إلا مشروع الجزيرة فلا بواكي له ـــ عمر محمد الأمين – oelamin1@gmail.com
"فيصبح قطن الجزيرة، محض كفن" (من ديوان امرأة البحر أنت)
بعد إجازة قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م شكل تناول الوضع في مشروع الجزيرة وما آل إليه والتفاكر حول سبل النهوض به للخروج به من وهدته من جهة والتكالب على تفكيكه وابتلاعه من جهة أخرى حيزا في الصحافة السودانية و المواقع الإلكترونية ومنتديات الشأن العام السودانية وضمن هذا السياق أتى تناول منبر الجالية السودانية الأمريكية للوضع بالمحاضرة التي قدمها د.سلمان محمد أحمد بعنوان " أضواء علي مشروع الجزيرة .. التطورات، والمتغيرات و قانون 2005م" وتعقيب الأستاذ صديق عبد الهادي على تلك الندوة وغيرها مما هو منشور ومتداول، وهذا بعض ما عنى لنا تسطيره بحكم أننا مزارعين معنيين مباشرة بمآلات هذا الوضع وما يترتب عليها من متغيرات اجتماعية واقتصادية في المنطقة .
معلوم أن الفلسفة الاجتماعية لأي جهة حاكمة هي الموجه للأفكار والطروحات عند تناول قضايا الشأن العام وطرق تناولها وكيفية معالجة مشاكلها. تاريخيا كانت الفلسفة من وراء قيام المشروع هي قيام مزرعة لإنتاج القطن ذات عائد كبير للمستثمرين ولم يكن إنسان المشروع ضمن اهتمامات القائمين على أمر الشركة إلا في حدود الحاجة إليه كمنتج لا أكثر وما دخل ضمن الاهتمامات للقائمين على المشروع إلا بعد انتهاء عقد امتياز الشركة وأيلولة الأمر للحكومة السودانية ونتيجة لمجاهدات الحركات النقابية للمزارعين والعاملين، وهو ما أنعكس في تخصيص نسبة 6% من العائدات للخدمات الاجتماعية و المجالس المحلية ومال الاحتياطي بواقع 2% لكل منها وقد تنزل نصيب الخدمات الاجتماعية لمواطني الجزيرة (مزارعين وعاملين وعمال زراعيين وتجار.... الخ) في شكل خدمات غطت التعليم والصحة والرياضة والتنمية الاجتماعية والإرشاد وغيرها، إلى أن طبق نظام الحساب الفردي وما تبعه من محاق في ما هو مخصص لتنمية إنسان الجزيرة وبداية التدهور في الإنتاجية والعائد من المشروع. تبني الفكرة بصيغتها تلك كان يعكس الفلسفة الاجتماعية المهيمنة والمسيطرة لحركة الإخوان المسلمين المتصالحة مع نظام نميري والتي وجدت نفسها بيد مطلقة في عهد الإنقاذ لإنفاذ وتطبيق ما تؤمن به!!
يعتبر قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 هو التأطير القانوني للفكر الاجتماعي للإسلاميين ورؤيتهم للمشروع وإنسان الجزيرة. وبمجرد إصدار القانون وضعت بعض مواده موضوع التنفيذ دون التقيد بما ورد في القانون نفسه.
هوية المشروع: حدد الفصل الثاني المادة (3) مكونات المشروع والتي ضمت المزارعين والحكومة والقطاع الخاص والمحافظ...!!!!) ومثار الدهشة هو إسقاط العاملين في المشروع وإضافة القطاع الخاص لمكونات المشروع علما أن القطاع الخاص هو مقدم خدمات مساندة على أساس تجاري وبموجب عقود مع المشروع وليس كيانا ثابتا إنما شركات وأعمال تجارية متغيرة بتغير العقود والخدمات المطلوبة منها!! وكيف يتعاقد هو مكون من مكونات كيان المشروع مع نفسه.(أني مبدأ تعارض امصالح؟؟)!!
أهداف المشروع جاءت في المادة (5) وقد جاءت معممة لا ممسك فيها بينما نجد أن القانون قد خصص (18) مادة من مجموعة مواده أل(31) لمجلس الإدارة.
سنتناول أربع قضايا جوهرية في القانون وهي: الأمن الغذائي والخصخصة و روابط مستخدمي المياه و ملكية الحواشة.
طرح الأمن الغذائي بديلا لزراعة القطن ولكن الطرح كان عاما وضبابيا فالأمن الغذائي لمن؟ للمزارع أم للولاية أم للوطن ككل أم للعالم أجمع كما في شعارات الإنقاذ؟! فقد رأينا مجموعات المستثمرين المصريين تجوب ارض الجزيرة لاستئجار الأراضي (دنقدي) لزارعة الذرة الشامية والقمح والقطن المصري وزهرة الشمس للسوق المصري تحديداً بتمويل مصري؟ وما هي الجهة المنوط بها تمويل محاصيل الأمن الغذائي؟ أم ستترك للمزارع منفردا ووقتها سيختار تمويل أقل المحاصيل مخاطرة وهو الذرة، فأين الأمن الغذائي هنا؟ وهل تكريس أرض المشروع للأمن الغذائي لم يأخذ في الحسبان ضمان تمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية لإنسان الجزيرة والمزارع؟ علما بأن القانون ترك للمزارع حرية اختيار المحاصيل التي يرغب في زراعتها
الخصخصة طرحت طوق نجاة ولإخلاء مسؤولية الدولة ولم يتم تعريف ما هو المراد بالخصخصة فهل شرطا أن تباع أصول المشروع لشركات خاصة حتى تحقق الربحية ألا يمكن أن تحول الأصول لشركات تعمل بأسس تجارية وتحقق الربحيةالمراد تحقيقها مثل شركة الهندسة الزراعية وشركة سكك حديد الجزيرة الضيقة والمحالج أم أن تحقيق الربح مرهون بملكية الأفراد لا الجماعات (هنالك تغييب متعمد لدور التعاونيات) ولماذا لا يضخ النظام المصرفي أموالا في هذه الشركات عوضا عن بيعها للقطاع الخاص، والعالم كله يشهد هذه الأيام ضخ الأموال من البنوك المركزية حول العالم لانتشال بنوك وشركات خاصة. أما الخصخصة بهذه الكيفية أريد بها وأد فكرة العمل التعاوني وسط مزارعي الجزيرة والعاملين فيه وعلى ألا تعود عليهم أرباح من تشغيل هذه الشركات وقد شهدنا كيف تصرفت الدولة ببيع مطاحن الغلال في قوز كبرو والمملوكة لمؤسسة مزارعي الجزيرة التعاونية!1
روابط مستخدمي المياه والتي خصصت لها المادة (19) يراد لها أن تتولي الإدارة الذاتية للري من فم الترع الفرعية بعد أن يتم تأهيلها بنص المادة (28) الفقرة(4) ولكن الواقع يقول خلاف ذلك فقد تم تسليم القنوات الفرعية لروابط مستخدمي المياه وتحولت هذه الروابط للقيام بدور المتحصل (كمساري الري) لرسوم المياه لصالح وزارة الري والتي مارست سياسة الهروب للإمام فقد رفعت يدها عن الترع الفرعية وأصبحت تطالب برسوم المياه للدفع للمقاولين الذين تعاقدت معهم الوزارة لتنفيذ العمليات الإسعافية لإزالة الإطماء من الترع والتي لا تنجز في الترعة بكالمها حيث يتم سحب الحفارات (وهي من نوع البوكلين المخصص لأعمال حفر خنادق المواسير وأساسات المباني وليس تطهير قنوات الري ومن العادي مشاهدة البوكلين وهوعالق في جسر الترعة يجاهد للوصول لعمق المجرى ولكن بدون طائل) لإنجاز عمل إسعافي في ترعة أخرى وهكذا تتكرر العملية حيث أن الوزارة أصبحت مقاولا ولا تملك أي معدات حفر لتأهيل القنوات!!
أشار الأستاذ صديق في تعقيبه على محاضرة د. سلمان إلى تجربة روابط مستخدمي المياه في تفتيش عبد الحكم والمنطق البسيط يقول أنه كان ينبغي اختيار تفتيش واحد من كل قسم من أقسام المشروع (18) مع التركيز على التفاتيش الطرفية لأنها تعاني مشاكل العطش. كما أن الاتفاقية مع روابط مستخدمي المياه جميعها واجبات ينبغي أن تؤديها الروابط وبدون حقوق في المقابل فليس هنالك تعويض في حالة العطش وانخفاض الإنتاجية بسبب ذلك أي أن الاتفاقية ليست علاقة تعاقدية بحقوق وواجبات وشروط جزائية إنما إقامة هيكل لتحصيل مستحقات المياه من المزارعين وتسليمها لوزارة الري، كما أغفلت الفكرة الاستفادة من تجربة مجالس الإنتاج و اتحاد المزارعين في التسيير الذاتي.
هلل الجميع لأيلولة ملكية الحواشة للمزارع وأنها إنجاز تاريخي والواقع يقول إنها المدخل لنزع هذه الأراضي من المزارعين وتحويلهم لأجراء يعملون عليها ذلك أن الملكية حولت للمزارع بعد أن جعلت من المستحيل الاحتفاظ بها فعلى المزارع أن يتدبر تمويله بنفسه وعليه أن يدفع للمياه عطش محصوله أم غرق بدون تعويض مقابل عجز أو فشل الري في ذلك (أقسام الشرطة في الولاية خير شاهد على عدد بلاعات البنوك بحق المزارعين لعجزهم عن السداد) وبينما نجد أن الدول الرأسمالية نفسها تدعم الزراعة والمزارعين وبرنامج الغذاء العالمي ينادي بدعم المزارعين نجد أن المتوركين من الرأسمالية الطفيلية يحجبون هذا الدعم ليسهل لهم تفكيك المشروع ووضع أيدهم عليه. لم يشر القانون للتمدد العمراني في قرى الجزيرة والمناقل وأثره على الرقعة الزراعية
التمويل الربوي للزراعة لإفقار المزارعين وإثقال كاهلهم بالديون حيث لا خيار أمامهم غير بيع الحيازة الزراعية (الحواشة) وهو ما يهدف إليه القانون الجديد للمشروع من أجل أيلولة جميع الحيازات الزراعية لأفراد معدودين أو فرد واحد ولتتحول جموع المزارعين لأجراء عند هؤلاء!!
الفلسفة الاجتماعية التي يقوم عليها المشروع كونه مشروع إنتاجي خدمي لا تنسجم مع الفلسفة الاجتماعية للحركة الإسلامية القائمة على أساس التنمية الرأسمالية والتي لا تعرف المجتمع والجماعات إلا سوقا ويدا عاملة رخصيه وأضيف إليها من بهار الإسلام أنها ديارا لأعمال البر وكسب الأجر بغية للفردوس الموعود للمتقين من عباده
مشروع القضاء المنهجي المبرمج على المؤسسات العامة نابع من الفكر الاجتماعي للجماعة الحاكمة فمن المعروف أن حركة الإسلاميين في مجملها تبنت أسلوب التنمية الرأسمالية منهجا للحياة وسعت تأصل لذلك في فكرها مدافعة ومنافحة عن ذلك مع النيل والقدح في نمط التنمية الاشتراكية والتعاونية. ولهذا فإن الإسلاميين عندما شرعوا في تصفية مؤسسات القطاع العام والتخلص منها إنما كانوا يطبقون فكرا يؤمنون به وهو أسلوب التنمية الرأسمالية والدليل على ذلك أن فكرهم يخلو من مفردات مثل الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والشعب والجماهير ، والمخاطبة دائما إنما هي للصفوة صفوة رؤساء الشركات وأصحاب رؤوس الأموال والتي تتمحور في قلة تتخذ القرارات ولمصلحتها ومصلحة طبقتها لا أكثر أما يبدو من اهتمام وتأسف على حال المساكين فهو من باب الشفقة والدعوة لنيل الثواب والأجر ببذل شيء من حقوقهم لهم على أنها صدقات وأعمال بر وغيرها من كلمات أفرغت من محتواها تأخذ بيد فاعلها للجنة أو هكذا حسبوا.
يمكن اختزال القانون الجديد فيما يخص المزارع بعد إسقاط وإبعاد المواد التفصيلية الكثيرة المتصلة بمجلس إدارة المشروع وما إليه في:
· إنشاء روابط مستخدمي المياه لتكون:
ü متحصلا لرسوم المياه وتسليمها لوزارة الري بعد أن عجزت إدارة المشروع عن دفع مستحقات الري.
ü مشجبا يعلق عليه الفشل في ري الرقعة الزراعية بالترعة المعنية ,إعفاء الوزارة من أية مسؤولية عن فشل الموسم الزراعي وتدني الإنتاجية.
· تمليك الحواشة للمزارع:
ü حرية التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو غيره مما يسهل التخلص منها في وجه أسلوب التمويل الربوي للبنوك والذي لا يعترف بالكوارث الطبيعية أو فشل الموسم لأسباب خارجة عن إرادة المزارع مثل العطش أو التأثير السلبي للمبيدات أحيانا (عبارة المبيد مضروب متداولة وسط المزارعين خاصة عند تساقط اللوز عقب الرش)
ü حرية اختيار التركيبة المحصولية وهذه جعلت من (التلاتات) كشكولا عجيبا فقد رأينا القطن والقمح والذرة والفول السوداني واللوبيا العدس والبور والحلبة بل والبصل والبطيخ في تلات واحد وهذه بعضها محاصيل عروة صيفية والبعض الأخر محاصيل عروة شتوية وأقل شيء في ذلك هو بقاء المياه طوال العام في أبو عشرين التلات المعني إضافة لفرص الإصابة للمحاصيل.
يلاحظ على القانون المعني أنه أسقط إنسان الجزيرة من حساباته سواء أكان في إعداده وطرحه للنقاش العام قبل الهرولة به للمجلس الوطني لإجازته (وهو ما يسميه أهلنا في الجزيرة شغل أفندية يعملون داخل غرف مكيفة على بيانات ومعلومات أعدها أفندية)!! أوفي أهدافه.
المطلوب هو إخضاع القانون للمزيد من النقاش العام خاصة مع أصحاب الشأن المعنيين به من المزارعين والعاملين في المشروع ويمكن تكوين مجموعة عمل تضم أصحاب الخبرة من المزارعين خاصة ومن بينهم من تسنم أرفع المناصب في هذا المشروع وأصبحوا بعد التقاعد مزارعين لتلافي نتائج التنفيذ المتعجل لقانون جله عيوب وثقوب.
و إننا نتوجه بالمناشدات التالية:
· لكل الحادبين على رؤية سودان موحد يسوده الأمن والاستقرار ينعم فيه المواطن بالاستقرار والأمن.
· لأبناء الجزيرة على وجه العموم في جعل تناول هذا القانون وخطورته على إنسان الجزيرة والمالآت السياسية والأمنية المترتبة عليه موضوعا ساخنا وليس الاكتفاء بسياسة الحرد ورفع اليد.
· للصحفيين ممن لهم اهتمام ومتابعة لهذا الموضوع أمثال صلاح الباشا وخالد فضل وغيرهم لتناول الموضوع واستكتاب أهل الشأن.
· نداء خاص لبعض الإخوة المهمومين بهذا الموضوع وممن لهم رؤية محددة لعلاج ذلك أمثال السـيد عبد الله الزبير المزارع حاليا (المحافظ السابق للمشروع) والأستاذ صديق عبد الهادي(الاقتصادي) وللإخوة مأمون محمد الطيب وعبد الله محمد أحمد وعوض المجتبى للخروج بمناقشاتهم لفضاءات أوسع وكذلك للأخ د. محمد يوسف ليعود إلى ارتداء عراقي المزارع بعد أن أخذته هموم وشؤون الوزارة بعيدا عن هموم أهله المزارعين.
ولن نختم باللازمة الشهيرة اللهم قد بلغت،
ولكننا سننافح من أجل تصحيح هذا الوضع المفضي إلى كارثة وشيكة لا نراضها لأهلنا ولن نسمح بها،
هذا أو
"فيصبح قطن الجزيرة، محض كفن"
"فيصبح قطن الجزيرة، محض كفن" (من ديوان امرأة البحر أنت)
بعد إجازة قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م شكل تناول الوضع في مشروع الجزيرة وما آل إليه والتفاكر حول سبل النهوض به للخروج به من وهدته من جهة والتكالب على تفكيكه وابتلاعه من جهة أخرى حيزا في الصحافة السودانية و المواقع الإلكترونية ومنتديات الشأن العام السودانية وضمن هذا السياق أتى تناول منبر الجالية السودانية الأمريكية للوضع بالمحاضرة التي قدمها د.سلمان محمد أحمد بعنوان " أضواء علي مشروع الجزيرة .. التطورات، والمتغيرات و قانون 2005م" وتعقيب الأستاذ صديق عبد الهادي على تلك الندوة وغيرها مما هو منشور ومتداول، وهذا بعض ما عنى لنا تسطيره بحكم أننا مزارعين معنيين مباشرة بمآلات هذا الوضع وما يترتب عليها من متغيرات اجتماعية واقتصادية في المنطقة .
معلوم أن الفلسفة الاجتماعية لأي جهة حاكمة هي الموجه للأفكار والطروحات عند تناول قضايا الشأن العام وطرق تناولها وكيفية معالجة مشاكلها. تاريخيا كانت الفلسفة من وراء قيام المشروع هي قيام مزرعة لإنتاج القطن ذات عائد كبير للمستثمرين ولم يكن إنسان المشروع ضمن اهتمامات القائمين على أمر الشركة إلا في حدود الحاجة إليه كمنتج لا أكثر وما دخل ضمن الاهتمامات للقائمين على المشروع إلا بعد انتهاء عقد امتياز الشركة وأيلولة الأمر للحكومة السودانية ونتيجة لمجاهدات الحركات النقابية للمزارعين والعاملين، وهو ما أنعكس في تخصيص نسبة 6% من العائدات للخدمات الاجتماعية و المجالس المحلية ومال الاحتياطي بواقع 2% لكل منها وقد تنزل نصيب الخدمات الاجتماعية لمواطني الجزيرة (مزارعين وعاملين وعمال زراعيين وتجار.... الخ) في شكل خدمات غطت التعليم والصحة والرياضة والتنمية الاجتماعية والإرشاد وغيرها، إلى أن طبق نظام الحساب الفردي وما تبعه من محاق في ما هو مخصص لتنمية إنسان الجزيرة وبداية التدهور في الإنتاجية والعائد من المشروع. تبني الفكرة بصيغتها تلك كان يعكس الفلسفة الاجتماعية المهيمنة والمسيطرة لحركة الإخوان المسلمين المتصالحة مع نظام نميري والتي وجدت نفسها بيد مطلقة في عهد الإنقاذ لإنفاذ وتطبيق ما تؤمن به!!
يعتبر قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 هو التأطير القانوني للفكر الاجتماعي للإسلاميين ورؤيتهم للمشروع وإنسان الجزيرة. وبمجرد إصدار القانون وضعت بعض مواده موضوع التنفيذ دون التقيد بما ورد في القانون نفسه.
هوية المشروع: حدد الفصل الثاني المادة (3) مكونات المشروع والتي ضمت المزارعين والحكومة والقطاع الخاص والمحافظ...!!!!) ومثار الدهشة هو إسقاط العاملين في المشروع وإضافة القطاع الخاص لمكونات المشروع علما أن القطاع الخاص هو مقدم خدمات مساندة على أساس تجاري وبموجب عقود مع المشروع وليس كيانا ثابتا إنما شركات وأعمال تجارية متغيرة بتغير العقود والخدمات المطلوبة منها!! وكيف يتعاقد هو مكون من مكونات كيان المشروع مع نفسه.(أني مبدأ تعارض امصالح؟؟)!!
أهداف المشروع جاءت في المادة (5) وقد جاءت معممة لا ممسك فيها بينما نجد أن القانون قد خصص (18) مادة من مجموعة مواده أل(31) لمجلس الإدارة.
سنتناول أربع قضايا جوهرية في القانون وهي: الأمن الغذائي والخصخصة و روابط مستخدمي المياه و ملكية الحواشة.
طرح الأمن الغذائي بديلا لزراعة القطن ولكن الطرح كان عاما وضبابيا فالأمن الغذائي لمن؟ للمزارع أم للولاية أم للوطن ككل أم للعالم أجمع كما في شعارات الإنقاذ؟! فقد رأينا مجموعات المستثمرين المصريين تجوب ارض الجزيرة لاستئجار الأراضي (دنقدي) لزارعة الذرة الشامية والقمح والقطن المصري وزهرة الشمس للسوق المصري تحديداً بتمويل مصري؟ وما هي الجهة المنوط بها تمويل محاصيل الأمن الغذائي؟ أم ستترك للمزارع منفردا ووقتها سيختار تمويل أقل المحاصيل مخاطرة وهو الذرة، فأين الأمن الغذائي هنا؟ وهل تكريس أرض المشروع للأمن الغذائي لم يأخذ في الحسبان ضمان تمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية لإنسان الجزيرة والمزارع؟ علما بأن القانون ترك للمزارع حرية اختيار المحاصيل التي يرغب في زراعتها
الخصخصة طرحت طوق نجاة ولإخلاء مسؤولية الدولة ولم يتم تعريف ما هو المراد بالخصخصة فهل شرطا أن تباع أصول المشروع لشركات خاصة حتى تحقق الربحية ألا يمكن أن تحول الأصول لشركات تعمل بأسس تجارية وتحقق الربحيةالمراد تحقيقها مثل شركة الهندسة الزراعية وشركة سكك حديد الجزيرة الضيقة والمحالج أم أن تحقيق الربح مرهون بملكية الأفراد لا الجماعات (هنالك تغييب متعمد لدور التعاونيات) ولماذا لا يضخ النظام المصرفي أموالا في هذه الشركات عوضا عن بيعها للقطاع الخاص، والعالم كله يشهد هذه الأيام ضخ الأموال من البنوك المركزية حول العالم لانتشال بنوك وشركات خاصة. أما الخصخصة بهذه الكيفية أريد بها وأد فكرة العمل التعاوني وسط مزارعي الجزيرة والعاملين فيه وعلى ألا تعود عليهم أرباح من تشغيل هذه الشركات وقد شهدنا كيف تصرفت الدولة ببيع مطاحن الغلال في قوز كبرو والمملوكة لمؤسسة مزارعي الجزيرة التعاونية!1
روابط مستخدمي المياه والتي خصصت لها المادة (19) يراد لها أن تتولي الإدارة الذاتية للري من فم الترع الفرعية بعد أن يتم تأهيلها بنص المادة (28) الفقرة(4) ولكن الواقع يقول خلاف ذلك فقد تم تسليم القنوات الفرعية لروابط مستخدمي المياه وتحولت هذه الروابط للقيام بدور المتحصل (كمساري الري) لرسوم المياه لصالح وزارة الري والتي مارست سياسة الهروب للإمام فقد رفعت يدها عن الترع الفرعية وأصبحت تطالب برسوم المياه للدفع للمقاولين الذين تعاقدت معهم الوزارة لتنفيذ العمليات الإسعافية لإزالة الإطماء من الترع والتي لا تنجز في الترعة بكالمها حيث يتم سحب الحفارات (وهي من نوع البوكلين المخصص لأعمال حفر خنادق المواسير وأساسات المباني وليس تطهير قنوات الري ومن العادي مشاهدة البوكلين وهوعالق في جسر الترعة يجاهد للوصول لعمق المجرى ولكن بدون طائل) لإنجاز عمل إسعافي في ترعة أخرى وهكذا تتكرر العملية حيث أن الوزارة أصبحت مقاولا ولا تملك أي معدات حفر لتأهيل القنوات!!
أشار الأستاذ صديق في تعقيبه على محاضرة د. سلمان إلى تجربة روابط مستخدمي المياه في تفتيش عبد الحكم والمنطق البسيط يقول أنه كان ينبغي اختيار تفتيش واحد من كل قسم من أقسام المشروع (18) مع التركيز على التفاتيش الطرفية لأنها تعاني مشاكل العطش. كما أن الاتفاقية مع روابط مستخدمي المياه جميعها واجبات ينبغي أن تؤديها الروابط وبدون حقوق في المقابل فليس هنالك تعويض في حالة العطش وانخفاض الإنتاجية بسبب ذلك أي أن الاتفاقية ليست علاقة تعاقدية بحقوق وواجبات وشروط جزائية إنما إقامة هيكل لتحصيل مستحقات المياه من المزارعين وتسليمها لوزارة الري، كما أغفلت الفكرة الاستفادة من تجربة مجالس الإنتاج و اتحاد المزارعين في التسيير الذاتي.
هلل الجميع لأيلولة ملكية الحواشة للمزارع وأنها إنجاز تاريخي والواقع يقول إنها المدخل لنزع هذه الأراضي من المزارعين وتحويلهم لأجراء يعملون عليها ذلك أن الملكية حولت للمزارع بعد أن جعلت من المستحيل الاحتفاظ بها فعلى المزارع أن يتدبر تمويله بنفسه وعليه أن يدفع للمياه عطش محصوله أم غرق بدون تعويض مقابل عجز أو فشل الري في ذلك (أقسام الشرطة في الولاية خير شاهد على عدد بلاعات البنوك بحق المزارعين لعجزهم عن السداد) وبينما نجد أن الدول الرأسمالية نفسها تدعم الزراعة والمزارعين وبرنامج الغذاء العالمي ينادي بدعم المزارعين نجد أن المتوركين من الرأسمالية الطفيلية يحجبون هذا الدعم ليسهل لهم تفكيك المشروع ووضع أيدهم عليه. لم يشر القانون للتمدد العمراني في قرى الجزيرة والمناقل وأثره على الرقعة الزراعية
التمويل الربوي للزراعة لإفقار المزارعين وإثقال كاهلهم بالديون حيث لا خيار أمامهم غير بيع الحيازة الزراعية (الحواشة) وهو ما يهدف إليه القانون الجديد للمشروع من أجل أيلولة جميع الحيازات الزراعية لأفراد معدودين أو فرد واحد ولتتحول جموع المزارعين لأجراء عند هؤلاء!!
الفلسفة الاجتماعية التي يقوم عليها المشروع كونه مشروع إنتاجي خدمي لا تنسجم مع الفلسفة الاجتماعية للحركة الإسلامية القائمة على أساس التنمية الرأسمالية والتي لا تعرف المجتمع والجماعات إلا سوقا ويدا عاملة رخصيه وأضيف إليها من بهار الإسلام أنها ديارا لأعمال البر وكسب الأجر بغية للفردوس الموعود للمتقين من عباده
مشروع القضاء المنهجي المبرمج على المؤسسات العامة نابع من الفكر الاجتماعي للجماعة الحاكمة فمن المعروف أن حركة الإسلاميين في مجملها تبنت أسلوب التنمية الرأسمالية منهجا للحياة وسعت تأصل لذلك في فكرها مدافعة ومنافحة عن ذلك مع النيل والقدح في نمط التنمية الاشتراكية والتعاونية. ولهذا فإن الإسلاميين عندما شرعوا في تصفية مؤسسات القطاع العام والتخلص منها إنما كانوا يطبقون فكرا يؤمنون به وهو أسلوب التنمية الرأسمالية والدليل على ذلك أن فكرهم يخلو من مفردات مثل الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والشعب والجماهير ، والمخاطبة دائما إنما هي للصفوة صفوة رؤساء الشركات وأصحاب رؤوس الأموال والتي تتمحور في قلة تتخذ القرارات ولمصلحتها ومصلحة طبقتها لا أكثر أما يبدو من اهتمام وتأسف على حال المساكين فهو من باب الشفقة والدعوة لنيل الثواب والأجر ببذل شيء من حقوقهم لهم على أنها صدقات وأعمال بر وغيرها من كلمات أفرغت من محتواها تأخذ بيد فاعلها للجنة أو هكذا حسبوا.
يمكن اختزال القانون الجديد فيما يخص المزارع بعد إسقاط وإبعاد المواد التفصيلية الكثيرة المتصلة بمجلس إدارة المشروع وما إليه في:
· إنشاء روابط مستخدمي المياه لتكون:
ü متحصلا لرسوم المياه وتسليمها لوزارة الري بعد أن عجزت إدارة المشروع عن دفع مستحقات الري.
ü مشجبا يعلق عليه الفشل في ري الرقعة الزراعية بالترعة المعنية ,إعفاء الوزارة من أية مسؤولية عن فشل الموسم الزراعي وتدني الإنتاجية.
· تمليك الحواشة للمزارع:
ü حرية التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو غيره مما يسهل التخلص منها في وجه أسلوب التمويل الربوي للبنوك والذي لا يعترف بالكوارث الطبيعية أو فشل الموسم لأسباب خارجة عن إرادة المزارع مثل العطش أو التأثير السلبي للمبيدات أحيانا (عبارة المبيد مضروب متداولة وسط المزارعين خاصة عند تساقط اللوز عقب الرش)
ü حرية اختيار التركيبة المحصولية وهذه جعلت من (التلاتات) كشكولا عجيبا فقد رأينا القطن والقمح والذرة والفول السوداني واللوبيا العدس والبور والحلبة بل والبصل والبطيخ في تلات واحد وهذه بعضها محاصيل عروة صيفية والبعض الأخر محاصيل عروة شتوية وأقل شيء في ذلك هو بقاء المياه طوال العام في أبو عشرين التلات المعني إضافة لفرص الإصابة للمحاصيل.
يلاحظ على القانون المعني أنه أسقط إنسان الجزيرة من حساباته سواء أكان في إعداده وطرحه للنقاش العام قبل الهرولة به للمجلس الوطني لإجازته (وهو ما يسميه أهلنا في الجزيرة شغل أفندية يعملون داخل غرف مكيفة على بيانات ومعلومات أعدها أفندية)!! أوفي أهدافه.
المطلوب هو إخضاع القانون للمزيد من النقاش العام خاصة مع أصحاب الشأن المعنيين به من المزارعين والعاملين في المشروع ويمكن تكوين مجموعة عمل تضم أصحاب الخبرة من المزارعين خاصة ومن بينهم من تسنم أرفع المناصب في هذا المشروع وأصبحوا بعد التقاعد مزارعين لتلافي نتائج التنفيذ المتعجل لقانون جله عيوب وثقوب.
و إننا نتوجه بالمناشدات التالية:
· لكل الحادبين على رؤية سودان موحد يسوده الأمن والاستقرار ينعم فيه المواطن بالاستقرار والأمن.
· لأبناء الجزيرة على وجه العموم في جعل تناول هذا القانون وخطورته على إنسان الجزيرة والمالآت السياسية والأمنية المترتبة عليه موضوعا ساخنا وليس الاكتفاء بسياسة الحرد ورفع اليد.
· للصحفيين ممن لهم اهتمام ومتابعة لهذا الموضوع أمثال صلاح الباشا وخالد فضل وغيرهم لتناول الموضوع واستكتاب أهل الشأن.
· نداء خاص لبعض الإخوة المهمومين بهذا الموضوع وممن لهم رؤية محددة لعلاج ذلك أمثال السـيد عبد الله الزبير المزارع حاليا (المحافظ السابق للمشروع) والأستاذ صديق عبد الهادي(الاقتصادي) وللإخوة مأمون محمد الطيب وعبد الله محمد أحمد وعوض المجتبى للخروج بمناقشاتهم لفضاءات أوسع وكذلك للأخ د. محمد يوسف ليعود إلى ارتداء عراقي المزارع بعد أن أخذته هموم وشؤون الوزارة بعيدا عن هموم أهله المزارعين.
ولن نختم باللازمة الشهيرة اللهم قد بلغت،
ولكننا سننافح من أجل تصحيح هذا الوضع المفضي إلى كارثة وشيكة لا نراضها لأهلنا ولن نسمح بها،
هذا أو
"فيصبح قطن الجزيرة، محض كفن"