرجى نجاحه في الوصول إلي أي صيغة توفيقية تخص معضلة الأراضي في مشروع الجزيرة.
و نختتم هذه المقالات من حيث بدأتاها. إنّ العالم يواجه اليوم أزمة غذاء حادة تتمثل في الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية بسب قلة العرض. وقد تأثرت حتى الآن أكثر من 22 دولةً بهذه الأزمة، و يتعرض أكثر من مائة مليون نسمة في هذه الدول للجوع بسبب نقص الغذاء. و قد بلغت هذه الأزمة مداها عندما أوشك محصول الأرز على الاختفاء من الأسواق العالمية بسبب توقف الدول المنتجة (تحديدا تايلاند و الهند و الصين و فيتنام) عن تصديره. وقد ارتفع سعر الطن من الأرز خلال العام الماضي من 300 دولارً إلى حوالي 1000 دولارً. أما بالنسبة للقمح فقد قلت الكميات المنتجة في استراليا و الصين بسبب الجفاف و توقفت الأرجنتين و أوكرانيا عن تصدير القمح لفترة من الوقت وعاودت التصدير لاحقاً و لكن بكميات محدودة. نتج عن هذا إن تضاعف سعر الطن من القمح خلال العام الماضي من 200 دولار إلى حوالي 400 دولار. و قد حدث نفس الشيء بالنسبة للذرة الشامية و فول الصويا و انعكست هذه الزيادات في الأسعار كذلك على السلع الغذائية الأخرى.
لقد أوضحت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن 29 دولةً قد أوقفت تماماً أو قللت بقدرٍ كبير تصدير المواد الغذائية خارج حدودها أو فرضت عليها رسوم جمركية عالية أو قيود أخرى مثل تحديد الكميات التي يمكن تصديرها. حاولت بعض الدول مثل اليابان و سويسرا اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية لإرغام هذه الدول على وقف هذه الإجراءات الحمائية و لكن اتضح أن معاهدة المنظمة لا تعطيها الحق في التدخل في مثل هذه الإجراءات، وأن كل ما تفرضه المعاهدة على هذه الدول هو أن تقوم تلك الدول بإخطار المنظمة نيتها في اتخاذ هذه الإجراءات لا أكثر. و كان قد اتضح من قبل محدودية إمكانية المنظمة في التدخل لوقف ذلك الدعم الضخم الذي تقدمه الدول الصناعية لمزارعيها والذي أفقد مزارعي الدول النامية القدرة على التنافس.
لقد بدأت الدول المختلفة تتعامل مع هذه الأزمة بشتى السبل. فقد قررت الصين، بسبب الجفاف والنمو السكاني و ازدياد الطلب على المواد الغذائية بازدياد الطبقة الوسطى، اتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لرفع معدّل إنتاجية الفدان الواحد من طنٍ واحد للقمح لتصل الآن إلى قرابة الطن و نصف الطن من القمح للفدان، بينما اتخذت الكثير من الدول مثل الهند و المكسيك و الفلبين قرارات متعددة لترشيد استهلاك المياه في مجال الري. و تسارعت وتيرة الإصلاح المؤسسي لقطاعي الزراعة و الري في عددٍ كبيرٍ من دول العالم. و بسب شح المياه في كثير من هذه الدول فقد تركزت الجهود على تحسين أداء الأراضي المعمّرة أصلاً بدلاً من استصلاح أراضى جديدة تحتاج إلى استثماراتٍ ضخمةٍ و مياه جديدة قد لا تكون متوفرةً أصلاً.
إن مشروع الجزيرة بتجربته التاريخية الطويلة و الثرية، ومساحته الواسعة، و إمكانياته المتاحة الهائلة يستطيع ببعض الجهد و الإرادة السياسية أن يوفر للسودان احتياجاته الغذائية من القمح و أن يوفر لولاية الجزيرة احتياجاتها من الذرة، علي إن يكون ذلك وفقاً لمبدأ حرية اختيار المحاصيل للمزارع و الذي كفله قانون 2005م. فإذا استطعنا أن نرفع إنتاجية الفدان إلى 1,2 طن (و هذا متوسط إنتاج الفدان في معظم الدول) ونجحنا في زراعة ثلثي المشروع قمحًا فان هذا سيوفر احتياج السودان كله من القمح كاملاً، بينما يمكن إن يوفر الثلث المتبقي من أراضى المشروع احتياجات ولاية الجزيرة من الذرة والمواد الغذائية الأخرى.
ولكن هذا الحلم لن يتحقق إلاّ بإتباع السياسات السليمة فيما يتعلق بإدارة المياه (بعد تأهيل قنوات الري تأهيلاً كاملاً) و الضرائب و التمويل والتسويق، و توضيح ما تبقى من علاقات الإنتاج بين المزارعين و إدارة مشروع الجزيرة. وقتها سيجد المزارع ما يكفى من الحوافز لكي يضع جلّ طاقته في الإنتاج و يساهم مساهمةً فعّالةً في حلحلة مسألة الأمن الغذائي و التي هي بلا شك هاجس كل الشعب السوداني.

مشروع الجزيرة .. نشأته .. حاضره .. وغده المأمول (دراسة)

مشروع الجزيرة .. نشأته .. حاضره .. وغده المأمول (دراسة)
مامون محمد الطيب
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين مقدمة: ما أن يطرق الأذن هذا الاسم " مشروع الجزيرة " حتى تتداعى للذهن مجموعة ملونة ومزدحمة من الصور عند الكثير منا، فهو المربع وموطن النشأة ومرتع الصبا، وهو الأيام الخاليات الجميلة لشبابنا الباكر الحالم بمستقبل واعد، هو البيت والأهل والعشيرة، باختصار هو دنيانا بأفراحها وأتراحها، نراه في سواعدنا تحمل أدوات الزراعة وبذور العطاء على الدواب وعلى الظهور أحياناً، نراه في جداول رقراقة تروي ظمأنا في نهار قائظ كما تروي عطش الأرض الداكنة لتخرج ثمرتها كل حين بأذن ربها، هو أهازيج أمهاتنا وأخواتنا يشاركننا نثر البذور وقطاف القطن الزاهر. من منا لايمثل المشروع الجزء العزيز من حياته إن لم تكن حياته كلها !؟ هذا جهد أسعى فيه لتناول أمرا لمشروع بدراسة موسعة، نشأته، وضعه الحالي، ومستقبله المرتجى. لا أدعي هنا أني أملك كل مقومات الخوض في هذا الأمر الكبير والصعب ولكني أبذل الجهد ما أمكنني لأقول ما أريد أدواتي في ذلك معارف متاحة ومعلومات موثقة ومقدرة المعايش المهتم على التحليل، وأرجو أن أجد من يعضد هذا الجهد بما يملك من علم حوله وعلى الله قصد السبيل. تنقسم الدراسة إلى ثلاث محاور أساسية، يتناول المحور الأول نشأة المشروع.. كيف ولماذا .. هل حقق الأهداف التي من أجلها تم أنشاؤه، فهي إضافة إلى كونها دراسة تاريخية، ستتناول تحليل هذا التأريخ وإسقاط نتائجه على واقع اليوم وامتداد ظلاله في مستقبل المشروع. المحور الثاني سيتم التركيز فيه على الوضع الراهن للمشروع بتحليل القوى المؤثرة في قضاياه من ناحية الوجود والهيئة والنتائج. كل ذلك باعتبار التحولات السياسية والاقتصادية وأثارها الاجتماعية الدائرة داخل المشروع وخارجه. ماذا نريد للمشروع أن يكون وكيف نريد أن يحدث ذلك، تلك النقاط البارزة التي يعالجها المحور الثالث والأخير في هذه الدراسة .
مفاجأة ... مشروع الجزيرة خارج العصر .. هل تعلموا ؟ هل تصدقوا ...!!! ؟؟؟ ليس لإدارة مشروع الجزيرة .. بجلالة قدره .. وجود على الشبكة العالمية !!! لاموقع .. لديهم !!! بدأً لابد من شكر كل من ساهم في توفير معلومة لصالح هذه الدراسة التي نحن بصددها، هم كثر. لا أعرف غالبهم إلا من خلال مؤلفاتهم ومشاركاتهم في مواضيع تخص منطقة ومشروع الجزيرة.لعلي أحاول إثبات مراجعي بالدراسة في وقت لاحق.

توطئة: دروس التاريخ وعبره .. لنتعلم منذ أمد بعيد تراكم طمي النيل بفرعيه على امتداد حركتهما شمالا قبل العناق الأخير على السهل المنبسط بينهما والمسمى بالجزيرة.ولعلها في زمن سابق كانت عامرة بأهلها ممن تعارفنا على تسميتهم بالعنج وهم الخؤولة، بين غاباتها الكثيفة عاشوا يزرعون ويرعون مواشيهم، بعض أثارهم ولقاياهم حكايا سمعناها من الأجداد والجدات، تحت هذه الأرض تعيش ذكراهم وبقايا ممتلكاتهم وعظامهم. لا تتوفر حسب معلوماتي دراسات اركيولوجية معتبرة عن هذه المنطقة إلا من محاولات كالتي قامت بها بعض بعثة أكاديمية اسبانية أيام استئناف العمل في بناء سد سنار.كما أن المعلومات المتاحة عن تأريخها قبل الدولة السنارية قليلة وصعبة المنال الأ من شذرات هنا وهناك في بطون الكتب مما تركه المؤرخون والرحالة المسلمين وغيرهم. بخصوبة أرضها ووفرة مياهها وعشبها، كانت مركز جذب لقادمين جدد من الجزيرة العربية اختلطوا بقاطنيها واستعمروا الأرض فساحت فيها مواشيهم ومن أديمها كان غذاؤهم. القطن ذلك الناعم .. الجميل ..الثمين عرفوه وزرعوه بالمواسم المطيرة ومنه غزلوا ونسجوا مايسد حاجتهم وأتجروا به مع الآخرين.عرفت منطقة الحلاوين منذ أمد بعيد يمتد لفترة دولة الفونج وماقبلها بهذه الصنعة وبرع أهل المنطقة فيها، لكنها أندثرت مع ماذهبت به الأيام وتصاريف الدهور من أنماط النشاط الإنساني، فلاتكاد تجد لها أثراً اليوم الا في قصص السابقين. عاشوا هنا آمنين وسارت الحياة بهم هادئة على ذلك المنوال والعالم حولهم يصطرع على الموارد والمواد الخام ومنها القطن. والقرن التاسع عشر الميلادي يشارف نهايته، كانت الدولة البريطانية لاتزال تعيش أيام عزها ومجدها حتى بعد فقدها السيطرة المباشرة لرقعة واسعة غنية من الأرض الجديدة (الولايات المتحدة الأمريكية). في تلك الأيام كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج لسلعة القطن، وبفقد الإمبراطورية البريطانية لهذا المورد الهام وقتها، والنقص الكبير في هذه السلعة العالمية كما أشارت البحوث والدراسات حينذاك، بدأ التفكير في مصادر مضمونة ومناسبة لإنتاج القطن داخل الإمبراطورية البريطانية والمناطق الواقعة تحت نفوذها. شمالاً وفي العام 1899 كان السير وليام كارستن مستشار وزارة الأشغال العامة المصرية، مهتماً بتحقيق تطلعات الإمبراطورية في هذا الشأن، كما كان مدركاً أن السهول الطينية الخصبة الى الجنوب في السودان، واعدة لتلبية الحاجة. فكانت الخطة القائمة على إقامة مشروع زراعي يسقى عن طريق بناء سد مائي على النيل الأزرق عند منطقة سنار الأمر الذي يتيح المحافظة على مستوى الماء خلف السد، محاكياً لمرحلة الفيضان الموسمي على مدار العام. ثم يتم تغذية المساحة المقدرة للزراعة شمالاً حتى ود مدني. قيل إن الملوك والقادة يتدينون لأسباب سياسية .. و يخوضون غمار الحروب لأسباب اقتصادية. فهل كان (فتح السودان) كمايسمونه والدماء الزاكية التي سالت غزيرة بوادي كرري صبيحة يوم ( 2 سبتمبر ) من عام الميلادي 1898 لأجل الثمرة البيضاء .. القطن ... ؟؟؟
أبصم بالعشرة أنها كذلك وزيادة .. استطراد تاريخي : مما قرأت مؤخراً عن القطن، أن زراعته وصناعة المنسوجات القطنية بالسودان، أمر قديم قدم السودان. ففي ممالك النوبة القديمة زرع القطن وصنعت الملابس القطنية المصبوغة والملونة بالرسوم الجميلة وأستمر هذه الصناعة كذلك خلال فترة الممالك المسيحية حتى أن منسوجاتهم طبقت شهرتها الأفاق ووصلت تجارتهم فيها أقاصي العالم القديم. كانت المنسوجات القطنية أهم مقتنيات الحجيج السوداني للأراضي المقدسة بجزيرة العرب أبان مملكتي الفونج والفور وقد استخدمت قطع الدمور كعملة مقايضة داخل هذه الممالك ومن مملكة الفور أرسل المحمل لكسوة الكعبة على مدى سنين. واستمرت هذه الحلقات متصلة فقد تحدث الرحالة السويسري بيركهارد عن وفرة النسيج القطني بمدينة شندي، ولعل ذلك هو السبب في أن أول بداية للبريطانيين في تجارب زراعة القطن كانت بمنطقة الزيداب غرب النيل بالقرب من شندي. كذلك توجد دلائل تشير إلى انتقال زهرة القطن وبذوره من السودان القديم شمالاً لمصر القديمة وليس العكس كما قد يتبادر لأذهان الكثيرين. قام الأتراك خلال فترة حكمهم للسودان بزراعة القطن بدلتا القاش بشرق السودان.
عناصر الدراسة : استعرض العناصر الأساسية التي سأبني عليها المشاركات القادمة بالترتيب التالي:
¨ المشروع وبداياته الأولى.
¨ عنصر الأرض : ويشمل الملكية والحيازات ،قانون الحيازات ومواضيع متصلة به.
¨ عنصر المياه ويشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري . علاقات الإنتاج وتشمل المزارع والإدارة (شركة السودان الزراعية SUDAN PLANTATION SYNDICATE ثم إدارة مشروع الجزيرة GAZIRA BOARD) ومصادر التمويل باختلاف جهاتها.
¨ التركيبة المحصولية وتطورها عبر الزمن.
¨ الخدمات المساندة للعمليات الزراعية.
¨ أي عنصر يستجد خلا ل تناول هذه الدراسة.هذه العناصر سيتم تناولها على القواعد الثلاثة موضوع الدراسة (النشأة –الماضي، الحاضر، المستقبل المرتجى)
البدايات الأولي: لم يكد الوضع السياسي يستقر للبريطانيين بعد بالسودان وقد أحكموا سيطرتهم العسكرية على الدولة وقضوا على وجود الدولة المهدية الرسمي، حتى بدأ العمل على إنفاذ مشروعهم الزراعي وتجربة السلعة المستهدف إنتاجها، القطن ... فكان أول عمل تجريبي لزراعة القطن بالسودان من طرف البريطانيين بالزيداب غرب النيل بمنطقة شندي في العام 1902م متزامناً مع دراسة تجريبية كذلك بالكاملين بمنطقة شمال الجزيرة.أما بالنسبة لمنطقة الزيداب فقد حالت محدودية المساحة المتاحة على شريط النيل والكميات المتوقع إنتاجه دون اختيارها فلم تكن تفي بمتطلبات مصانع الغزل والنسيج في لانكشير وليفربول وليدز،فاتجهت الأنظار إلى منطقة الجزيرة لاتساع الأراضي وجودتها وخصوبتها وإمكانية ريها من النيل بإقامة سد بمنطقة سنار كما أشرت أنفاً.هذا السد بجانب توفير المياه لري المناطق المستهدفة لزراعة القطن سيوفر الطاقة الكهربائية المهمة لعمليات تجهيز السلعة للتصدير لاحقاً كالحليج مثلاً إضافة لذلك فإن المشروع يقل ضمن حزام السافنا مما يوفر ثلاثة شهور ماطرة خلال الموسم الزراعي. صاحب قيام المزارع التجريبية الأولى تأسيس أول محطة أبحاث زراعية تجريبية بمنطقة شمبات شمال الخرطوم في عام 1904م. كان قد تم تسجيل شركة السودان الزراعية (SUDAN PLANTAION SYNDICATE) لإنجاز مهمة زراعة القطن بكميات تجارية تقابل حاجات المصانع بالجزر البريطانية.وهي التي تولت عمليات التجارب وقيام ثم إدارة المشروع لاحقاً على مدى عقود. بعد اكتمال الدراسات الجغرافية والطبوغرافية لمنطقة الجزيرة والمقدر مساحتها بعشرة مليون (10,000,000) فدان، ودراسة التربة والتجارب التي تمت على مدى أحد عشر عاماً، بمحطات أقيمت لهذا الغرض بكل من طيبة وبركات والحاج عبد الله، ثبت أن جزءً كبيراً من هذه المساحة يمكن استخدامه وريه بطريقة انسيابية من الخزان بمنطقة سنار. كانت البداية بمزرعة مساحتها 250 فدان عام 1911م كما تم إنشاء محطة الأبحاث الزراعية بالجزيرة لاختبار الزراعة المروية عام 1918م. ) الجماعة ماضيعوا وقت أصلاً لتحقيق أهدافهم .. ودا الشغل(المساحة التي تم اختيارها من المساحة الكلية لإقامة المشروع بلغت واحد مليون وثلاثمائة وخمسون الف ( 1,350,000 ) فدان، أضيف إليها لاحقاً في بدايات الستينات من القرن الماضي امتداد المناقل لتصل المساحة الكلية حتى الآن إلى مليونين ومائة ألف (2,100,000) فدان تقريباً. قبل الشروع في هذه الجزئية، أتقدم بجزيل الشكر وخالص العرفان للأخ الباشمهندس عبد الله محمد أحمد على إهدائي سفر مهم ومصدر غني بالمعلومات عن نشأة وتأريخ المشروع أعتبره رافداً هاماً للدراسة التي بين يديكم. اسم الكتاب : مشروع الجزيرة .. القصة التي بدأت المؤلف : جلال الدين محمود يوسف (زراعي عمل بالمشروع في مناصب عدة أخرها الأمين العام لمجلس إدارة المشروع). الطبعة الأولى في فبراير 1993م)المصدر العمدة الأخر في تناول هذا الموضوع، دراسة باللغة الإنجليزية بعنوان : مشروع الجزيرة .. منظور لتنمية مستدامة. المؤلف : أ.م. الضو A.M.Eldaw برعاية المعهد الألماني للتنمية ومقره مدينة بون(عاصمة ألمانيا الغربية قبل التوحيد) بتأريخ 2004م برنامج إعادة تأهيل مشروع الجزيرة (دراسة مشتركة من حكومة السودان والبنك الدولي عرض الخبير جاك فان هولستن بيليكان) إضافة لأوراق ودراسات كثيرة أخرى كثيرة، أثبتها لوقتها. الأراضي بالجزيرة : الملكية .. الحيازات .. التأجير .. الحواشات تعارف الناس في السودان ومنذ قديم الزمان، على أن الأرض حق مشاع بين أفراد القبيلة الواحدة في المناطق البدوية، أما في اماكن الاستقرار والتجمعات السكانية فان كل فرد يمتلك ما حوله بقوة العرف والتقاليد لذلك لم يكن أحد يعتدي على حقوق الآخرين كما وان الارض لم يكن لها ريع يقود الى الخلاف والتعدي. لذلك لم يكن هناك مبرر لإثبات الملكية سوى ما تعارف عليه الناس، وبالتالي فإن مفردات مثل الملكية الخاصة والملكية العامة لم تكن معروفة البته. كان لبدء الحكم البريطاني المصري دور فاعل في تصاعد المشاكل المتعلقة بملكية الأراضي، فما أن أعلنت الحكومة نيتها الاستثمار في المجال الزراعي حتى سعى بعض المغامرين والمضاربين وتدافعوا لإثبات ملكيتهم لما لديهم من حيازات مما أضطر الحكومة لإصدار اللوائح المنظمة للملكية منذ عام 1899.( أقول قد تكون هذه حجة استغلها البريطانيون وحلفائهم المصريين للسيطرة على أهم مورد للبلاد المحتلة .. الأرض). مما نصت عليه هذه اللوائح، أن إثبات الملكية لا يقبل إلا بأحد طريقين ، أحدهما المستند المؤيد للحق، والثاني إثبات زراعته للأرض خلال الخمس سنوات الماضية. خلال الفترة من 1907 – 1910، قامت الدولة بمسح الأراضي في المنطقة المروية، وتم تسجيلها بأسماء ملاكها الأفراد وعندما قام مشروع الجزيرة، وأبرمت اتفاقية سنة 1919 بين الحكومة والشركة الزراعية السودانية، كانت مشكلة ملكية الأراضي من أكبر المشاكل التي واجهت الدولة، وكان لابد من حلها قبل وضع نظم ادارة المشروع أو عقد اي اتفاقيات أو وضع اللوائح المنظمة للعمل. كانت الحكومة قد جربت طريقة مغايرة قبل ذلك بمشروع الزيداب الزراعي، حيث استولت على الأراضي قسراً، ومنحتها للشركة الزراعية التجريية ثم قامت بتأجيرها للمزارعين نظير فئة محددة. أثبتت التجربة أن نظام التأجير غير عملي فقد أدى لمشاكل كثيرة خصوصاً في سنوات الإنتاج المتدني. تم نقل التجربة من الزيداب للجزيرة بتجربة طيبة عام 1913، بعد ظهور نظام الشراكة، ارتفع إيجار الأرض من خمسة شلنات إلى عشرة شلنات، للفدان الواحد من المواطن للشركة ، حيث تقوم الشركة بإعادة توزيعها للمزارعين مقابل فئات خاصة. بعد توقيع اتفاقية عام 1919، التي حددت علاقة العمل بين الأطراف الثلاثة (المزارع ، الحكومة ، الشركة)، ظهر أن نظام إيجار الأراضي بهذه الطريقة سيكون معقداً، وربما تصاعد الإيجار ، وقد يصل إلى عشرين جنيها للفدان، فتذهب هذه الأموال لمصلحة أفراد لن يكون لهم دور له فاعل في العمليات المرتبطة بالإنتاج الحقيقي، فقيمة الأرض بعد إقامة نظام الري لا تقارن بقيمتها قبل ذلك .لذلك قررت الحكومة إعادة النظر في هذا النظام لضمان حصولها علي شركاء منتجين فعليين، مزارع ملتزم بالبرنامج الزراعي القادم بما يتطلبه من التزامات. في مارس 1920 أصدرت الحكومة منشوراً لمواطني المناطق المروية، عن عزمها زراعة ثلاثة ألف ( 3000 ) فدان بالمحاصيل المختلفة ، تروى بالري الصناعي من خزان سنار، على قرار أسلوب العمل في طيبة. ولما كانت الدولة لا تريد تكرار تجربة نزع الأراضي من أهلها كما حدث بالزيداب سابقاً، كان القرار تأجير هذه الأراضي من أصحابها ( هو ما تعارف عليه أهالي الجزيرة بالكروت)، وإعادة توزيعها في شكل حيازات للمزارعين، أما الأراضي التي تستخدم لشق الترع والقنوات وإقامة المباني ،فقد تم شراؤها من أصحابها. تم تحديد مبلغ ايجار سنوي يعدل عشرة قروش للفدان الواحد لمدة أربعين سنة كما حدد مبلغ واحد جنيه مصري، كسعر شراء للفدان الواحد للأراضي المستخدمة لشق الترع وإقامة المباني والمحالج والمخازن والمباني الأساسية كالمباني والمخازن والمحالج وطرق السكك الحديدية وما إليها. نظام الحواشات (Tenancy System) تم اعتماد نظام الحواشات بديلاً لنظام الإيجار (Rental System) حيث يمنح المزارع قدراً من الأفدنة باسمه تتبادل فيها زراعة المحاصيل في شكل دورة زراعية محددة، ولا يتغير موقع الأرض بالنسبة للمزارع مع تطبيق نظام الشراكة بين الدولة، الشركة الزراعية والمزارع. تم توزيع الحواشات بمساحة 15 أو 30 فدان للمزارع حسب المساحة المملوكة السابقة. تم إعطاء أولوية وأفضلية للملاك وأعطي كل من الملاك الذين لديهم أكثر من ثمانين فدان حواشة بمساحة 30 فدان ونظراً لأن قانون الأراضي لعام 1921 لا يسمح للشخص بأكثر من حواشة فقد تم تفضيل أصحاب الملكيات الكبيرة إضافة لذلك بحق ترشيح أفراد أسرهم كالأبناء والبنات والزوجات والأقارب والمعارف (حق الشفعة) عند توزيع الحواشات، ومن ثم يتم التوزيع لسكان المنطقة الأخرين.جرى تعديل للقانون عام 1934 تم بموجبه رفع مساحة الحواشة من 15 و30 فدان إلى 20 و 40 فدان لمقابلة الدورة الزراعية الجديدة ( 8- COURSE ROTATION) الموجهة لمحاربة موجة أمراض القطن عام 1933 . وهكذا تحول الملاك إلى مزارعين يدفعون كغيرهم إيجارا سنوياً عن الأرض والماء. تقسيم الحواشات بامتداد المناقل كان بمساحات 15 و30 فدان . قانون الأراضي لسنة 1921: صدر تشريع أو قانون الأراضي سنة 1921 وعدل سنة 1923 ثم سنة 1927، وبحكم هذا القانون استأجرت الحكومة كل الأراضي الزراعية التي يشملها نظام الري الصناعي، أو الري المستديم من أصحابها،بواقع عشرة قروش للفدان الواحد في السنة لمدة أربعين سنة،إضافة لشراء الأراضي للأصول الثابتة كقنوات الري والمباني وغيرها.حفظت الحكومة بهذا القانون لنفسها حق مد فترة الإيجار إلى ما بعد المدة المذكورة، حال دعت الضرورة لذلك. في سنة 1965 تاريخ انتهاء عقد لتأجير مع ملاك الأراضي الأصليين، طالب الملاك باتفاقية جديدة لاستمرار الدولة في تأجير الأرض ولكن لم تجد دعواهم مجيب وعل ذلك كان استناداً على التعديلات التي أجريت سابقاً معطية الحكومة حق تمديد فترة الإيجار بمقتضى الضرورة كما تراها. التعديل الذي صدر عام 1927 اسقط أي اتفاق بين المزارع وأي طرف أخر يتعلق بضمان الأرض أو منتوجها مقابل خدمات مالية أو التزامات أخرى الا بعد موافقة مكتوبة من الحكومة، وقصد منه منع المرابين من تسليف المزارعين أمولاً بضمان الحواشة أو المحصول. حسب منطوق قانون 1921أيضاً لا يحق للمزارع التصرف في الحواشة بالبيع أو الرهن أو خلافه ولايحق تقسيم الحواشة إلى أكثر من قسمين حيث تتطلب الأمر بموت المزارع وأيلولة الحواشة للورثة. قرار مجلس الوزراء عام 1970: بعد قيام نظام مايو تحت راية الأحزاب اليسارية والاشتراكية، صدر قرار من مجلس الوزراء بتعديل توزيع الحواشات بالمشروع على قاعدة الأرض لمن يفلحها، لا لمن يملكها، وحددت شروط توزيع الحواشات كما يلي:
¨ أن يكون الشخص سودانياً.
¨ تعطى الأفضلية للأسر الكبيرة.
¨ أن يكون الشخص معتمداً على الزراعة كمصدر رزق أساس.
¨ أن تكون لديه المقدرة العملية على ادارة وتقويم الحواشة.
¨ أن لايمنح الشخص أكثر من حواشة واحدة.
¨ أن لايسمح بالتصرف في الحواشة بالتنازل أو البيع أو الرهن أو الهبة أو خلافه.
¨ تم تطبيق تلك الأسس لاول مرة عند توزيع حواشات تفتيش عبد الماجد.
نتابع التطورات مع الأراضي وصولاً لقانون مشروع الجزيرة لعام 2005م أدناه مواد مشروع الجزيرة لعام 2005م الخاصة بموضوع الأرض من حيث الملكية وحق التصرف : ملكية الحواشات 17- «1» تعتبر جميع الحواشات المخصصة للمزارعين بالمشروع قبل صدور هذا القانون كما لو تم تملكيها بموجب أحكام هذا القانون. «2» تتخذ الحكومة التدابير اللازمة للآتي:
أ. المزارعون أصحاب الملك الحر الذين خصصت لهم حواشات بموجب تلك الملكية تسجل لهم تلك الحواشات ملكية عين بسجلات الأراضي. ب. الملاك الذين لم تخصص لهم حواشات عند التفريقة والذين لهم فوائض أراضي في المادة «17/2/أ» تؤول أراضيهم للمشروع مع تعويضهم تعويضاً عادلاً. ج. يملك بقية المزارعين في المشروع من غير أصحاب الملك «الحواشات» التي بحوزتهم ملكية منفعة لمدة تسعة وتسعين عاماً.. «3» يلتزم المالك الجديد للحواشة بسداد الفئة التي يحددها المجلس كمقابل لتسجيل الحواشة ملك عين. «4» للمجلس الحق في وضع موجهات الاستغلال الأمثل للحواشة وفق السياسة الزراعية العامة ووضع الموجهات اللازمة لتطبيق الضوابط الفنية بالنسبة للملاك. «5» تكون ملكية الحواشة مقيدة بالشروط الآتية: أ. استغلال الحواشة لأغراض الزراعة فقط. ب. عدم تفتيت الملكية. ج. في حالة بيع الحواشة أو التنازل عنها تطبق أحكام كسب الملكية بالشفعة في إطار الأسرة الممتدة والجيرة. 18- «1» للمجلس الحق في تحديد الحد الأدنى لملكية الحواشة. «2» مع مراعاة الفقرة «5» ج. من المادة 17 يجوز للمزارع المالك التصرف في الحواشة بالبيع أو الرهن أو التنازل وفق موجهات المجلس. سنقوم بتحليل لهذه الفقرات من القانون مقرؤة مع ماسبقها من تشريعات منذ قيام المشروع لنرى الفوائد والخسائر الآنية والمتوقعة على أهل المشروع (المزارعين) والمنتفعين منه من موظفين وعمال وأخيراً السودان . المساحة الكلية للمشروع تنقسم إلي قسمين من حيث الملكية.الجزء الأكبر البالغ حوالي 1270000 فدان مملوكة للدولة و895000 فدان ملك حر ساعة إقامة المشروع بنسب 59% و41% على التوالي تقريباً. بقراءة فقرات قانون 2005م الخاصة بالملكية، مع القوانين التي سبقتها نرى الصورة كما يلي:. 1- أبقى قانون 1921 – 1927) الملك الحر من أراضي المشروع كحق قائم لأهله مع دفع إيجار سنوي عن الانتفاع بهذه الأراضي لمدة زمنية محدودة (40) سنة وفي ذلك حفظ للملكية الخاصة رغم توزيع أجزاء منها لآخرين وشرط استخدامها وفق ضرورات المشروع الزراعية. القانون الجديد لعام 2005في هذه الفقرة، أبقي للملاك الذين بحوزتهم حواشات أراضيهم المملوكة ضمن هذه المساحة فقط (ملك عين) مع دفع رسوم التسجيل إذا قُصِدَ بكلمة المالك الجديد في الفقرة (17-3) نفس المالك الحالي وما زاد عن ذلك إن وجد (على نظام الكروت) فهو ملزم ببيعه للدولة (مع تعويض عادل). الملاك الذين ليس لديهم حواشات ملزمين ببيع أراضيهم المملوكة ملكاً حراً (على نظام الكروت) لصالح الدولة(مع تعويض عادل). المزارعين غير الملاك ولهم حواشات تسجل لهم (ملكية منفعة لمدة 90 سنة) كحال الأراضي السكنية في الحواضر. 2- أعطى المالك الحق (نظرياً) في قبول أو رفض الاتفاق بالأجرة المسماة بانقضاء المدة المحددة. في القانون الجديد انتفى هذا الحق بالنسبة للملاك فجميع الأراضي بالمشروع ستؤول ملكيتها للدولة مع (التعويض العادل). 3- وفر أراضي مملوكة للدولة لغير الملاك بتوزيع (الحواشات ) عليهم مقابل إيجار سنوي عن الأرض والانتفاع بماء السقية. تحول الحال الي ملكية منفعة بمدة محددة في قانون 2005 4- منع التصرف بالبيع والتنازل والرهن ولكن أجازه في إطار التوريث الشرعي بضابط تقسيم الحواشة الى نصفين فقط كحد أدنى. أتاح قانون 2005 الحق للملاك حق التصرف بالبيع والتنازل والرهن خلافاً للقوانين التي سبقته،لكنه أبقى على مبدأ عدم تفتيت الملكية بصورة عامة في الوقت الذي سمحت فيه القوانين السابقة باستثناء التقسيم الى نصفين لمقابلة ضرورات الوراثة. 5- حددت كافة القوانين حتى الآن استخدام الأراضي في المجال الزراعي فقط. 6- قسم القانون الجديد المزارعين لفئتين من حيث ملكية الأرض الزراعية (الحواشات) فئة ملكية عين والفئة الأخرى ملكية منفعة .. فهل سيترتب على ذلك فرق في التعامل بين الفئتين من طرف الشركاء والقرارات المرتبطة بهذه الشراكة على مستوياتها المختلفة سؤال يحتاج إجابة؟
التعليق : يثبت القانون حق الدولة في نزع الملكيات الخاصة من أصحابها لأجل المنفعة العامة .. فهل يعتبر مشروع الجزيرة الآن منفعة عامة؟ كذلك يقوم سؤال عن التعويض العادل .. من الذي يحدده ؟ الدولة أم أصحاب الملك أم طرف آخر؟ كذلك يقوم تساؤل شرعي عن حق الدولة في نزع الملكيات الخاصة ابتدأً؟ كما نعلم هذه الملكيات الخاصة للأراضي قديمة وقد اتسعت الأسر المالكة لها ونعلم مقدار المشكلات التي ستنشاء من هذا الوضع حال إنفاذ القانون ( المحامين لديهم مائدة دسمة لمثل هذه القضايا) ولكن أثرها الاقتصادي والاجتماعي بمنطقة المشروع سيكون كبيراً. رجاء : الإخوة أهل القانون (القضاة والمحامين) ساهموا معنا في هذا الجزء من الدراسة بتوضيح الجوانب لقانونية التي خفيت على كاتب الموضوع !!!
واضع القانون يستهدف بصفة عامة، استلهام روحه لتحقيق الأهداف التي من أجلها وضع، إضافة لحفظ حقوق الأطراف المقصودة. نلاحظ أن قانون 1921- 1927 استهدف إنتاج سلعة محددة واستوفى أسباب تحقيق ذلك الهدف ومنها ملكية الأرض، فمنع التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو التنازل كما وضع حداً لإمكانية تفتيتها بالتوارث حتى يضمن شريكاً واحداً ثابتاً يؤدي الدور المطلوب منه في عملية إنتاج تلك السلعة، واستبداله بمن هو أقدر على تحقيق الهدف حال تقاعسه أو قصوره عن أداء الدور. هذه هي الروح التي أنبنى عليها القانون وقتذاك.. فماهي الروح التي أنبنى عليها القانون الجديد؟ جاء القانون الجديد منسجماً تماماً مع توجه وسياسة عامة تنتهجها القوى الممسكة بزمام الأمر في الدولة السودانية اليوم ومسايرة لتيار عالمي جارف.. سياسة التحرير الاقتصادي ضمن تيار العولمة أو الرأسمالية الجديدة.والتي تقوم على قاعدة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و الفقرات 17- 5 ج و 18- 1 و2 جاءت تأكيداً لهذه الروح. والحال هكذا فنحن نسير بخطى حثيثة نحو تحول نوعي في المشروع لصالح تكتل للملكية في أيد أقلية من أصحاب المال من داخل المشروع ومن خارجه خلال عقود قليلة وما يستتبع ذلك من أثر اقتصادي واجتماعي على بنيته الحالية.. إلى جانب كثير من التساؤلات التي طرحتها سابقاً وأنتظر مداخلات المختصين في الرد عليها،يقوم سؤال عن دفع التعويضات المالية للملاك.. فهل ستتولى خزينة الدولة هذا العبء للحواشات الواقعة ضمن ملكيات حرة أم المزارعين الحائزين حالياً عليها؟ هل يمثل القانون مكافأة وتعويض للمزارعين عن ماقدموا للسودان خلال العقود الماضية من عمر المشروع ؟ أم هو بالمقابل محاولة ذكية من مهندسي السياسة الاقتصادية بالدولة للالتفاف حول محاولة الخصخصة السابقة التي باءت بالفشل؟ يطرح القانون أكثر من سؤال بدل أن يجيب على أسئلة تعين على فهم محتواه وتحديد اتجاهه.. محتاج مذكرات تفسيرية كما يقول أهل القانون .. العنصر الثاني: المياه يشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري .. الخ يشمل تجارب الري الأولى،مشروع خزان سنار، مشروع خزان الروصيرص، شبكة الري .. الخ أسس اتفاقيات مياه النيل .. والسدود المائية على النيل

تقدمة: النيل أطول أنهار العالم .. "مصر هبة النيل" كما رددت الألسن هذه المقولة .. فهل مصر وحدها هبة النيل ؟ النشاط الزراعي بغالب أقاليم السودان ومنها الوسط كان يعتمد على إنتاج محصول الذرة، الغذاء الرئيس لغالب سكانه.وكانت هذه العملية تعتمد اعتماداً تاماً على الأمطار الموسمية (يونيو- أغسطس) ثم تعود الحياة لسكون بقية شهور السنة الثمانية (ثلثي المدة). كما أن معدلات هطولها متفاوت ويشهد تقلبات حادة أحياناً من عام لأخر وقد تصل في بعض السنوات حداً متدنياً يستحيل معه إنتاج مايكفي حاجة السكان لهذه السلعة الهامة فتكون سنوات قحط وجدب كما حدث أبان الدولة المهدية عام 1306هـ (مجاعة سنة ستة). "إن اعتماد دولة على محصول غذائي واحد، لايمكن أن يتحقق معه اقتصاد أمة تتطلع إلى التقدم والرفاه"، تلك كانت مقولة اللورد كتشنر باشا قائد الجيوش البريطانية المصرية التي احتلت السودان وحاكمه العام آنذاك. اللورد كتشنر الطامح لمصدر مستقر وثابت من الإنتاج لتغطية نفقات الدولة الحديثة التي يطمع لإقامتها،يتلاقى مع رغبات المتطلعين لاستثمار خيرات الأرض في السودان من أراضي ومياه لإنتاج سلعة القطن الحيوية للإمبراطورية. لتحقيق تلك الأهداف كان قيام زراعة مستقرة معتمدة على وسيلة ري دائم هو الحل. كان المهندسون البريطانيون في علوم الري في مصر، في بحث دائم للوصول لأنجع الطرق العلمية التي تحقق لهم الاستغلال الأمثل لموارد مياه النيل من المنبع إلى المصب وإدارتها لتحقيق استقرار في الإنتاج الزراعي بمصر. على رأس هذه المجموعة المهندس ويليام ويلكوكس المدير العام للخزانات في وزارة الأشغال بمصر، وصاحب مقترح استغلال بحيرة فكتوريا كمخزن للمياه، والمهندس ويليام كارستن الوارد ذكره سالفاً. إن ضعف الخبرة العملية وقلة المعلومات العلمية عن النيل ومنابعه حتى مصبه، دعت كارستن ومساعده مستر ديبوس للقيام برحلة استكشاف لمجرى النيل من المصب حتى المنابع(بحيرتي فكتوريا وتانا) وتقديم تقريران احتويا دراسات هيدروليكية دقيقة عن التصرف والتبخر وكميات الطمي، ومصادره والمناطق التي يمر بها، وطبوغرافيته وكل مايتعلق بسلوك النيل السنوي عبر الأراضي التي يمر بها . لقد أشار التقرير الموحد للمهندسين لمعلومة هامة أصبحت الأساس لاتفاقيات توزيع حصص المياه بين مصر السودان لاحقاً، وهي أن مياه النيل الأبيض ذات أهمية كبرى لمصر،بينما تصبح مياه النيل الأزرق بذات الأهمية للسودان لمرورها بمعظم الأراضي الخصبة التي يمكن أن تروى منه كذلك أشار التقرير الى أن مياه النيلين الأبيض والأزرق أثناء فترة التحاريق تتجاوز كثيراً احتياجات مصر وحدها مهما توسعت وتطورت رقعتها الزراعية مع حسن الإدارة والاستغلال لهذه الموارد. كان من نتائج هذه الرحلة والتقرير الناتج أن تجاوز كارستن اهتمامه تطوير أعمال الري بمصر عابراً الحدود جنوباً للسودان. كانت حساسية الحكومة المصرية تجاه إقامة أي مشاريع زراعية تقوم على استغلال مياه النيل في أي مكان من منابعه حتى مصبه، حاجزاً أمام الموافقة على هكذا مشاريع فضلاً عن تمويلها. رغم تقرير كارستن /ديبوس الواضح بإمكانيات النيل المائية الهائلة كانت الحكومة المصرية عند موقفها المبدئي، واتخذت أجراءاً بتحويل جزء من ادارة مياه النيل للسودان للإشراف وزيادة التحكم في شؤون الري المتعلقة بالسودان.كانت هنالك أوامر صارمة من الحكومة المصرية بعدم السماح بتركيب أي مضخة للمياه أو اقامة أي مشروع على النيل، إلا بعد أخذ موافقتها.لم تكن تلك السياسة تناسب طموحات كتشنر الساعي لإقامة مشاريع زراعية كبرى بالسودان تعتمد الري الدائم من مياه النيل وظلت هذه السياسة سائدة الى وقت قريب ولست متأكداً ما إذا تم التخلي عنها الآن أم لا. احتوى تقرير كارستن/ديبوس الصادر عام 1904م فقرات اشارت لضرورة تعلية خزان اسوان تم بناؤه عام 1902م بطاقة تخزينية بلغت واحد مليار متر مكعب من المياه، وذلك للتمكن من مضاعفة السعة وزيادة المساحة المزروعة بالري المستديم بمصر. بعد انجاز التعلية بالخزان عام 1912م ارتفع المخزون الى 4و2 مليار متر مكعب وأدى لموافقة الحكومة المصرية على زيادة المساحة المزروعة بالسودان بالري من النيل أيام الفيضان من 1000 فدان الى 2000فدان.(السقاية من النيل خلال فترة التحاريق –فبراير ...يوليو كانت ممنوعة البتة). سمح هذا باستخدام مضخات المياه (الطلمبات ) لأول مرة بمشروع الزيداب وزيادة الرقعة الزراعية فيه. لقد كان للفشل الذي أصاب انتاج القطن الأمريكي والمصري في أوائل القرن التاسع عشر أثره البالغ على صناعة الغزل والنسيج في اقتصاد الأمبراطورية، ورأى صناع القرار الفرصة السانحة في مصدر ثابت ومستقر للسلعة في السودان بعد نجاح تجربة مشروع الزيداب. ارتكزت جهود الحكام في السودان على اساس ماتحقق في مصر بعد بناء وتعلية خزان أسوان والنجاحات التي حققها القطن السوداني المنتج في الزيداب ومنطقة طوكر والقاش والسمعه الطيبة بالأسواق العالمية مقارنة بالقطن الأمريكي والمصري للدفع بفكرة انتاج السلعة على مساحات أكبر بصورة مستقرة بالسودان. كان للهيئة البريطانية لزراعة القطن ذات النفوذ الواسع في بريطانيا دوراً حاسماً استفاد منه حاكم عام السودان السير وينجت باشا، والذي تم في زمنه انشاء المشروع التجريبي بمنطقة طيبة،في الحصول على موافقة الحكومة البريطانية على تمويل انشاء المشروع الزراعي بمنطقة الجزيرة ويشمل تمويل انشاء خزان على النيل الأزرق عند منطقة سنار كما جاء ذلك في تقريركارستن. جاء بالتقرير الحديث عن امكانية انشاء خزان في منطقة سنار، لري السهل المنبسطبين النيلين، والذي تبلغ مساحته حوالي خمسة مليون فدان عن طريق حفر قناة خلف الخزان، رياً انسيابياً ليسير الماء الى مسافة 200ميل من الجنوب الى الشمال، من تلقاء نفسه، دون استعمال آليات رافعه، أو ضاغطه، وهذا النوع يعتبر من أرخص أنواع الري في العالم على الإطلاق.ذكر التقرير أيضاً أنه بالرغم من أن مجرى النيل ينخفض كثيراً عن مستوى الأرض بين النيلين،الا أن وظيفة الخزان الأساسية في هذه الحالة ليست تخزين المياه فحسب، بل رفعها الى مستوىتتمكن معه من الإنسياب داخل الترعة التي تحفر خلفه، ويزداد جريان الماء في الأرض أثناء الفيضان. وردت فقرة بالتقرير تقول أن هذه الأرض تصلح لزراعة القمح الذي يمكن أن يكون مصدراً لغذاء البلاد العربية والأفريقية المجاورة. تم لحكام السودان في أبريل 1913م بعد مجهودات كبيرة الحصول على قرض لتمويل بناء الخزان المقترح وحفر الترعة الرئيسة وتشييد البنيات الأساسية بالمشروع بقيمة ثلاثة مليون جنيهاً قابلة للزيادة لمقابلة أي متغيرات مستقبلية أثناء التنفيذ. وبدأ العمل في انجاز الخزان غير أنه ما لبث أن توقف بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م والتي كانت لها آثار سالبة عليه منها توقف العمل في المشروع، ارتفاع تكلفة المعدات ومواد البناء، انخفاض قيمة العملة المحلية.غير أنه كانت توجد ايجابيات في المقابل منها، إتاحة فرصة أكبر للمسئولين والفنيين العاملين بالمشروع للعمل بتروي أكثر حيث قامت دراسات عديدة في تصميمات النظم الهندسية للري وتحديد احتياجات كل محصول من المياه للري إضافة لتحقيق دراسات هامة مترولوجية ومسوحات طبوغرافية وتحليل للتربة والكثير من الدراسات النظرية والبحوث العلمية. بانتهاء الحرب عام 1919م، تم استئناف العمل في الخزان والترعة الرئيسة والقنوات الرئيسة والفرعية( الترع) والبنيات الأساسية الأخرى.وانتهى في عام 1924م ليمثل العام التالي (1925م) البداية الحقيقية للمشروع العملاق.

عنوان جانبي : اتفاقية مياه النيل .. 1929م
بعد خروج المصريين من السودان في أعقاب أحداث عام 1924م، تأكد لديهم صدق مخاوفهم من أن انجلترا تسعى إلى التدخل في مسألة مياه النيل. ونتيجة لذلك شكلت لجنة من الخبراء في عام 1925م، لبحث المسألة وتقديم مقترحات تتعلق بالأساس الذي يمكن أن توزع به مياه النيل مع الاعتبار الكامل لمصالح مصر دون الإضرار بحقوقها القومية والتاريخية.
لقد كانت لجنة الخبراء هذه، عبارة عن استمرار للجنة مشاريع النيل المكونة في سنة 1920م، والتي عُين أعضاؤها من طرف الحكومتين البريطانية والمصرية بصبغة دولية. تكونت اللجنة من رئيس هندي الجنسية يدعى ملنر وعضوين منتخبين بواسطة جامعة كمبردج، وعضو منتخب بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية.
أوصت اللجنة بوجوب إعطاء مصر الحق في استخدام مياه الصرف في موسم التحاريق، وأن يستخدم السودان مياه الفيضان، لم يتم الوصول للاتفاق بهذا الشأن وقتها وانتظر حتى عام 1929م حيث أعيد النظر في تقرير لجنة ملنر (1920م) بتأكيد حق مصر غير المتنازع عليه في الحصول على مياه كافية ومضمونة للأراضي القابلة للزراعة، وفي حصة عادلة لأية زيادة في المياه يمكن أن تأتي لاحقاً نتيجة لتطور المعارف الهندسية والفنية.
وافقت الحكومة البريطانية أيضاً على التوصيات على أن لا تتجاوز الأراضي المروية في الجزيرة الثلاثين ألف فداناً،غير أن الإدارة البريطانية بالسودان التي قبلت بها على مضض، ورأت أن الاتفاقية ضارة بمصالح السودان وتعيق خطط التوسع الزراعي المستقبلية به.
بموجب هذه الإتفاقية بلغ نصيب مصر من مياه النيل 48 مليار متر مكعب ونصيب السودان أربعة مليارات فقط (1/12) ولعمري إنها قسمة ضيزى!!!
[هل نجح ياترى وجود السد العالي بطاقته التخزينية القرنية في تهدئة المخاوف المصرية تجاه المشاريع المائية أعلى النيل في السودان ودول الحوض الأخرى بأفريقيا ؟؟؟
عناوين قادمة :
¨ تصميم وإدارة شبكة الري بالمشروع ،
¨ توزيع المياه عبر الغيط والحواشات (المقننات المائية)،
¨ النظام الإداري والفني للري،
¨ المؤسسات الهندسية في مجال الري ،
¨ مشاكل الري والحلول المقترحة.
إن نجاح أية منشأة يرتبط بعدة عوامل منها التصميم الأول لها ثم كيفية تنفيذ التصميم في الواقع المعاش وعمليات تشغيلها وصيانتها الوقائية والعلاجية وفوق كل ذلك العنصر البشرى المتكفل الصانع والمؤثر في هذه العوامل. على هذه النقاط ندرس شبكة الري بالمشروع حتى نستبين نقاط القوة ومكامن الخلل فيها فيسهل تحدي المعالجات. مصدر مياه الري (Supply of Irrigation Water) : تروى كامل مساحة المشروع رياً انسيابياً (Gravity Irrigation) عدا مساحة ضئيلة سبعون ألف (70000) فدان بمربعات الحرقة، نورالدين، وجزء من الحاج عبدالله فإنها لأسباب طبوغرافية تسقى بالطلمبات. تأتى مياه الري من مخزون المياه بالبحيرات المتكونة خلف خزاني سنار والروصيرص. حقائق ومعلومات عن مصادر مياه الري: يقدر متوسط التصريف السنوي لمياه النيل الأزرق عند الروصيرص بحوالي 50 بليون متر مكعب.يتميز التصريف بالتذبذب الحاد خلال العام أو الموسم الواحد حيث يرتفع من يونيو إلى أعلى مستوى له بنهاية أغسطس (موسم الأمطار)، ثم ينحدر بشدة إلى ما يعادل 2% من أعلى مستوى له في نهاية أبريل. يبدأ تخزين المياه في بحيرتي سنار والروصيرص في أول سبتمبر بعد فترة الفيضان الموسمي في الوقت الذي ينخفض التصريف اليومي للنيل الأزرق إلى حوالى 350 مليون متر مكعب.هذا الترتيب قصد منه ضبط وتقليل ترسب الطمي خلف الخزانات إلى الحد الأدنى.يستغرق ملء الخزانين 45 يوماً بسعة 930 مليون متر مكعب لخزان سنار و3024 مليون متر مكعب لخزان الروصيرص. يبدأ تصريف المياه المخزونة لعمليات الري في شهر ديسمبر حيث يعمل الخزانان كوحدة واحدة ومتكاملة. شبكة الري (Irrigation Network): يعتبر نظام توزيع المياه لمشروع الجزيرة عملاً هندسياً خلاقاً استفاد من التدرج الطبيعي لأرض الجزيرة من الجنوب نزولاً نحو الشمال وميلان طبيعي أيضاً من الشرق للغرب إضافة لمنسوب المياه العالي للبحيرة المائية المتكونة خلف السد. ابتدع المهندسون وصمموا شبكة دقيقة ومنضبطة من القنوات المائية بحيث يصل الماء في الوقت المناسب والكمية المضبوطة إلى الغيط بأقل هدرٍ ممكن اعتماداً على انسياب الماء الطبيعي (GRAVITY IRRIGATION) دون الحاجة لمضخات أو رافعات تساعد في إكمال العمل كما هو الحال في كثير من المشاريع المائية المشابهة. تبدأ هذه الشبكة كما هو معلوم لأغلب المطالعين (فهم مزارعون أبناء مزارعين) بالترعة الرئيسة (الكنار MAIN CANAL) التي تخرج من خلف الخزان متجهة من الجنوب نحو الشمال بخط مواز تقريباً لمجرى النيل الأزرق بطول 323كلم من سنار حتى مشارف الخرطوم. تتوزع المياه من هذه القناة يميناً ويساراً إلى قنوات أصغر (مواجر MAJOR CANALS ) خلال بوابات أو هدارات كبيرة موزعة على أرض المشروع بأطوال 643 كلم ومن يتوزع الماء إلى ترع فرعية (MINOR CANALS) يبلغ مجموع أطوالها 3229 كلم . بإنشاء امتداد المناقل ،صار يتم تزويد مياه الري عن طريق ترعتي الجزيرة والمناقل المتجهتان شمالاً من بحيرة خزان سنار لمسافة 57 كلم حيث توجد مجموعة من منظمات الضبط والتوزيع حيث تتوزع ترعة المناقل إلى أربعة (4) مواجر بينما تكمل ترعة الجزيرة شمالاً لمسافة 137 كلم إضافية لتتوزع بدورها إلى مجموعة من المواجر لري أقسام المشروع المختلفة. تم تصميم الترعتين الرئيستين بسعة قصوى 5،31 مليون متر مكعب بتدفق مستمر للمياه عبرهما خصوصاً في فترة النشاط الزراعي _يوليو – أبريل) بأدنى فاقد ممكن . كذلك فإن تصميم الشبكة يسمح لها بتزويد متوسط شهري يبلغ 930-960 مليون متر مكعب من المياه، وهذا يعادل متوسط شهري 450 متر مكعب للفدان الواحد.أيضاً تم تصميم الشبكة بأدنى حد ممكن من الفاقد من مياه الري كالجزء المفقود بالبخر أو التهريب الناتج من كسور بالحواجز الترابية للقنوات.أن الفاقد داخل الشبكة يكاد يكون معدوماً نظريا بسبب طبيعة التربة المانعة للتسرب لمستوى المياه السطحية.ً يخرج الماء من هذه الترع لأبوعشرين يبلغ طوله 1400م عن طريق أنابيب بقطر 35سم وأبواب للتحكم في كمية التدفق يديرها خفراء الترع ثم يتوزع الماء من أبوعشرين إلى أبو ستة وصولاً للجداول الصغيرة والتقانت ثم السراب لسقيا النبات. إضافة لمنظومة قنوات توزيع المياه،فإن الشبكة تضم نظام تصريف معاكس للمياه بأطوال 1500كلم من المصارف الرئيسة و6000كلم من المصارف الفرعية ( البراقين والمصارف والمهربات - الإسكيفات-Escapes ) وتهدف هذه المنظومة لتصريف وإخراج المياه السطحية الزائدة من مياه الري والناتجة عن هطول الأمطار. إدارة وتوزيع مياه الري: النظام الإداري والفني للري تم حساب سعات الترع الفرعية لتصريف (5 – 10) ألف متر مكعب من المياه بناء على متوسط استهلاك الفدان في الشهر والمقدر بـ (450) متر مكعب لمحصول القطن والمحاصيل الأخرى لاحقاً.وهكذا تم تحديد سعات القنوات صعوداً حتى القناة الرئيسة. لتنظيم عملية توزيع المياه وضبط حركتها داخل الشبكة،تم وضع تنظيم يقوم بموجبه مفتش الغيط بتحديد طلبات المياه حسب التشكيلة المحصولية لديه خلال سلسلة متصاعدة من فني ومهندسي الري لحساب كامل الكمية المطلوب سحبها بالقناة الرئيسة من بحيرة الخزان. لنجاح هذه الآلية ضمت الشبكة منظومة متكاملة من البوابات والمنظمات بأحجام ومهام ومواقع مختلفة داخلها كما استتبع ذلك وجود نظام إداري موازي تعود إليه المسئولية في تشغيل والإدارة من مهندسي وزارة الري وموظفي إدارة المشروع. توزعت المسئولية بين الوزارة للقيام بإدارة وتشغيل وصيانة الشبكة(صيانة القنوات ونظافتها من الطمي والعوالق وصيانة البوابات والمنظمات المتحكمة في توزيع المياه والجسور والطرق فوق وبمحاذاة القنوات ..الخ) وترصد تكلفة هذا النشاط ضمن وموازنة الخزينة العامة للدولة.وتكفلت إدارة المشروع في المقابل بإدارة وتشغيل المياه بالترع الفرعية حتى الحقل.وكانت تكاليف هذا العمل ترصد من عائد الحساب المشترك المعمول به آنذاك.ظل هذا التقسيم للمسئوليات قائماً حتى عام 1995م تاريخ البدء العمل بنظام الحساب الفردي فتم تحميل تكاليف تشغيل وصيانة الشبكة للعوائد المستقطعة من المزارعين محسوبة على ضريبة المياه. لقد أدى هذا النظام المحكم عمله بكفاءة واقتدار منذ تأسيس المشروع ولفترة عقود طويلة مستوفياً شروط التصميم والتشغيل والإدارة التي بني عليها رغم اعتماده على العمل اليدوي في كثير من مراحله. ماذا حدث ليصل حال الشبكة إلى السوء الذي نراها عليه الآن.؟؟؟ أسباب التدهور في شبكة الري بالمشروع: تبرز عدة أسباب يمكن إجمالها في الأتي: أولاً : تجاوز المقدرة التصميمية للشبكة. ثانياً : ضعف إدارة وتشغيل الشبكة ثالثاً : أسباب وأخرى نتابع تفصيل هذه الأسباب لاحقاً - تجاوز السعة التصميمية للشبكة: تم تصميم الشبكة وتنفيذها للتحكم في نقل وتوزيع كميات من المياه المحسوبة سلفاً لري محصول أساسي هو القطن إضافة لمحاصيل أخرى كالذرة وهي طعام السكان المزارعين الأساس وبعض الأعلاف لمواشيهم ( الحيوان خارج الدورة الزراعية) وقليل من الخضر والفواكه مع احتساب الزيادات المنظورة في المساحة المزروعة. بعيد التأميم عام 1952م، بدأ تجاوز الطاقة التصميمية للشبكة بطريقتين: أولاً : التوسع الأفقي في المساحة المزروعة بإضافة مساحات جديدة جنوب الجزيرة (مشروع قندال) وشمال غربي المشروع. ثم تلى ذلك إضافة امتداد المناقل بكامله بعد إنشاء خزان الروصيرص. ثانياً : التوسع الرأسي بتكثيف الدورة الزراعية وإدخال محاصيل نقدية بجانب القطن كالفول والقمح والأرز. أدى هذان السببان إلى زيادة كمية المياه المنقولة عبر الشبكة من (2) مليون متر مكعب إلى ما يزيد عن (7) سبعة مليون متر مكعب مما سبب ضغطاً كبيراً على الشبكة وتجاوز مقدرتها التصميمية رغم التوسعة التي جرت على القناة الرئيسة بمشروع الجزيرة والتي لم يقابلها توسعة موازية في الترع الفرعية الأمر الذي أدى بدوره لتخريبها وتسرب المياه منها مسبباً هدراً كبيراً للمياه. كذلك دعا هذان التغييران إلى التبكير في سحب مياه الري من بحيرة السد قبل الموعد المرسوم ضمن تصميم الشبكة والماء مايزال محملاً بكميات كبيرة من الطمي العالق خلال فترة الفيضان فاستتبع ذلك نقل كميات كبيرة من الطمي إلى الشبكة متسبباً في زيادة نسبة ترسبه في القنوات والترع الفرعية على غير الكميات المحسوبة. سياسة التوسع الرأسي(تكثيف الدورة الزراعية) جلبت معها أنواعاً جديدة من الحشائش التي غزت الترع الفرعية وساهمت بدور في إضعاف كفاءة نقلها للمياه . 2- ضعف الإدارة وتشغيل الشبكة: القطن المنتج الأساس للمشروع، كان العمدة في موازنة الدولة السودانية وعليه تحملت الخزينة العامة عبء تكلفة تشغيل وصيانة الشبكة بوساطة وزارة الري مشاركة مع إدارة مشروع الجزيرة التي تحملت المسئولية في طرف الشبكة الأدنى من الترع الفرعية حتى الحقل خصماً على موازنة الحساب المشترك . استمر الأمر هكذا حتى عام 1995م حيث تم تطبيق نظام الحساب الفردي فتخلت الموازنة العامة للدولة عن هذه المسئولية وتم تحويل كلفة تشغيل وصيانة الشبكة لعوائد ضريبة المياه المستقطعة من المزارعين المفتقرين أصلاً. كان لهذا التحول أثره البالغ على الشبكة لاحقاً وتدني مستوى الأداء فيها حيث فشلت عملية رصد الموازنة المطلوبة للتشغيل والصيانة من خلال جمع المبالغ المطلوبة من المزارعين. توقفت عمليات الصيانة للبوابات والمنظمات ونظافة القنوات من الطمي المتزايد والحشائش مودية إلى ضعف عملية الري وقلة المياه الواصلة للمحاصيل المزروعة فنتج تدني كبير في الإنتاجية وانحسار في دخل المزارع تباعاً. والحال هكذا، جرت محاولات متعددة لمعالجة المشاكل المتفاقمة في مجال الري وتدني الإنتاجية بالمشروع فكونت لجان متخصصة وعقدت ورش عمل كثيرة للنظر في المسألة وإيجاد حلول مناسبة لها فهل نجحت تلك الخطوات في إنقاذ الموقف ؟ ضمن المساعي لمعالجة مشكلة الري المتفاقمة بالمشروع تم تكوين مؤسسة مياه الري كجسم مستقل لإدارة عملية التشغيل والصيانة وتحصيل الموارد من رسوم المياه المفروضة على المزارعين ولم يكن حظها بأحسن من سابقتها فتم إعادة المسئولية عن الشبكة الدنيا وتحصيل الرسوم على المياه لإدارة المشروع دون جدوي أو نجاح يذكركذلك. شارك مختصين من وزارة الري والزراعة والجامعات السودانية اضافة لخبراء من البنك الدولي ومنظمة الفاو في اللجان والسمنارات وورش العمل المتعددة للخروج برؤية لحل المشكل. انتهي الأمر الي طرح توصيتين أحداهما من طرف المشاركين السودانيين الذين أرجعوا المشكلة للفشل الذي لازم تحصيل ورصد الميزانية ولضعف الرسوم المفروضة على مياه الري وأوصوا بإعادة مسئولية تشغيل وصيانة الشبكة لعهدها الأول لوزارة الري ومشروع الجزيرة مع استحداث سبل أكثر فعالية لتوفير الميزانية اللازمة بتحصيل الرسوم من المزارعين. من الطرف الآخر رأت لجنة خبراء البنك الدولي أن أس المشكلة مؤسسي ووصوا بإنشاء اتحاد لمستخدمي المياه على مستوى الأقسام على أن توكل له كامل المهمة. فأي التوصيات وجدت طريقها للتنفيذ ؟ وهل نجحت في معالجة المشكل ؟ من الأسباب الأخرى التي يتم تداولها بصورة عامة لتفسير زيادة نسبة الطمي بالشبكة، التغيرات البئية الحادة التي شهدها العالم ومازال يشهدها كظاهرة تسخين الأرض أو الإحتباس الحراري ومنها موجة الجفاف والمجاعات الناتجة عنها والتي ضربت السودان وكثير من دول القرن الأفريقي في ثمانينات القرن الماضي فساهمت في زيادة نسبة التربة التي يجلبها النيل الأزرق عبر فيضانه السنوي .. علها أحد الأسباب. الواضح من استعراض الوقائع السابقة، أن المشكلة نشأت للسببين المذكورين، تجاوز السعة التصميمية وضعف ادارة عمليات التشغيل والصيانة للشبكة بتفرعاتها. إن أي حل لايقوم على مواجهة هذه الحقائق لن يفلح في استعادة الشبكة عافيتها والمشروع دوره المهم في عملية الإنتاج الزراعي فالشبكة هي عصب حياته والشرايين التي تنقل له نسمة الحياة وديمومة العافية. قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 و قضية الري بالمشروع ؟ نصوص القانون التي عالجت موضوع مياه الري بالمشروع: الري والصرف : 19-1. تتولي وزارة الري والموارد المائية مسئولية صيانة وإدارة قنوات الري والمصارف الرئيسية بالمشروع وتوفير المياه الكافية لروابط مستخدمي المياه عند فم قنوات الحقل، على أن تتولى وزارة المالية والاقتصاد الوطني تمويل الصيانة والتأهل والتشغيل لقنوات الري مقابل تحصيل رسوم المياه التي تمكن من تقديم تلك الخدمات. 2. تتولى روابط مستخدمي المياه صيانة وتشغيل وإدارة قنوات الحقل والصرف الداخلي. 3. لا تتم أي تصديقات لري أي مساحات من الشبكة المخصصة للمشروع إلا بموافقة المجلس. روابط مستخدمي المياه 20-1. تنشأ روابط لمستخدمي المياه تحت إشراف المجلس بلائحة على مستوى المشروع تمثل الإدارة الذاتية للمزارعين ذات شخصية اعتبارية وتسلم لها مهام حقيقية في إدارة واستخدامات المياه بالتعاقد مع وزارة الري والموارد المائية في مجال الإمداد المائي والاستشارات الفنية على أن يتم التعويض المجزي لأي من الطرفين في حالة الضرر. ب. تنشئ وزارة الري والموارد المائية إدارة خاصة لري مشروع الجزيرة.. علاقات الإنتاج بين الشركاء : التمويل، تسويق المحاصيل النقدية، توزيع العائد يعتبر الوضوح والشفافية في العلاقة التي تربط الشركاء القائمين على أي مشروع، من الأمور الأكثر حساسية وتأثيراً على نجاح هذه الشراكة واستدامتها.فهل كانت الشراكة بين المزارعين والشركة الزراعية السودانية وحكومة السودان آبان الوجود البريطاني ثم حكومة السودان الوطنية وادارة مشروع الجزيرة بعد الإستقلال وحتى يومنا الحاضر تحقق هذا الشرط أم ... " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " ...؟
البدايات الأولى: بدأت علاقات الإنتاج الأولى في مشروع الزيداب على قاعدة العمل المباشر، حيث كانت الأرض مملوكة للشركة السودانية للزراعة وكان المزارعين يعملون كاجراء لتنفيذ العمل الفلاحي مقابل أجر معين دون أن يكون لهم نصيب في الأرباح قل أو كثر.بعد احتجاجات من المزارعين أصحاب الأرض تم تعديل النظام فأصبحت الشركة تؤجر الأرض للمزارع وتبيعه الماء نظير أجر معين وتبيعه مدخلات الإنتاج،على أن ينال نصيب غير ثابت من الأرباح حسب الظرف السائد ويسمى هذا النظام نظام الإيجار (Rental System). لم يستفد المزارعون من هذا النظام بل تراكمت عليهم الديون في حين تضاعفت أرباح الشركة. الشراكة الثلاثية .. الفكرة والفلسفة: عند نشأة مشروع الجزيرة وبداياته الأولى عام 1911بمشروع طيبة، اتبع نظام المؤاجرة السائد في الزيداب قبلاً، نظام المزارعة لكنه لم يستمر كثيراً لمخالفته الطرق السائدة لدى المزارعين بالمنطقة. لمقابلة رفض المزارعين بطيبة، استفاد البريطانيون من الأسلوب التقليدي عند المزارعين والمتبع لتقسيم الناتج الزراعي بين الشركاء لبناء نظام المزارعة (Tenancy System). كان النظام التقليدي كما يلي: 1- عشر (10/1) الناتج لملكية الأرض 2- عشر (10/1) الناتج لملكية الساقية وصيانتها 3- الخمس (5/1) من الناتج لملكية الماشية في الساقية 4- جزئين من ثلاثين (30/2) لعلف الماشية 5- أربعة أجزاء من ثلاثين (30/4) للبذور وأدوات الزراعة جملة هذه الأنصبة تعدل ستة أعشار (10/6) المحصول ويكون الباقي (10/4) نصيب العاملين في الأرض . كان الموروث السوداني الأصيل قاعدة بنى عليها البريطانيون نظام الشراكة الثلاثي الذي انتظم العمل به في مشروع الجزيرة لعقود لاحقة.ويمكننا اليوم استلهام ذات المصدر في ابتداع حلول لمشاكل مماثلة تواجهنا في مسارنا لبناء الوطن . علاقات الإنتاج – يتبع- الذي دفع دولة المستعمر لتبني طريقة مختلفة مستوحاة من تراث وتقاليد المجتمع الزراعية، أن تجربة الحكومة والشركة الزراعية في مشروع الزيداب (نظام المؤاجرة) تسبب في في خسائر لهما معاً مما أضطر الشركة إلى التقاضي أحياناً لاستخلاص حقوقها من المزارعين عند تعرض المحصول إلى مشاكل تدني الإنتاج أو السعر في البورصة العالمية لأن المزارع كان يدفع أجراً ثابتاً حسب الاتفاق. إن صيغة المشاركة هذه بين الأطراف الثلاثة (الحكومة، المزارعين، وشركة السودان الزراعية)، تعتبر ضرباً من التعاون بين الملكية العقارية، ملكية الإنتاج، وقوة العمل والخبرة. هي بهذه الصفة، لا تشبه الملكية الفردية ولا الملكية الجماعية في ذات الوقت، مما جعل البعض يصف المشروع بالعمل الاشتراكي الكبير، وهذا ادعاء ينقضه إسهام رأس المال الخاص في تكوينه وإنشائه.والمزارع أهو مستأجر فقط أم مالك أم الاثنان معاً أم هو بالأحرى شريك أنتاج .. أسئلة كثيرة أثيرت حول هذا النظام. تم في عام 1913 إرساء نظام الشراكة الثلاثي على الأسس التالية: 1- تتحمل الدولة دفع إيجار الأرض من أصحابها المسجلين حسب مسح عام 1907 – 1910 وتقسم الأرض إلى حواشات تقسم بين المزارعين. وتتكفل بتوصيل المياه إلى الأرض وكافة أعمال صيانة الشبكة إضافة لتحملها أرباح قرض الخزينة البريطانية المدفوع لإنجاز المشروع .كل ذلك مقابل 30% من صافي الأرباح. 2- يقوم المزارع بتنفيذ العمليات الزراعية وما يلزمها من قوى عاملة وأدوات وغيرها مقابل 40% من صافي الأرباح. 3- تتولى الشركة الزراعية إدارة المشروع، ومد المزارع بالتقاوي والسلفيات المالية لمقابلة ضرورات العمل مقابل 25% هن صافي الأرباح. الـ 5% المتبقية تعتبر مال احتياط لمقابلة الأزمات. كانت مدة الاتفاقية عشر سنوات قابلة للتمديد لخمسة سنوات إضافية اختياراً. اعتمد إدخال زراعة الحبوب والعلف دون مقابل لصالح المزارع ولضمان إتمام عمله بصورة مرضية لإنتاج السلعة الأساس (القطن). اعتبرت الحواشة في حيازة المزارع مادام قائماً بالتزاماته الزراعية لمدة عام قابلة للتجديد مع حق الشركة نزعها منه إذا أساء استخدامها. استمر العمل باتفاقية الشراكة الثلاثية، حتى عام 1950 (تأميم المشروع) ثم حدث تعديل في الأنصبة من صافي الأرباح فكان للمزارع 40%، 40% للحكومة، و20% لمجلس إدارة مشروع الجزيرة.على أن تتولى الإدارة الصرف على البحوث الزراعية ، الخدمات الاجتماعية التي استحدثت ودفع فوائد السلفيات وضريبة أرباح العمل، من نصيبها.ثم يقسم ما يفيض بعد ذلك مناصفة بين الإدارة والمزارعين ويوضع في حساب مال الاحتياط. تم أخر تعديل عام 1970/1971 ليكون 36% للحكومة، 2% لمجالس الحكومات المحلية، 47% للمزارعين، 2% لاحتياطي مال المزارعين، 3% للخدمات الاجتماعية، 10% لمجلس إدارة المشروع. الملاحظ من واقع التجربة أن المزارع بالمشروع كان أقل المستفيدين من عائدات إنتاجه من سلعة القطن، فهل النسبة من صافي الأرباح التي تساوي تقريباً نفس نسبة الدولة كانت تصل كاملة للمزارع، علماً أن نسبة الدولة كانت عماد اقتصاد الدولة في السودان شاملة كل أوجه صرفها على الموازنة العامة.فما العلة وراء ذلك ؟ أحقاً كانت تصل المزارع حصته كاملة من صافي الأرباح ؟؟؟ لدي شكوك كثيرة حول ذلك. مجالات التلاعب على عوائد المزارع من صافي أرباح السلعة عدة، .منها زيادة أرباح الدولة خلال مدخلات الإنتاج التي تبيعها للمزارع بقيمة أعلى بكثير من قيمتها السوقية اضافة للضرائب المستوفاة عليها لصالح الدولة ومنها القيمة الحقيقة لمبيعات المنتج في البورصة العالمية فالمزارع أبعد الناس عن معرفة القيمة الحقيقية لسلعته. ومنها تكاليف الإنتاج الأخرى الحقيقة المستقطعة من الحساب المشترك. نعم كان للمزارعين اتحاد ولكننا نعرف مدى صلاحياتها وكيفية اختياره خاصة في فترات الحكومات العسكرية والحكومة الحالية ليست استثناء. فهو إتحاد في أغلب الأوقات مبعد عن هذه المعلومات أو ساكت عنها إذا علم. جميعنا يعرف كيف كانت مستوى الحياة بالنسبة للعاملين بالمشروع من غير المزارعين بدأً بمفتشي الغيط وموظفي إدارة مشروع الجزيرة والعاملين بالوظائف بالمحالج وغيرها من مرافق المشروع ، مقارنة بمستوى حياة المزارع المعتمد كلياً على الحواشة، ولا يحتاج لدليل فقد عايشه كل واحد منكم (نصيب الإدارة من صافي الأرباح تراوح بين 30% نزولاً إلى 10%) وقد تخلت عن كثير من واجباتها ومسئولياتها نحو المشروع. فهل كان المشروع فعلاً خلطاء يبغي بعضهم على بعض؟ استمر العمل بالترتيب الأخير حتى عام 1980/1981 عام إلغاء نظام الحساب المشترك واعتماد نظام الحساب الفردي الذي حمل المزارع كافة تكاليف الإنتاج مقابل الحصول على كامل عائدات المحاصيل. فما الجديد الذي جاء به الحساب الفردي للمزارع، للمشروع وللسودان الدولة
الحساب الفردي: كان للتحولات الاقتصادية التي نجمت عن ارتفاع سعر البترول بعد حرب رمضان 1973م، أثرها البالغ على مشروع الجزيرة.فقد أدى الارتفاع الكبير في سعر البترول إلى زيادة كبيرة في تكاليف إنتاج السلع الزراعية ومنها القطن إضافة لظهور بدائل منافسة له في مجالات الصناعة التي يمثل عصبها.ففي موسم 74/1975م زادت تكلفة إنتاج القطن بنسبة 30% في الوقت الذي انخفضت فيه عوائده بنسبة تقارب 20%. سبب هذا الوضع المستجد ضغطاً كبيراً على نظام الحساب المشترك المعمول به في المشروع، عانى من وطأته الشركاء الثلاثة، فالمزارعون ترجموا ذلك بتقليل نسبة المشاركة في الإنتاج لضعف التمويل وقلة العائد واتجهوا وأسرهم نحو بدائل تعزز دخولهم لمواجهة الوتيرة المتصاعدة لتكاليف المعيشة، والدولة وإدارة المشروع من جهة أخرى قصرت يدها عن توفير التمويل اللازم لأعمال التشغيل والصيانة للبنيات الأساسية كشبكة الري والأعمال الميكانيكية اللازمة للعمليات الفلاحية وغيرها من أنشطة ضرورية لتكامل العملية الإنتاجية.أدى ذلك الوضع بدوره لتناقص إنتاج القطن وتراكم الديون على المزارعين. أفضى هذا الوضع الجديد للتفكير في بديل مناسب لنظام الحساب المشترك يرجى أن يكون محفزاً للمزارع لزيادة الإنتاجية وتعويض الخسائر الناجمة فكان التفكير في التحول لنظام الحساب الفردي. فلسفة النظام المقترح، تقوم على أن أرباح عائدات المنتجات، تكون للمزارع دون مشاركة، كلٍ حسب جهده وعمله على أن يتحمل في المقابل المخاطر المحتملة في حالة قصور إنتاجه عن مقابلة التكلفة وتحقيق فائض يمثل أرباحه المرتجاة. تتمثل التكلفة على المزارع في فئات يدفعها المزارع نظير استخدامه للأرض وانتفاعه بمياه الري، تحددها الدولة وهي في ذات الوقت تمثل عائد الخزينة العامة من استثماراتها بالمشروع بدلاً عن نصيبها من صافي الأرباح في النظام السابق. بني حساب الفئات على متغيرات شملت تكلفة الري، تكلفة الإدارة، الاستهلاك أو تجديد مال الاستبدال، الفائدة على رأس المال.وتم على هذا الترتيب حساب الفئة المستحقة على كل نوع من أنواع المحاصيل. كذلك يتحمل المزارع ضمن هذا النظام، تكاليف مدخلات الإنتاج كالتقاوي المحسنة والخدمات الفنية والخدمات المساندة كتجهيز الأرض والسلفيات الزراعية وما إليها من خدمات تقدمها الإدارة أو القطاع الخاص المتوقع مشاركته بصورة أوسع، مع أربحها كقروض مقدمة من جهات التمويل ( الخزينة العامة الجهاز المصرفي أو غيره). بنظرة سريعة يمكن إجراء مقارنة بين النظامين والفروقات الأساسية بينهما وتتمثل في الأتي: نظام الشراكة الثلاثية يقوم على المشاركة في العوائد من المنتج وتحمل التكلفة والخسائر المحتملة وفيه تتوزع المخاطر بين لمزارعين ويستفيد منه بالدرجة الأولى ضعاف المزارعين. حافظ هذا النظام الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. بالمشروع لمدة طويلة قبل ظهور مشاكل الإنتاج. في المقابل أضعف النظام روح المبادرة والعمل التنافسي لزيادة الإنتاج لدى الأفراد لعدم وضوح العوائد المايزة بين المجتهد وغيره. نظام الحساب الفردي بالمقابل يعالج مشكلة الإنتاج خلال العوائد المتوقعة من الجهد المبذول والمال المستثمر من المزارع " إن وجد ". المنتج عرضة لمشاكل ضعف الإنتاج وتقلبات الأسعار في الأسواق المحلية والعالمية متحملاً نتائجها دون مساعدة أو حماية من أحد. يؤدي على المدى البعيد إلى تغيير الترتيب الاقتصادي لأفراد المجتمع وخلخلة النظام الاجتماعي وربما التركيب الديموغرافي الموجود بإقصاء صغار المنتجين وتكوين حيازات (إقطاعيات) كبيرة. يضع المنتجين تحت رحمة القروض من جهات التمويل بما قد يؤدي لفقدان الحق في استخدام الأرض. الدولة ممثلة في الخزينة العامة، مجلس إدارة المشروع والممولين وشركات القطاع الخاص في المقابل، هم المستفيدون من هذا النظام دون التعرض للمخاطر التي تواجه المنتج. قبل مغادرة هذا المحور، أجد من المناسب عرض فقرات من قانون 2005 لتوصيف المشروع وأهدافه وأيلولة أصوله وماليته، علها تساهم في توضيح معاني ما أتى هنا عن الحساب المشترك والحساب الفردي وتلقي الضوء على المسيرة المتوقعة له في المستقبل. الفصل الثاني هوية المشروع ومقره ورعايته 4.(1)مشروع الجزيرة منشأة اقتصادية واجتماعية ذات نشاط متنوع تتمتع برعاية قومية للتنمية ومنشأة بموجب هذا القانون ولها شخصية اعتبارية مستقلة إداريا وفنيا وصفة تعاقبية مستديمة وخاتم عام ولها حق التقاضي باسمها. (2) تمتلك الدولة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني الأصول الحالية للمشروع مع جواز فتح المجال مستقبلا للقطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار سواء من أصول المشروع أو إضافة استثمارات جديدة للمشروع. يتكون مشروع الجزيرة من: أ. المزارعين . ب. الحكومة متمثلة في وحداتها التي تقدم الخدمات الأساسية من ضمنها التنمية والري والسلع العامة التي تشمل البحوث ووقاية النباتات والتقانة والإرشاد والدراسات الفنية والتدريب إضافة إلى الإدارة الإشرافية والتخطيط التأشيري. ج. القطاع الخاص بما يقدمه من خدمات تجارية مساعدة. 3. يكون المقر الرئيسي لإدارة المشروع بمدينة بركات ويجوز للمجلس إنشاء فروع أو مكاتب له داخل السودان أو خارجه متى ما اقتضت الضرورة ذلك. 4. يكون المشروع تحت رعاية الوزير المختص. أهداف المشروع 5. يهدف المشروع لاستغلال موارده وإمكاناته للإنتاج الزراعي المستقر والمستدام للارتقاء بالمستوى الاقتصادية والاجتماعي والخدمي للمزارعين والعاملين فيه والمنطقة التي يقع فيها والإسهام في تحقيق الأهداف القومية دون الإخلال بعموم ما تقدم يهدف المشروع لما يأتي: أ. الاستغلال الأمثل والمرشد لموارد المشروع وإمكاناته لرفع الدخل وتنمية الناتج الزراعي وتعظيم الفائدة والعائد منه. ب. تحقيق الأهداف المحلية والقومية للمشروع مثل الأمن الغذائي وتوفير فرص العمالة وزيادة الصادرات وتنويعها بالإضافة إلى إدخال الصناعات التحويلية. ج. تحقيق رفاهية المواطنين داخل المشروع من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. د. المحافظة على البيئة داخل حدود المشروع. هـ. كفالة حق المزارعين في إدارة شأنهم الإنتاجي والاقتصادي بحرية كاملة في إطار المحددات الفنية واستخدام التقانة للارتقاء بالإنتاجية وتعظيم الربحية منها. و. كفالة حق المزارعين في المشاركة الفعلية في التخطيط والتنفيذ للمشاريع والبرامج التي تؤثر على إنتاجهم وحياتهم على جميع المستويات الإدارية. ز. كفالة حق المزارعين في إدارة عمليات الري على مستوى قنوات الحقل بواسطة روابط مستخدمي المياه. ح. تشجيع المزارعين على ممارسة العمل الجماعي الاقتصادي لتوفير الخدمات والسلع الاقتصادية بالكفاءة المطلوبة مع الاستفادة القصوى من اقتصاديات السعة. ط. إتاحة الفرصة للقطاع الخاص ليلعب دوراً رائداً في تقديم الخدمات التجارية المساعدة في إطار تنافسي. ي. إدخال الغابات المروية والثروة الحيوانية في الدورة الزراعية. ك. توفير الخدمات المساعدة في أعمال المشروع من الجهات المختصة.
" انتهى " ملاحق:
هذه هي المداخلات التي رأيت إضافتها لتشكل ملحقا لأنها تضيف بعدا للموضوع
_________________لو كان المراد بالليد والخاطر بقى مطلوق ما كان بنشنق ود ابكريق فى السوق


( مابين الكسب والإضاعة صبر ساعة فالصبر خير معين وخير بضاعة

اللهم جملنا بالعلم وزينا بالحلم
منقول بتصرف من مقال للبروفسير محمد زين العابدين عثمان (حلة مصطفى قرشي ) جامعة الزعيم الأزهري عله يضع بعض الإضاءات على موضوع علاقات الإنتاج وأمور أخرى تهم المشروع. (( قبل دخولنا للمعاينات لاختيار المدير العام الجديد للمشروع حسب الاعلان الصادر من مجلس إدارة مشروع الجزيرة عندما سئلت عن وجهة نظري للنهوض بمشروع الجزيرة مع أسئلة أخرى كثيرة سأجملها في نقاط أتعرض لها بالتفصيل في الحلقات القادمة وهي تبدأ بالآتي:- * البذور والتقاوى ونوعيتها وجودها وهو ما يعرف في لغة العلم بتقنية البذور، إذ مع وجود أنهارنا وأمطارنا فالسودان يشكو من شح المياه حسب اتفاقيات مياه حوض النيل. وتعرضت لكل سبل المحافظة على الماء واستعمالاتها الإستعمال الأمثل لري المحاصيل الزراعية وسنفصل ذلك لاحقاً. * تحضير الأرض لأن التربة هي مهد المحصول ولا بد من الاستفادة من كل خصائص التربة حسب ما وصل إليه العلم الحديث في علم التربة واستعمالاتها، خاصة في عمليات إضافة السماد للتربة حسب الحاجة وحالة فقدان العنصر الغذائي المعين بالتربة وأيضاً سنشرح كل ذلك لاحقاً خاصة تقدم تكنولوجيا التسميد باستعمال تقنية الكمبيوتر. * إدخال الميكنة الزراعية في كل العمليات الزراعية وخاصة عملية زراعة المحصول لأن لكل محصول كثافة نباتية محددة للفدان حتى يعطي الفدان الإنتاجية التي تحصلت عليها البحوث الزراعية. وهذه لا يمكن ضبطها إلا باستعمال الزراعات لتعطي الكثافة النباتية وهذه الكثافة النباتية هي التي تحدد الإنتاجية القصوى للفدان لهذا المحصول أو ذاك بعد توفر العوامل الأخرى المناسبة. والميكنة الزراعية تدخل في كل العمليات الزراعية من زراعة البذرة وحتى الحصاد مع معطيات الدراسة الاقتصادية في المقارنة بينها وبين العمالة اليدوية توفرها وأسعارها باعتبار خاص للحالة الاجتماعية. * تقوية إدارة الإرشاد والاقتصاد الزراعي ومدها بكل المعينات حتى تستطيع ان ترشد المزارع وتشرح له الحزم التقنية والعمليات التي يجب إتباعها مع الإحصاء والتحليل ومراقبة المحاصيل المزروعة بالسودان ودول الجوار وحاجة السوق المحلي والعالمي. * إنشاء شركة تسويق المحاصيل فلابد أن ينشئ المشروع شركة خاصة به لتسويق المحاصيل المنتجة بالمشروع حماية للمزارع ولتحصيل أكبر عائد من المنتجات والتي يجب ان يكون لها فروع في ولايات السودان وخارج السودان. * لابد من الاستمرار في زراعة القطن والتوسع فيه لارتباطه بحياة وحركة مجتمع بأكمله. * محطة البحوث الزراعية بودمدني لابد ان تتبع لإدارة مشروع الجزيرة إشرافا وليقوم بتمويلها التمويل الكامل حتى تقوم بدور البحث واستنباط العينات والحزم التقنية لرفع الإنتاجية وبدون دورها الفاعل يصبح كل العمل الزراعي حرثاً في البحر. * لابد من إعادة النظر في علاقات الإنتاج والتركيبة المحصولية وذلك بخلق علاقة إنتاج جديدة تستفيد من محاسن الحساب المشترك ومحاسن الحساب الفردي وهنالك دراسة متكاملة من قبل تمت إجازتها ولكن لم يعمل بها لتوجه الدولة نحو خصخصة مشروع الجزيرة. * روابط مستخدمي المياه نجاحها في تفتيش عبد الحكم لا يعني صلاحية تطبيقها في كل المشروع فهي تحتاج لمزيد من الدراسة والتدريب. * لابد من إعادة الخدمات الاجتماعية للعمل وبفاعلية لأن الاعتماد على المحليات برهن انه لا فائدة منه وأصاب جهد المزارع المطلوب في الحقل الى أمراض جسمانية ونفسية. * لابد من تحديد مهام وصلاحيات كل من الإدارة ومجلس الإدارة واتحاد المزارعين توضيحاً واضحاً درءاً للتقاطعات والمناطحات والتأويلات والتدخلات. * الصعوبات الجمة التي تواجه التمويل الزراعي للمشروع والمزارع في ظل قانون مشروع الجزيرة الجديد وملكية وزارة المالية للجزء الكبير من أرض المشروع وملكية وزارة المالية أيضاً للأصول الثابتة للمشروع والتي لا يمكن للمشروع استعمالها بالرهن للتمويل من البنوك والرأسمال الوطني والأجنبي.)) --- انتهى ---
محمدنور البشير أبدأ من حيث طلبت بالتفريق بين الملك الحر وملكية المنفعة : فالملك الحر للأرض هو أن يكون الفرد أو الجهة مالك/ مالكة لعين/رقبة الأرض ومنفتها { معا } وملكية المنفعة هي أن تكون عين/رقبة الأرض مملوكة للدولة بينما تكون منفعتها مملوكة للأفراد أو الجهات بالشروط والمواصفات التي تحددها الدولة ، بموجب عقد يسمى عقد تمليك المنفعة أو الاستئجار بغرض المنفعة .. وهذا التفريق يتبعه القول بأن الدولة لا تتدخل في الملك الحر إلا في حدود ضيقة وبالكيفية التي يحددها القانون بخلاف ملكية المنفعة التي تدير الدولة فيها تلك المنفعة حسبما تحدده نصوص عقد الانتفاع أو الشروط التي تحددها الدولة من وقت لآخر حسب مقتضيات المنفعة العامة .. وأن الدولة تحدد طريقة وكيفية الانتفاع بملكية المنفعة .. يعني لو كانت المنفعة لزراعة تحدد الدولة الطريقة التي يمارس بها الأفراد ملكية الانتفاع .. ماذا يزرعون وكيف يزرعون .. كما تملك الدولة حق تغيير المنتج الزراعي المطلوب للمنفعة العامة دون اعتراض من مالك المنفعة بينما لا يسري ذلك في مسائل الملك الحر.. لكن هذه الفروق تتضاءل إذا علمنا أن الدولة لديها قانون يسمى بقانون نزع ملكية الأراضي تنزع بموجبه أراضي الأفراد والجهات للمنفعة العامة سواء كانت مملوكة ملكا حرا أو ملكية منفعة ، فقط في الملك الحر تشتري الدولة الأرض التي تحتاجها من ملاكها بالقيمة المجزية بينما تملك الدولة حق نزع ملكية المنفعة دون تعويض أو بالتعويض الذي تحدده دون حق مالك المنفعة في الاعتراض على ذلك . وفي تعويض أصحاب الملك الحر يتم النقاش مع الملاك في كيفية التعويض للاتفاق ، ويسود رأي الدولة في حالة تعنتهم وعدم قبولهم بأي طرح وذلك من باب تغليب المصلحة العامة .. هذا ما لزم بصورة عامة وسوف أعود لتطبيق ذلك فيما تعلق بمشروع الجزيرة بصفة خاصة .. لكم جميعا خالص ودي
والملكية في مشروع الجزيرة ملكية منفعة بمعنى أن الحكومة تملك عين/رقبة الأرض والمزارع يملك حق الانتفاع بها وذلك بموجب نصوص قانون الجزيرة الذي يتناول الآن أخونا الباشمهندس مأمون ، وهذه المنفعة تعرف كذلك بملكية الأسرة ، بعني هنالك موافقة ضمنية من الدولة على تداول الملكية بين أفراد الأسرة وذلك في حال وفاة المزارع { المتعاقد } الأصلي مع الدولة ولا تتدخل الدولة عادة إلا إذا صار خلاف بين أفراد الأسرة تعذر تداركه. والمنفعة المخصصة للمزارع بالمشروع ليست مطلقة بل تتدخل فيها الدولة تدخلا رئيسيا ، يعني نقول أنها مقيدة بنصوص القانون والسياسات التي تضعها الدولة من وقت لآخر.. وهي بشكلها ذلك أقرب في وصفها لعلاقة الشراكة بين المزارع والدولة بحيث يشارك المزارع بجهده وعرقه وماله أحيانا وتشارك الدولة بالبذور والري والرعاية والتمويل أحيانا . لكن يقوم السؤال الكبير ماذا لو أخل أحد الشريكين بالتزامه ، ولنأخذ الدولة مثلا ، لو فرضنا إلزامها بعدد معين من المياه { الشربات } لمحصول معين وضاع بذلك جهد المزارع في السنة المعنية هباءا ماذا لو أخل المزارع بعدم تقديم جهد المتفرغ للعمل بحواشته هذا ما سأعود إليه بالنقاش لاحقا.

بهذه المداخلة والتي تليها أصل إلي نهاية هذه الدراسة التي أتمنى أني وفقت في تتبع المسار الصحيح في جمع المعلومات الضرورية، وفي المحاور التي بُنيت عليها، وفي تحليل ما تراكم عندي خلالها من معلومات ضرورية لتحديد مواطن الخلل. عله فاتني كشأن كل بشر محدود ، كثير من المعلومات والجوانب لاكتمال دراسة يعتد بها حول هذا الموضوع الكبير والشائك المعقد ويكفيني هنا أن ابتدرت النقاش حول بعض جوانبه التي رأيتها مهمة وضرورية، وأرجو أن يعضد هذه الدراسة نفر آخرون أكثر تخصصاً وأوفر علماً ومعرفة بجوانب المشكل موضع الدارسة. أتمنى أيضاً في ختام هذه الدراسة، أن أبني تصوراً معقولاً ممكناً ومرضياً لما نود أن نرى عليه المشروع في ما نستقبل من أيامنا، وليعذرني القراء ما رأوا أني جانبت الصواب، فالنتيجة لا تنفك عن مقدماتها .. وبالله التوفيق. الغدُ المأمول: - لأجل القطن، أهم سلعة صناعية إستراتيجية خلال القرنين الماضيين، كان قيام مشروع الجزيرة ومن أجله كان احتلال السودان ابتدأً. - داخلياً مثلت نسبة من عائدات المشروع وقطنه الجزء الأهم من موازنة حكومة الاحتلال، والحكومات الوطنية بعد الاستقلال. - لضمان تحقيق الهدف من المشروع في إنتاج سلعته الأساسية وضمان مورد ثابت يغذي صناعة الغزل والنسيج البريطانية، واسترداد أموال الاستثمار في بنياته الأساسية وتشغيله. - كان نظام ضبط وتحكم الدولة في الأرض شراءً وتأجيراً . - كان النظام الإداري المركزي الصارم. - كان نظام الشراكة الثلاثي. - كانت التركيبة المحصولية والدورة الزراعية. - كان غذاء أهل المنطقة الرئيس خارج الدورة الزراعية. - كان حيوانهم خارج الدورة الزراعية و حساباتها. تلك كانت العوامل التي شكلت ملامح مشروع الجزيرة .. فهل ذات العوامل مازالت قائمة ؟ وما المتغير فيها، الذي يمكننا من رسم صورة مختلفة للمشروع ونحن نخطو بدايات قرن جديد؟ الأرض والملكية، عامة أم خاصة: في النظم الرأسمالية، الملكية الخاصة مكفولة ومحمية بالقانون وتشمل الملكية الخاصة للأرض، بينما هي ملك عام تحت تصرف الدولة في النظم الاشتراكية. كانت الملكية الخاصة للأرض هي السائدة قبل دخول البريطانيين للسودان تحت التشريع الإسلامي والعرف، ونرى التوجه العام للدولة يسير في ركب العولمة الضاغط نحو الاقتصاد الرأسمالي. فلماذا تصر الدولة على الملكية العامة لأراضي مشروع الجزيرة ؟ أليس من الأجدى أن تعيد الأرض لملاكها الأصليين في ظل التوجه العام فما عاد المشروع يمثل عماد الاقتصاد السوداني وعصب موازنة الدولة العامة، أقول هذا إثباتاً للعدل بإعادة الحق لأهله بدل التفكير في بيعه باسم الدولة لغيرهم. تبرز لدينا مشكلة المزارعين المستأجرين لأراضٍ باسم الدولة، ولهؤلاء يمكن تمليكها بالبيع بأقساط ميسرة وفاءاً لما بذلوه خلال سبعة عقود كركيزة للاقتصاد الوطني، وينطبق ذلك على المزارعين اللذين يفلحون أراضٍ ترجع لملاك أصليين بأن تقوم الدولة بشرائها عنهم من الملاك وبيعها لهم بالتقسيط المريح. يتبقى للدولة مصدر عام رئيس وهو الماء وشبكة الري بأصولها وهي مصدر عام لاشك يجوز لها التحكم في بيعه لهم بسعر مجز للطرفين. ويكون لها أيضاً العائد من الضرائب المستوجبة على الإنتاج والزكاة المفروضة على المحاصيل الزراعية وغيرها ففيه مصدر كبير لموازنة الدولة العامة. نسمع ماتتناقله الأخبار عن الصراع الدائر بين أوربا والولايات المتحدة حول الدعم الذي تقدمه كلتاهما للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ، وهو قطاع خاص في مجمله، فما أحوج هذا القطاع لدينا لما هو أكثر من الدعم برفع الضرائب وتقديم القروض الميسرة والخدمات الزراعية الأخرى حتى يقف على رجليه. إن من حق المزارعين بالمشروع والمشاريع المماثلة صغيرة وكبيرة أن تساند نهضتها بدعم كامل حتى تؤتي أكلها فيحق للدولة ساعتها أن تجني ثمار غرسها. هذا التصور حال تبنيه سيطلق يد المزارعين بالمشروع لإدارة عمليات الإنتاج بتحديد نوع الدورة الزراعية ونوعية المنتجات وطريقة البيع والتسويق وإثراء العمل بمستحدثات العلم في المجال الزراعي والحيواني والتصنيع المرتبط بها،فيعود ذلك خيراً وبركة على البلد واقتصاده. لامركزية الإدارة: المقترح أعلاه يستتبع تغييراً جذرياً لأنماط العمل بالمشروع. ظلت مقولة " أكبر مشروع زراعي تحت إدارة واحدة في العالم " تشنف آذان السامعين عقوداً طويلة، لكن آن الوقت للوقوف عند ذلك الشكل المصمت لإدارة المشروع. مشروع الجزيرة بناءٌ عملاق من حيث المساحة والبنيات الأساسية والأثر، تماماً كالسودان شاسع متعدد، وقد أصبح من المقبول والمطلوب عقلاً إدارة السودان إدارة لامركزية، فهلا طبقنا ذات المنطق على مشروع الجزيرة بأن تتم إدارة العمل بصورة غير مركزية كما هو الحال الآن فذلك أدعى لتوفير المقدرة على انسياب العمل بتقصير خطوط الاتصال والزمن اللازم لاتخاذ القرار والمشاركة اللصيقة وسرعة الحصول على المعلومة واتخاذ القرار المناسب. لتحقيق ذلك يمكن مثلاً توزيع المشروع لوحدات إدارية منفصلة قد تتبع التوزيع الحالي للأقسام بمشروعي الجزيرة والمناقل، وقد تختلف التركيبة الإدارية لكل وحدة عن الأخرى باختلاف نظام الدورة الزراعية والتركيبة المحصولية لها ويبقى نوع من التنسيق لتفادي التنافس المخل وضمان العوائد المجزية وتشارك المعلومات عن توجه السوق وغيرها. إن كان عز على الدولة التخلي عن ملكية الأراضي، وذهبت مذهب تحويلها لملكية عامة كما ورد في قانون 2005. وتجاوزاً عما قد تثيره هذه النقطة من مشاكل قانونية، فليكن النظر إلى المقترح الخاص بلامركزية الإدارة ومايليها من مقترحات بخصوص وسائل الري المتبعة وشبكة المياه، والتركيبة المحصولية لتتمتع بمقدار عالي من المرونة توافق حاجات السوق وتحقق العوائد المجزية لاستثمارات المزارعين في أموالهم وجهدهم، وما يتصل أيضاً بفلسفة توزيع الجهد والعائد بين الشركاء. مصادر المياه وشبكة الري: لاجدال حول الملكية العامة لمصادر المياه كما جاء عن الرسول (ص) ، أن الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار. وكذلك ملكية الدولة لشبكة الري وبنياتها الأساسية، فهي الأقدر على إدارتها، وتشغيلها، وصيانتها لتقوم بانجاز مهامها على الوجه الأكمل وبأية وسيلة مناسبة، واضعين نصب أعيننا الاتفاقات الدولية الملزمة بحصص المياه المتاحة لكل قطر ومسئولية الدولة المباشرة عن ذلك. كما أوردت سابقاً عند الحديث فإن مشاكل الري بالمشروع نتجت عن عدة أسباب، أبرزها التوسع الأفقي والرأسي في الإنتاج الزراعي مما استدعى سحب المياه من بحيرة الخزان قبل وقتها وهي مازالت محملة بنسب عالية من الطمي الذي انتقل بدوره للشبكة متسبباً في مشكلة الإطماء التي أثرت بشكل كبير على مستوى إنتاجه، إضافةً لضعف الميزانية المرصودة لإعمال الصيانة الدورية لبنياتها، حتى عز الحل وصار أكثر صعوبةً وأعلى كلفةً اقتصادية. سؤال يجول بخاطري وبخاطر كل من عمل أو رأى وسائل جديدة مستحدثة في الري والتعاطي مع موارد المياه المتاحة، هل لنا أن نجرب تلك الطرق في المشروع مستعيضين بها عن الوسيلة التقليدية بالري الانسيابي؟ الذي، رغم قلة كلفته من ناحية تشغيلية إلا أنه يهدر كميات من المياه، كما عايشنا وشاهدنا كأبناء مزارعين عملنا بالحقول زراعة وسقياً ردحاً من الزمن، يمكن توفيرها واستخدامها في ري مساحات أكبر أو أية نشاطات أخرى؟ هذا السؤال يحتاج للإجابة عليه لدراسات جدوى اقتصادية وهندسية وفنية على صعد كثيرة مرتبطة بنوعية المحاصيل التي يمكن زراعتها ودورتها والوسائل البديلة لتوصيل مياه الري وسبل السقيا وتواريخ الزراعة والبنى المساعدة لرسم حلول مبتكرة وجديدة تحقق أقصى فائدة من المياه المتاحة بأقل هدر ممكن، وتوفر جزءاً كبيراً من الحل لمشاكل الري بالمشروع في قطاعاته المختلفة. إن التجارب الإنسانية حولنا زاخرة ومتوفرة واليات التنفيذ ممكنة باستصحاب منتجات العلم من آليات وأطر فنية وإدارية، إضافة لما يمكن للإنسان السوداني ابتكاره من حلول، لأمور جديرة بالنظر إليها والسعي لتحصيلها نحو تحقيق هذا الهدف. التركيبة المحصولية : الغذاء الصحي النظيف حاجة العالم المتزايدة والماسة، وكما قيل " السودان سلة غذاء" أكاد أرى ذلك بأم عيني متمثلاً في مشروع الجزيرة بصورته الجديدة.فكيف السبيل. ما عدنا تحت الإدارة البريطانية، ولم تعد زهرة القطن البيضاء ذلك الذهب الذي تقوم عليه حركة الاقتصاد العالمي، وتقوم عليه موازنة الدولة بالسودان، فقد تغيرت المعادلة وأصبحت السلع الزراعية بشقيها النباتي والحيواني صاحبة القدح المعلى في اقتصاديات الكثير من الدول حول العالم بل حتى السلع الزراعية المرتبطة برونق الحياة وجمالها (كالزهور) أصبحت تمثل وزناً في سوق العالم الزراعي ناهيك عن الأعشاب و المزروعات التي تدخل في المنتجات الصناعية والطبية وعوالم الجمال والرشاقة وأسواقها المتوسعة. آن الوقت لتعديل جذري في التركيبة المحصولية السائدة في مشروع الجزيرة،فإنسانه وأرضه المعطاءة ووفرة مياهه ترشحه لدور أكبر بكثير مما هو عليه من حالة المعتاش على الخزينة العامة للدولة. حان الوقت لنفكر ونعمل نحو قيام جزيرة خضراء بألوان الطيف من المنتجات الزراعية المختلفة على مدار العام محاصيل مختلفة وخضر وفواكه وثروة حيوانية ضمن هذه المنظومة وصناعات مرتبطة بكل ذلك، يقوم العمل فيها على تقنيات عالية في جميع ضروب الإنتاج من ميكنة متكاملة تقلل الجهد البشري المطلوب وتطبيق للتقنيات الحديثة المتوفرة لتحقق أعلى إنتاجية ممكنة بنوعيات منافسة لتغطية حاجة الأسواق المحلية والإنتشار للأسواق الإقليمية والعالمية المتوسعة. لست هنا في مقام التفصيل عن تركيبة محصولية مقترحة، فلا أدعى ماليس به علم متحقق، فلكل مجال رجاله وأهله وهو أمر يحتاج لجان ومتخصصين في مجالات شتى من خبراء مطلعون باتجاهات السوق العالمية في مجال إنتاج وتسويق السلع الزراعية، وعلماء وخبراء في ما يناسب من محاصيل لتوطينها بالمشروع واقتصاديين ومهندسين وغيرهم من أهل الاختصاص، لكني فقط أرى ضرورة التغيير فقد آن وقته. ذكرت للمنتجات الزراعية بشقيها الحيواني والنباتي وعنيت ذلك لأشير أنه الوقت لعودة الحيوان إلى ارض الجزيرة، عودةً تقوم على العلم والدراسة الفاحصة. فليكن الحيوان بكل أنواعه جزءً أصيلاً في دورته الزراعي، تربية وتصنيعاً لمنتجاته ليحقق بناءً متكاملاً للمشروع يرتقي به من مجرد مزرعة لسلع خام تباع بالأسواق العالمية في ظل منافسة قوية لاترحم المتساهل والضعيف الى بناءٍ اقتصادي متكامل يعود بالخير والنماء لأهله وأهل السودان قاطبة. إن كان من كلمة أخيرة في ختام حديثي فهي الى أهل المشروع الحقيقيين مزارعين وعمال ومعتاشين على نتاجه، شمروا عن ساعد الجد، وحدوا جهودكم واسعوا للبحث عن استثمار أفضل لمورد عزيز تحت أقدامكم، ولا يحبطنكم السياسات العرجاء التي اكتنفت هذا الصرح العظيم في فترات سابقة عن القيام إليه ومعالجة أسقامه الطارئ منها والمفتعل فهو خيركم وخير أجيال من أبنائكم يأتون خلفكم ولكم في نتاج العلوم والمعرفة خير معين فقد حققت الميكنة ( استخدام الآلة ) في المجال الزراعي وتقنيات الهندسة الزراعية والعلوم المرتبطة بفن الزراعة المعجزات في إحياء أراضٍ بوار وماهي عليكم بمستحيلة أو ممنوعة بل قريبة المناهل فخذوا بها واستعينوا بكل مستجد في مجال معاشكم وحياتكم. --- انتهى والحمد لله رب العالمين ---_________________اللهم جملنا بالعلم وزينا بالحلم